تبدو مليتا نوروود، البالغة من العمر 87 عاماً، لجيرانها في ضاحية بكسلي هيث الهادئة في لندن مجرد جدة وديعة ودمثة، اعتادوا رؤيتها في حديقة منزلها وهي تعنى بالتفاح وصنع المربى. لكن الصحافة كشفت النقاب امس عن جوانب خفية في حياة السيدة نوروود ونشاطها كجاسوسة بارزة لصالح الاتحاد السوفياتي على امتداد حوالى 40 سنة، الى عام 1972. وفي اعقاب صدور التقرير الذي نشرته صحيفة "ذي تايمز" على صفحتها الأولى وافاد انها سلّمت الاتحاد السوفياتي اسراراً تتعلق بصناعة القنبلة النووية، وقفت نوروود امام منزلها لتقرأ بياناً قالت فيه: "لم أقم بما قمتُ به من اجل المال، بل كي اساعد على الحؤول دون إلحاق الهزيمة بنظام جديد تمكن مقابل ثمن باهظ ان يوفر للناس العاديين طعاماً يمكن ان يتحملوا كلفته، ومستوى جيداً من التعليم وخدمات صحية". وقالت انها ليست نادمة على ما فعلته. وجاء الكشف عن عمل نوروود كجاسوسة للاتحاد السوفياتي في كتاب جديد بعنوان "أرشيف ميتروخين"، ألّفه كريستوفر اندرو بروفسور التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة كامبردج. وبدأت صحيفة "تايمز" امس نشر الكتاب في حلقات. واعطت نوروود ايضاً مقابلة لفريق يعد برنامجاً وثائقياً لتلفزيون "بي بي سي" بعنوان "لعبة الجاسوسية" سيُبث الاحد المقبل. وهي تعترف في هذا البرنامج بأنها بدأت تزويد جهاز الاستخبارات السوفياتي "كي جي بي" معلومات في الثلاثينات، واستمرت في ذلك حتى تقاعدت في 1972. ويستند الكتاب والبرنامج التلفزيوني على وثائق وسجلات جرى تهريبها من الاتحاد السوفياتي من قبل فاسيلي ميتروخين، الضابط السابق في "كي جي بي". وتظهر نوروود في ملفات متروخين تحت اسم "هولا"، وهو آخر اسم وهمي استخدمته في نشاطها التجسسي. وطالب حزب المحافظين المعارض ان تصدر الحكومة بياناً بشأن قضية نوروود. وقالت آن ويديكومب وزيرة الداخلية في حكومة الظل "لا يمكن التغاضي عن 40 سنة من الخيانة". واضافت انها تريد ان تعرف متى أُحيط الوزراء المعنيون علماً بدور نوروود، ولماذا لم تكشف المعلومات علناً. وحسب برنامج "بي بي سي" فإن الاجهزة الامنية البريطانية كانت تعرف بأنشطة نوروود منذ 1992، لكن الحكومة قررت في وقت سابق السنة الجارية ان إقامة دعوى ضدها لن يخدم المصلحة العامة. وتُقارن خيانة نوروود بما قامت به المجموعة التي تُعرف ب "الخمسة الكبار" التي ضمت اشهر الجواسيس البريطانيين، وهم: بلونت وكيرنكروس وماكلين وبرغس وكيم فيلبي فر الاخير الى الاتحاد السوفياتي في 1963 من بيروت حيث كان يعيش. وقالت وزارة الداخلية امس ان الوزير جاك سترو لم يشارك في اتخاذ أي قرار لمنع مقاضاة نوروود. واضافت ان القرارات في شأن الملاحقة القضائية في أمور من هذا النوع هي من صلاحية المسؤولين عن الامن والسلطات القضائية وحدها. ولاحظ الصحافيون الذين التقوا نوروود علامات على استمرار ولائها للمُثل التي اعتنقتها، مثل صورة تشي غيفارا على كوب الشاي، وملصق يدعو الى انهاء سباق التسلح وكراريس تطالب بانهاء الحصار الاميركي على كوبا. وقررت نوروود، التي كانت عضوة في الحزب الشيوعي طيلة حياتها، ان تتجسس لصالح الاتحاد السوفياتي في 1937، وكان عمرها في ذلك الحين 25 عاماً. يذكر ان توقف اميركا عن التعاون مع بريطانيا في صنع القنبلة النووية دفع الاخيرة الى الشروع في 1945 ببرنامجها الخاص لتطوير قنبلة، وكان يُرمز الى البرنامج باسم "سبائك الانابيب المعدنية". وكانت نوروود تعمل سكرتيرة في الجمعية البريطانية للابحاث في المعادن الخالية من الحديد في لندن، حيث اعتادت بصورة منتظمة ان تنقل وتصوّر فوتوغرافياً وثائق مهمة خاصة بالمشروع البالغ السرية وتسلّمها لضابط الارتباط السوفياتي. وساعدت المعلومات التي قدمتها للاتحاد السوفياتي على تسريع برنامجه لتطوير اسلحة نووية. وأُبلغت في 1958 انها مُنحت "وسام الراية الحمراء". وقالت نوروود انها لا تؤيد ان يتجسس المرء ضد بلده، لكنها كانت تريد ان يتمكن الاتحاد السوفياتي من مجاراة بريطانيا واميركا والمانيا في تطوير اسلحة نووية. وكان زوج نوروود، الذي توفي في 1986، عضواً مثلها في الحزب الشيوعي وكان مطلعاً على ما تقوم به. وقالت انه لم يكن يؤيدها في ذلك، لكنه في الوقت نفسه لم يحاول ان يوقفها.