مهداة إلى جواد الأسدي تُحدّقُ في اللاشيء وغُصونك السودُ تتحلّقُ حولَ العينين كعِواءاتٍ قديمة بهدوءٍ ودون مِزاحٍ تنزعُ القناعَ أمامَ مِرآتِك مُحتفلاً بيومِ الميلاد كأنّك على مسرحٍ بِصُحبةِ كأسٍ وغروبٍ جميلٍ وجَوْقةِ ملائكةٍ في عُمقِ الصالة تخاطبُ جمهورك الغائب آهٍ من حياةِ الريحِ مرّت بسرعةٍ في حقولٍ يابسة آهٍ من حياتي أرادَتْ، بدونِ فائدةٍ، تسلُّق تلكم الأبراج بارانويا يا بارانوياتي القديمة لا نجاةَ من الظروف لا نجاةَ من القدر لا مفرَّ من الفراغ وها أنتِ في مناسباتٍ كهذهِ تستيقِظينَ في الليلِ مفتونةَ، ناشطة تُزاولين سِحرَكِ الأسودَ تُطلِقين طيورَكِ السود في غُرفتي هذه إحتفالاً بعيدِ الميلاد لكنْ .. بارانويايْ يا بارانويايَ القديمة يا شمسيَ السعيدةَ السوداء تعرِفينني أنا من فيلقٍ مقاتل، قتَلَني أصدقائي أنا الحدائقي، خدَعَتْني ليلاي أنا هنا في لندن بعيد عن بلادي سأقاتِلكِ حتى النهاية سأُعالِجُكِ بتَكْشيرةِ أسنان هنا لندن هنا لندن والحياةُ تجري بسرعة في حقول يابسة هنا لندن ولندن مدينة كوزموبوليتانية عظيمة مدينة تُناسبني تماماً مدينة نساءٍ ساحرات فاختاتٍ من طرازٍ فكتوري سنونواتٍ عاريات مربوطاتٍ بخيطٍ من نور لندن .. لندن مدينةٌ بجناحين مدينة بقميص النوم لم أجدْها ... وجَدَتْني هي وهناك وقود اجتماعيٌ دائم Fish and Chips وخمسون قصة عن Spicy Girls وال Faminists وتوني بلير وماندلسون وزوجة روبين كوك وسيلفيا بلاث التي انتحرتْ بالغاز واللواطي الذي قتلَ خمسينَ من عشّاقه واحتفظ ببقايا لحومهم في ثلاّجة المهم ... أنا في لندن لا أعداءَ لي لا عالمَ ثالثاً لا أسْيجة لا مخابرات بل، حياة بيضاء حياة إلى الأبد محشوّة بعواطفَ فائضةٍ للإحتفالِ بِعيدِ الميلاد حياة تُرتشَفُ بجُرعةٍ واحدةٍ ونشْوَتُها تتصاعدُ بسرعةٍ إلى أعلى الأبراج وغداً يا بارانوياي القديمة غداً سأذهب إلى نافورة Acton Park نافورتي المفضّلة نافورتي الزرقاء المرصوفةِ بالقِرميدِ الأزرق هنالك سأجلِسُ أقرأ وأكتُبُ وستأتي تلك المرأةُ السمينة المرأة المعطّرةُ السَمَكَةُ ذات الأقراطِ الذهبيّةِ تجلسُ إلى جانبي على نَفْسِ المصطبة تعرفُ جواد سليم والبيّاتي وأدونيس تُحدّثُني عن هيامها بغموضِ الشرقِ وبصدرٍ نصف مكشوفٍ تجرّ الحديث إلى وِحْدَتِها ووِحْْدَتي مقترحةً في الأخير أن نذهبَ معاً بصُحبةِ أحزانِنا المشتركة إلى مخدعِها الأثير هنا لندن هنا لندن هنا مخدعُها المثير هنا مَخْدَعي الأخير يا للسمكةِ الذكيّة يا لحياتِها يا لحياتي يا لحياة الريحِ مرّتْ بسرعةٍ في حقولٍ يابسة لكنْ بارانوياي يا بارانوياي القديمة ماذا لو مُتُّ هنا بعيداً عن بلادي في هذه الغرفة في هذا البلد تحت هذه السماء الصحّاء ماذا لو دُفِنْتُ تحتَ هذه النجومِ البعيدةِ البعيدةِ البعيدةِ البعيدةِ التي لا تقولُ شيئاً والتي، بدونِ عاطفةٍ ولا ضغينةٍ ولا حبّ وعلى هذا الإرتفاع في الفراغِ وبقميصِ النوم تغمزُ بهدوءٍ محتفلةً معي بِعيدِ الميلاد * شاعر وتشكيلي مقيم في لندن.