بفضل الصحافة الغربية، عرفنا مضمون ونبرة العبارات البذيئة والعضلية التي أطلقها الجنترال مصطفى طلاس في حق رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات. ودائماً، وبفضل الصحافة الغربية، نعرف الردود النابية التي أطلقها مؤيدو أبو عمار في حق وزير الدفاع السوري. في ما مضى، كانت القذيفة بين الأشقاء - الأعداء تسبق الأقوال، بل كانت فعلاً يتسلى عليه الإسرائيليون. أما اليوم فالضرب من تحت الحزام إن هو إلا امتداد لهذه الحرب التي تندرج في ثقافة العنف والتي لا تقتات منها السياسة وحدها، بل الثقافة أيضاً في الوطن العربي. في هذا السياق تندرج المجزرة التي عرفتها منطقة الربيز في شرق عدن، في اليمن، بسبب تهاجٍ شعري بين مجموعة أشخاص. وبحسب الخبر الذي أوردته "الحياة" في عددها المؤرخ في 6 آب اغسطس، حصلت المجزرة حيث كانت تقام أمسية شعرية ذهب ضحيتها الشاعر وابنه وثلاثة أشخاص. ويضيف الخبر ان عوض مُشرف عبدالله البالغ من العمر 55 عاماً شخصياً لا أعرفه كشاعر ولم أقرأ له أي شيء، الذي اسمعه خصومه أبياتاً مقذعة من الشعر، استبد به الغضب فرد عليهم ببندقية آلية كانت معه فقتل ثلاثة منهم. وأضاف الشاهد ان أنصار الفريق المنافس قتلوه مع ابنه عبدالله البالغ من العمر 15 عاماً بينما كانا يلوذان بالفرار. في ما مضى، وبخاصة في العصر الجاهلي، كان لفن الهجاء وظيفة حربية. به يؤسس الشاعر بشفرة قوله للقبيلة جينيالوجية المرتبة والشرف اذ القول سلاح يعوض السيف. لكن اليوم لا يتورع بعض الشعراء، مثل المأسوف عليه عوض مشرف عبدالله، عن التسلح ببندقية والتوجه إلى مجلس الشعر وكأنه مجلس قمار على ما تعرض أفلام رعاة البقر! المؤسف ان عبارات التقريع أو مضمون المبارزة الشعرية الدامية ستبقى طي الكتمان، ولو اتيح نشر فحوى التبادل لتعرفنا على سبب تحول العبارات إلى عيارات. لكن في غضون ذلك يبقى المشهد العربي السياسي والثقافي مثخنا بسلوكات النبذ والعنف.