جاء الغلاف الخارجي لمجموعة "الأشياء" للكاتبة الكويتية الشابة باسمة العنزي في هيئة قناع مزخرف يمكن فهم مراده بعد قراءة نصوص الكتاب. وأول انطباع يتكون في الذهن بعد قراءة المجموعة هو سعي المؤلفة بدرجة كبيرة الى بناء علاقة قوية بين نصها وقارئها الذي يعد من الأبطال الرئيسيين الحاضرين بقوة في المجموعة. وجاء أول النصوص "يكاد الآن ينطفئ" مسبوقاً بمقدمة من اربعة سطور اختزنت باسمة فيها فكرة مشاهد النص، مثل وصفها لوجه الممثلة المتعب. ومثل عنوان المسرحية التي تؤديها الممثلة وهو "نفحة الحياة" واشارات اخرى تتضح بعد قراءة النص. ويأتي المشهد الأول في هيئة حوار مسرحي بين شخصيتين هما الملكة ووصفيتها وفي الحوار تلوم الملكة نفسها على تقصيرها في المحافظة على مملكتها وغرقها في اهوائها. وتحاول وصيفتها زرع الأمل في نفس الملكة وتحفيزها للنهوض بمملكتها من جديد من حال الغفوة. وفي المشهد الثاني تنتقل باسمة الى بيت المؤلف وتقابل بينه وبين نصه. يضاف الى ذلك مشاركتها بعض شخوص النص التي صاغ لها المؤلف دوراً معيناً في حوار عن ادوارها في المسرحية مثل الحوار بين الملكة التي هي احدى شخصيات نص المؤلف وبين المؤلف نفسه مما يجعلنا امام عالمين هما واقعية الحدث وخيال المؤلف، وعنهما تنتج شخصيتان احداهما خيالية والاخرى واقعية وهذا الجمع بين شخصيتين لهما عالمان مختلفان اضاء للمتلقّي بعض نواحي النص. وحرَّك الشخصيات بديناميكية تعلو على لغة التمثيل وان كان على خشبة المسرح. ففي المشهد الثاني على سبيل المثال جعلت باسمة شخصية نصها الملكة تخرج من خيال التمثيل وتدخل الواقع من خلال لقائها بالمؤلف لتطالبه بتبديل نهايتها ونهاية مملكتها التي وردت احداثها في نص المؤلف. ومن خلال هذا الالتقاء بين الواقع والخيال تصور باسمة موقف المؤلف في نصه عندما لا يستجيب للتدخل فيه وتغييره بل يمعن في تقريع الممثلة الملكة التي ارادت التدخل والتغيير ويحاكمها على الماضي الذي اقترفته. ومن ناحية أخرى يتواصل حوار الممثلة / الملكة مع المؤلف عن التفاصيل المستقبلية التي لم ينته بعد من كتابتها تواصلاً يجعل القارئ يتوحد بالنص حينما يقرأ أسئلة الملكة / الممثلة في ذلك الحوار عن تفاصيل الأحداث، وعن النهاية: وكأنها بذلك تطرح أسئلة القارئ نيابة عنه: "الملكة: في القصة التالية ألن تصحو الملكة من سباتها وتقترب من الناس؟ / المؤلف: قصتها آخر القصص... مجهولة مثل المجهول نهايتها. / الملكة: آه... لماذا لم تأتِ إلى مخيلتك تلك النهايات السعيدة". ومن خلال ذلك تتضح علاقة نص باسمة بقارئه. وتعمق باسمة هذه العلاقة فتجعل المؤلف قارئاً يجهل أحداث النص. ويشارك القارئ لحظة الاكتشاف. وعن ذلك التنوع والتقابل بين الواقع والخيال وبين ما حدث وما سيحدث للشخصيات التي تمثل تلك العوامل تقول باسمة العنزي: "هذه محاولة صغيرة مني لصدم القارئ تساعده على رؤية ذاته وقد انفرطت أمامه وتمردت على القوالب المعدة لها سلفاً، وشاركت من دون تخطيط مسبق في صنع لحظة الوعي الخاصة بها الممتدة من اعماقه إلى آخر كلمة في النص. والشخصيات التي تخرج من خلف الستارة في منتصف العرض ليست بغريبة على القارئ ولا أستطيع اخفاءها طويلاً في الظل لأنها موجودة رغماً عنا". وعن الحضور القوي للمؤلف في نصوصها تقول باسمة: "ذلك مقصود مني لإبعادي عن الهيمنة الكلية على النص وليتمدد القارئ قليلاً، ويمنح المؤلف فرصته للتعليق على ما يدور حوله خارجاً من عزلته وغير عابئ في الوقت ذاته بردة الفعل على تمرده المفاجئ". وفي النص الثاني من مجموعتها "الأشياء" تنبثق رؤية العنزي من قاعة المسرح لتصفها وتصف المتفرجين وصفاً يتصور القارئ من خلال القاعة محكمة وشخصية مؤلفة النص المسرحي قاضياً، والمتفرجين وبخاصة متفرجي الدرجة الممتازة، مذنبين: "تغص القاعة بالمتفرجين المتشابهين الى حد الجنون، على مقاعد الصف الأول يجلس منكّسو الرؤوس ذوو الابتسامات النامة عن شعور طاغ بالذنب والعزلة، وخلفهم ابتداءً من الصف الثالث حتى الأخير تحتل المكان والأجواء المعطرة أجساد مختلفة التضاريس ملفوفة بثياب سوداء ذات ياقات عالية وتصاميم حديثة. أجساد تخلصت من عبء حمل الرؤوس الى المسرح". وتأتي لغة باسمة قاسية عند وصفها سلبية المشاهد المسرحي الذي يدخل صامتاً ويخرج صامتاً من دون تعليق. وتأتي صياغة العنزي لنهاية المشهد معبرة عن موقف مؤلف النص من تمثيل نصه على خشبة المسرح تمثيلاً لا يوافق نصه وقد كتب: "تسدل الستارة وسط تصفيق الجمهور، تتململ المؤلفة من جلستها، تستحضر روح المشهد قبل أن يمسي مشاعاً للجميع، عندما كان مجرد نص ملون ملتصق بأوراقها البيضاء وبذكرى امرأة ألهمتها إياه". وتستعرض باسمة في نهاية المشهد موقف المؤلفة التي تتفرج على تمثيل نصها وتكتب ملاحظاتها التي تجعل القارئ يفهم ملابسات المشهد من خلال معالجة نقدية لا تكون هذه المرة من الناقد بل يتزعمها المؤلف بنفسه: "المؤلفة تخرج كراسة صغيرة لتدوين ملاحظاتها وسط العتمة. / الممثلون عاجزون عن ترجمة ما كتب. / المخرج يستند الى شهرته ويتخلى عن موهبته. / المشهد الثالث مختلف ومقحم على العمل، وعلى رغم ذلك يبدو رائعاً...". وعن هذا التحول الذي أحدثته باسمه لقاعة المسرح وللشخصيات ولموقف المؤلف تقول: "حضور الأنا - الخصم ربما جاء تعبيراً عن بحثنا الدائم عن العدالة برؤية أحادية الجانب. نحن ننشد قداسة العدالة عندما يتعلق الأمر بنا. أما بالنسبة للآخرين فالوضع ربما يكون مختلفاً لأننا لم نحتل يوماً مكانهم. في نصوصي الادوار متبادلة والمتفرج الجالس على مقعده قد يقذف به فجأة للعب دور البطولة. لذا فلن يكون ولاؤه الكامل لنصف حقيقته فقط. وسيتجاوز ذاته وذاته المضادة، بما أنه في حال إبدال مستمر مما يحقق شيئاً من العدالة شبه المفقودة على أرض الواقع". ويشترك نص "الصراصير" مع نص "جئت لمجرد الفضول" من حيث علاقته بالمسرح. لكن رؤية باسمة هذه المرة تأتي من خلف الكواليس. وخلف الستارة يبدأ مشهد آخر ينطلق معه نص باسمة بمشاركة بطل هو "الصرصار" يقف على صورة شفة الممثلة التي تعكسها مرآتها مما يستفز الممثلة ويدعوها إلى الاستطراد في وصف الصرصار وصفاً ذميماً. ويتضح ان باسمة صعدت النفس السردي تصعيداً متواصلاً في هذا النص المسرحي مما أدى إلى تكثيف مشهد الصرصار في خيال القارئ تكثيفاً يبدو معه الصرصار نسخة مزيفة اصلها صنف من الذكور تنحدر نظرته عن روح وعقل المرأة إلى جسد الأنثى. ويوحي بذلك وصف العنزي لزينة الممثلة ووقوف الصرصار على الشفتين مركز اشتهاء الجسد فالصرصار في نص باسمة لم يكن تلك الحشرة المسكينة. وتأتي نهاية المشهد لتعبر عن ذرورة المتعة بسقوط الآخر تحت قدمي الأنثى بعد غرقه في النشوة: "أكرهك أكرهكم جميعاً، أقسم أنني لم أكن أعرف، لكنني عرفت ذلك من كوابيسي الليلية. حيث يخرج الآلاف منكم من الحفر العميقة ويتجهون نحوي بهدوء شرير وإصرار غريب، رغم صراخي وانهياري وضعفي اللامعقول أمامكم، وبكائي بطريقه هستيرية، تستمرون في التقدم والضوء ينسحب تدريجياً من حيزي باتجاه العتمة تاركاً لكم بقاياي لتستمتعوا بإيذائي". ودون النصوص الأخرى في مجموعة "الأشياء" قسمت باسمة نص "لعبة جوفاء" إلى لوحتين وليس إلى مشهدين وتعلل باسمة ذلك بتحليل منطقي للنص نفسه بقولها: "ربما الإيقاع الواحد البطيء العميق في الحواربين شخصين يشكلان عالمين متنافرين ويجمعهما تخاطر لامرئي مبتعدين عن الحركة والانفعالات والأفعال.. ربما كل ما سبق دفعني بلاوعي مني إلى شطر النص إلى لوحتين في كليهما حوار بين الموت والحياة والالتزام والانفلات". وتأتي خاتمة "لعبة جوفاء" مفسرة بداية النص التي تقول: "يمكن ان نصنع مسرحاً من كل شيء" وهو تفسير قد يكون سلبياً ويعني لا مبالاتنا بدور المسرح وفاعليته في الواقع، وتنفي في الوقت ذاته عبارة الخاتمة: "يجهل الأول أن ما يراه ليس حقيقة!. يرفع رأسه محدقاً في الفراغ ليعيد اكتشاف الخديعة الأزلية، أن الثاني اختفى.. ربما منذ السطر الأول. يفرط في التوهم، يبدو أن كل ما يحدث فوق خشبة المسرح لا وجودله بالنسبة لنا". وباسمة إحدى المبدعات الخليجيات اللائي يشغلهن التعبير عن قضايا المرأة من مجتمعها المحافظ ويبدو ذلك في مسرحية "وداعاً .. سوف أُغلق الباب" التي مهدت لها العنزي بطريقة تساعد على فهم حال المرأة في المجتمع التقليدي الذي تضطرها إلى اختيار الفناء حلاً للتخلص من الظلم. واستعانت باسمة بموروث الاسم "بثينة" الذي يحتشد فيه تاريخ طويل لمأساة المرأة العربية عبر العصور. وعن هذه المسرحية التي هي من مشهد واحد تقول باسمة عن المرأة أو عن "بثينة": "حاولت أن أعبر عن غربتها وضياعها ومحاولتها الطفولية للخروج من الشرنقة".