ضد انتماء النص لأي مكان محدد ومع حضور المرأة في المسرح، حضوراً يليق بمكانتها الاجتماعية اليوم، إنه المؤلف المسرحي السعودي عباس الحايك والذي اجتاز مبكراً الحدود الجغرافية في التعاطي مع العمل المسرحي، معطياً لكتاباته المسرحية بعداً إنسانياً حظي باهتمام النقاد والمخرجين المسرحيين العرب من الرباط إلى بغداد؛ بعد أن نفذت له سلسلة من عروض على امتداد الخليج والوطن العربي؛ مستطيعاً تأسيس علاقة وثيقة مع المشهد المسرحي العربي الشاب وإن كان على حساب المشهد المحلي الذي لا يراهن عليه كثيراً؛ إذ أن نصوص الحايك المنتمية لمسرح التجريب، لا تتقيد، بطبيعة الحال، بأي أطر أو ظروف تحكم المسرح المحلي، بل تحلق مع موضوعات تمس ذات وجوهر الإنسان وقلقه الوجودي في هذا العصر؛ وهو ما دفع مخرجين كبار كالعراقي الراحل قاسم محمد والبحريني عبد الله السعداوي أن يشتغلوا على واحد من أهم نصوص الحايك وهو (فصول من عذابات الشيخ أحمد) إلى جوار تجريب مخرجين آخرين مع صاحب نص (المزبلة الفاضلة)، والذي حصد من خلاله الحايك جائزة أفضل نص مسرحي في دولة الكويت. في هذا الحوار نضيء، إذاً مجموعة محاور من تجربة كاتب سعودي لقي اهتماما ثقافيا عربيا لم يجده في بلده، رغم دعمه المسرح السعودي ببحث مهم نشر في الموسوعة المسرحية العربية بالشارقة، سيصدر ضمن كتاب شامل، قريباً عن (تاريخ المسرح السعودي)، والذي يهدف من خلاله كما يقول: "تغيير الصورة النمطية عن هذا المسرح السعودي"؛ منتقداً غياب جهة (وليس أفراد) توثق تاريخ الحركة المسرحية، التي كما يرى ظلمت من أهلها أكثر من ظلم الآخرين: * كيف تنظر للمشهد المسرحي المحلي من ناحية الكتابة والتأليف؟ - ما يميز المسرح في السعودية هو وجود عدد من الكتاب المسرحيين الذين يرفدون المشهد المسرحي والمكتبة المسرحية العربية بالنصوص، لدرجة الاستعانة بالنصوص السعودية في العديد من المسارح العربية. وهو ما دعا الدكتورة وطفاء الحمادي وهي الناقدة والأكاديمية المسرحية المعروفة لتلقف حقيقة وجود الكم والنوع في النص المسرحي السعودي لإنجاز كتاب نقدي يقرأ المنجز الكتابي المسرحي في المملكة لتميزه، إذ تناولت ظروف الكتابة والموضوعات التي تطرق لها الكتاب السعوديون التي تنوعت في شتى المجالات. النص المسرحي السعودي واقعاً متقدم على التجربة المسرحية في اشتغالاتها، وهذا مرده إلى أن الحرية في الكتابة تتجاوز الحرية في العرض. أعتز بتجربتي مع قاسم محمد والسعداوي * ولكن حركة التأليف المسرحية لم تحظ بذلك الاهتمام الأدبي والثقافي، كما حظيت الرواية مثلاً؟ - نعم، هذا واضح حتى في حركة النشر التي تقوم بها الأندية الأدبية أو وزارة الثقافة والإعلام، فنصيب النص المسرحي المنشور لا يقارن بأي مجال أدبي آخر. إضافة إلى أن حضور الكاتب المسرحي في المشهد الثقافي يبدو محصورا في المشهد المسرحي، دون اعتبار لوجوده ولمنجزه الذي تنبه له أكاديميون خارج الحدود. حتى على مستوى الجامعات يبدو الكاتب المسرحي السعودي غائباً عن البحوث والكتب التوثيقية والنقدية. إطراء الآخر أضر المسرح السعودي * إلى أي مدى أثر واقع المسرح السعودي وظروفه على حركة التأليف المسرحي وهامش الكتابة لدى المؤلف؟ - سأتحدث عن مسارين، المسار الأول هو الكتابة بغرض العرض داخل السعودية، وهذا المسار متأثر بشكل كبير بالظرف الاجتماعي، فغياب المرأة عن المسرح ومنعها من الصعود على الخشبة جنباً إلى جنب الرجل سيحد من حرية الكاتب وسيضيق من أفقه، فنصه ستغيب عنه المرأة وسيكون ذكورياً بامتياز، يعالج قضايا ذكورية بشخصيات ذكورية، لا تحضر المرأة سوى بشكل خجول متوار كذكرى مجردة، وهذا ما يخل من مصداقية النص الذي لا يتوازى مع فاعلية المرأة على المستوى الاجتماعي، وربما هو ما فتح الباب لوجود مسرح نسائي تجد فيه المرأة سانحة للتطرق لقضاياها أمام جمهور نسائي، وهو حل قد يبدو كالمسكن قد يزول أثره. إضافة لذلك فإن الكاتب المسرحي السعودي يبدو أقل شجاعة من غيره من كتاب رواية أو مقال في طرح قضايا مهمة. المسار الآخر هو الكتابة دون البحث عن العرض داخل السعودية، وهنا يبدو الفضاء أرحب، لا خوف ولا خشية. غياب المرأة عن المسرح يضيق خيارات المؤلف المسرحي * أين تجد نفسك؟ - أنا أنتمي للمسار الثاني، وهذا ما قلل من فرص عرض نصوصي داخل المملكة، نصوصي يبدو لها حضور في الخارج أكثر، فهي قدمت في الكثير من الدول العربية، في مهرجانات وجامعات، فمثلاً في سلطنة عمان قدم لي أربعة نصوص لأكثر من فرقة، الكتابة بغرض العرض داخل المملكة سيضيق من فرصة حضوري المحلي، فأنا أحتاج لانتماء لفرقة مسرحية أتعاون معها على الدوام، فبدون هذا الأمر لن يكون للنصوص فرصة للعرض. أشعر بالارتياح أكثر بأن نصوصي تسافر بي لمدن لم أزرها، وجعلت مني كاتباً معروفاً خاصة عند الشباب المسرحي وهم من أتوجه لهم أولاً. أدعم المسرح السعودي ولكن لا أراهن على المشهد المحلي * كتابك الذي يحمل اسم مسرحيتك (المزبل الفاضلة)، ترجم ونفذ في أكثر من بلد عربي، حدثني عن هذا النص وهذه التجربة؟ - كتبت النص الذي يتناول حكاية أشخاص وجدوا أنفسهم في المزبلة لتكون مدينتهم التي تهبهم الحرية التي تغيب خارجها، نشرته أولا في موقع (مسرحيون) ولم يدر في ذهني أن هذا النص سيحظى بكل هذا الاهتمام على المستوى العربي، ربما الاسم هو ما يثير الدهشة والرغبة في اكتشاف النص، ومن ثم تنفيذه. أول مرة عرفت بتنفيذه كان صدفة في جريدة عراقية وقد سبق اسمي (الكاتب العراقي)، توالت الصدف التي عرفتني بتنفيذ نصي في العديد من الدول العربية، وحتى الآن هناك من يبحث عن النص ويبحث عن تجسيده. بالمناسبة هو النص الوحيد الذي نفذ لي في السعودية قبل أن اخوض تجربة مسرحية نسائية. شاهدت من التجارب ثلاثا، السعودية وكانت اخراج ماهر الغانم والكويتية إخراج علي المذن والقطرية إخراج فهد الباكر. الجميل أن الممثلين الشباب الذين عملوا في مسرحياتي بعضهم صاروا نجوما في بلدانهم. علي السعيد * هل تعني أنك لا تحظى بالاهتمام اللائق في المشهد المسرحي المحلي؟ - محلياً نعم، أنا غائب حتى عن المشاركات المسرحية من مهرجانات أو مؤتمرات، أو حتى في حالة توثيق التجربة المسرحية السعودية. ففي كتاب حليمة مظفر (المسرح السعودي بين البناء والتوجس) الذي تناول الكتابة المسرحية السعودية لا وجود لتجربتي الكتابية في الكتاب. الوزارة أيضاً طبعت عددا من النصوص المسرحية لكتاب سعوديين، بينما أنا تكفلت شخصياً بطباعة نصوصي في دار نشر أردنية، نعم، أشتكي الغياب أو التغييب أو أي توصيف يصلح. عباس الحايك * لماذا؟ - الحضور في المشهد المسرحي يحتاج لمجموعة عوامل، منها الحضور المسرحي من خلال النصوص التي تنجز على الخشبات السعودية والتي تحظى بفرصة تمثيل المملكة في الفعاليات المسرحية الخارجية، ومنها ما أعترف أني لا أملكه، وهو فرض ذاتي على هذا المشهد، أنا أعمل بشكل مستقل ولا أسعى للمشاركات الخارجية، ولا أسعى لفرض اسمي لا على الوزارة ولا على الصحافة حتى، لا يورق لي الترويج لاسمي ونشر أخباري بداع وبدون داع. * إذا، على ماذا تراهن في إيصال نصك؟ - لا أراهن على المشهد المحلي مع كل احترامي ودعمي للمسرح السعودي، رغم أني أتمنى أن أرى نصي مجسداً على الخشبات السعودية. أنا أكتب دون أضع في الاعتبار مكان وكيفية العرض، أكتب وأنشر على النت وهي الطريقة الأسهل والأجدى لإيصال نصي لأوسع دائرة، أنا أراهن على الحضور العربي، أبحث أن يكون لي أثر في كل خشبة عربية، أراهن على أن يقرأني المسرحيون بتجرد، يقرأون نصوصي وإن بدون بغية العرض. ربما هو رهان أي كاتب عربي، الانتشار بجدية ودون اسفاف. * أشعر من كلامك أنك ضد قسر المنتج الإبداعي على الانتماء الجغرافي أو غيره؟ - نعم، الكتابة ضد الانتماء، وما أكتبه ينتمي لإنسان دون توصيف أو تصنيف، هل بالضرورة أن أقرأ كوني كاتباً سعودياً؟ أنا أكتب لأكون مجرد كاتب يبحث في قضايا الانسان ليصلح نصه لكل مكان. كما أني ضد أن توضع تجربتي في سياق جغرافي، فكلنا يعرف تلك النظرة السائدة والنمطية عن المسرح السعودي، التي تجعل من المسرحي السعودي يستجدي إطراء مسرحيا، وهذا ما أضر كثيراً بالمسرح السعودي. ككاتب أنا ضد كل السياقات، فقط أطالب بقراءتي وقراءة النص المسرحي السعودي بتجرد. وضمن معيار فني لا اجتماعي. * مع أن رهانك مطلق الانتماء في الكتابة، إلا أن لديك كتابا شاملا عن تاريخ المسرح السعودي، سيصدر قريبا، حدثني عنه وعن المنطلق في تأليفه؟ - نعم، هذا لا ينفي أن أنشغل بتجربة المسرح السعودي، الذي ظلم حتى من أهله، استشعرت غيابا في الجانب النقدي، التجربة دائما ما تخضع لمعايير اجتماعية وسياسية بعيدة عن المعيار الفني، ووجدت أني من الممكن أن أنجز بحثاً توثيقياً عن المسرح ربما أستطيع تغيير الصورة النمطية التي تترافق والمسرح السعودي، أنا في النهاية مسرحي سعودي، ويهمني تغيير الصورة وتقديم صورة مغايرة، ويهمني أن أشتغل على الجانبين التوثيقي والنقدي للمسرح السعودي. ففي الكتاب عرضت لروايات البدايات والجهات التي قدمت عروضا مسرحية، وللفرق المسرحية الأهلية والرسمية. أجد أنه دوري كمنشغل بالمسرح أن أشارك في انجاز كتاب عن هذا المسرح. * هل لك أن تضعنا أكثر في أجواء الكتابة وما يعتبر جديداً فيه عما كتب في ذات المجال؟ - في الكتاب عرضت لكل الأراء التي تحدثت عن البدايات، ووضعت هذا أو ذاك رائداً للمسرح السعودي، تقصيت البدايات عبر الوثائق، وفندت بعض الروايات التي لا أرى أنها تتسق مع الحقيقة التاريخية، كما أني استعرضت كل الجهات التي شاركت في الحركة المسرحية السعودية وساهمت في تشكيلها، كما استعرضت المتغيرات الاجتماعية التي أثرت على هذه الحركة سلباً وإيجابا، كما أني قرأت التجربة نقدياً. كله لأشكل صورة واضحة المعالم عن المسرح في السعودية. * تقول ان المسرح السعودي ظلم من أهله. كيف؟ - أولاً غياب الجانب التوثيقي، لا يوجد جهة معنية بتوثيق التجربة سوى بادرة فردية من المسرحي علي السعيد، ثانياً غياب الجانب النقدي الذي يقوم ويقيم التجربة، فليس هناك نقد مواز لما يقدم. وسأضيف بأن المسرحيين انشغلوا عن تكريس المسرح والرفع من القيمة الفنية بالخلافات والاختلافات والصراعات، حتى في ريادة المسرح يتصارعون، رغم أن الريادة شكلية ومجرد شرفية. كل شيء مدعاة للخلاف في المسرح السعودي, لو أنهم يتفرغون للعمل والانجاز لكان أفضل. * دائما ما ينظر للمسرح السعودي من الخارج بشفقة، خاصة في المهرجانات، هل غياب المرأة سبب أم ماذا؟ - أجل، لدرجة أن ناقداً خليجياً أطلق على المسرح السعودي المسرح الأعرج لغياب المرأة، وهو ما يجعل من تغيير الصورة صعباً ويحتاج لجهد وعمل مضن لرفع قيمة ما ينتج لإثبات إمكانات المسرحي السعودي، أضف لذلك مسألة الحرية، التي تبدو أقل رحابة مقارنة مع المسرح في الدول العربية الأخرى. كما أن ندرة وجود الأكاديمي المسرحي عامل آخر يكرس لهذه النظرة. * بالمناسبة، أنت مع أو ضد صعود المرأة السعودية على خشبة المسرح؟ - مع أكيد، المرأة على المستوى الاجتماعي حاضرة، هي تعمل في العديد من المجالات التي لم نكن نتخيلها، في المصانع والمحال التجارية، وهي حاضرة في شتى الفنون والآداب، في الفعاليات والنشاطات، كما أنها حاضرة في الدراما، فما المشكلة إذا في حضورها على الخشبة، وكما تلتزم المرأة بعادات وتقاليد المجتمع السعودي ستلتزم على المسرح، ولا يضر وجود المرأة بالحجاب من ممارستها فن المسرح، فيمكنك النظر مثلاً للمسرح الايراني، المرأة حاضرة بقوة وبحجابها. نحتاج لتغيير ذلك النمط من التفكير المتسيد اجتماعياً. * كيف تفسر وجود مسرحيين سعوديين يرفضون تمثيل المرأة بجوار الرجل؟ - ربما هو نابع من موقف اجتماعي واحترام لخصوصية المجتمع السعودي، واحترام العادات والتقاليد في مجتمعنا، وربما هو الاحساس بقدرته على الكتابة بشخوص ذكور دون الحاجة لوجود امرأة. أكيد أن كل مسرحي ينتظر السماح للمرأة بالعمل المسرحي، ولكن ما نبحث عنه أن يكون حضورها فاعلاً وليس مجرد مكمل. حضور يبرز قضاياها وتكون المرأة في مستوى أهميتها الاجتماعية. * أخيراً، من هو المخرج الأقرب لقلبك ولروح نصك؟ - ربما لأني لم أشاهد الأغلب من الأعمال التي نفذت لنصوصي، لكن نص (المزبلة الفاضلة) الذي قدم في مهرجان الكويت للشباب وحصلت فيه على جائزة أفضل نص، وأخرجه الكويتي علي المذن كان الأقرب إلى قلبي، في العرض كان هناك اقتراب أكثر من روح النص المرحة فهو لم يتعامل معه كنص تراجيدي ولكنه اكتشف الكوميديا فيه. وأيضا المخرج البحريني عبد الله السعداوي قريب مني كتجربة منفردة وكرمز. من الجميل في تجربتي، أن مخرجين من الأسماء الهامة تعاملت معهما، وهما تجربتان ما زالتا في ذاكرتي، الأولى مع المسرحي العراقي الراحل قاسم محمد الذي عمل كدراماتورج لنص (فصول من عذابات الشيخ أحمد) وكان ينوي إخراجه لكنه أسند للمخرج حسن رجب، في نقاشنا حول العرض، كان قاسم معلماً مسرحياً حقيقياً تعلمت منه وبقي علامة في ذاكرتي. التجربة الثانية كانت مع المخرج البحريني عبد الله السعداوي الذي قدم جزءا من نصي نفسه ضمن مجموعة نصوص في مسرحيته (الصفحة الأولى من الجريدة)، مجرد الحديث مع السعداوي هو درس من دروس المسرح.