سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أبو داود : عارضت قرار احتلال مراكز الشعبية والديموقراطية قبل موافقة أبو عمار وأبو اياد مزايدات حبش وحواتمه أوقعت الميليشيات الفلسطينية في مشاكل سياسية وعسكرية
انتهى أبو داود في الحلقة الماضية من رواية القصة الكاملة لعملية ميونيخ. ويبدأ من حلقة اليوم برواية تداعيات الاحداث وتطورها وصولاً الى ايلول الأسود في الأردن في العام 1970، فيذكر ان انشقاق الجبهة الديموقراطية عن الشعبية كان بتحريض من حركة فتح، وأدى الأمر الى حصول مزايدات بين الجبهتين وتجاوزات سياسية أوقعت منظمة التحرير الفلسطينية في مشاكل كان بالإمكان تجنبها. وهنا ننشر مقتطفات من الفصل الحادي عشر أنقذْني من ورطة مستحيلة: اطلقْ سراح الديبلوماسي الأميركي! لا، لا مجال للافراج عنه قبل ان تلبّى جميع مطالبنا! كان ذلك في 8 حزيران/يونيو 1970، وكنت في مركز للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الوحدات احاول اقناع مسؤولين عن هذا التنظيم بالافراج عن موريس درايبر، السكرتير الاول في السفارة الاميركية في عمان الذي خطف مساء وسط المدينة بينما كان يستقل سيارة في طريقه الى مأدبة عشاء. وكان من شأن هذه المسألة اشعال النار في الهشيم في الأردن. بدأ كل ذلك من حادث بسيط، حصل فجأة في الأمس ايضاً، في الزرقا، وهي مدينة صناعية صغيرة وآهلة بالسكان تقع على عشرين كيلومتراً جنوب - شرق عمّان. ففي اطار حملة لجمع التبرعات لمنظمته حاول احد عناصر الجبهة الديموقراطية، حركة نايف حواتمه المنافسة للجبهة الشعبية، ابتزاز المال من جندي اردني بقوّة سلاحه. كان الأمر سيئاً للغاية، لاسيما وأنّ هذا الجندي ينتمي الى القوّات الخاصّة، وهي وحدات من النخبة يشرف عليها قائد الجيش الشريف ناصر بن جميل، خال الملك ... والى ذلك ايضاً، تضم الزرقا العديد من الثكن العسكرية. في الواقع، تحوّل الحادث مواجهات عنيفة بين وحدات من الجيش الملكي، وعناصر آخرين في صفوف الميليشيا. هرعتُ بالسرعة الممكنة وتمكنت من وضع حدّ لذلك، ولكن كان قد وقع 22 شخصاً بين قتيل وجريح. وتم ايضاً اعتقال 42 عنصراً من الميليشيا لم استطع منع اقتيادهم الى سجن عمّان المركزي دون استباق نتائج التحقيق اللاحقة. .... يبقى انه في ذلك المساء خطف موريس درايبر على أيدي رجال حبش. اضافة الى انه في اليوم التالي انضمت الجبهة الديموقراطية الى الشروط الموضوعة من الجبهة الشعبية لاطلاق الديبلوماسي: تحرير 42 جندياً محتجزين في الزرقا، وعزل خال الملك من منصبه في قيادة الجيش، واقصاء عدد من الضبّاط. وتساءلت: اين يا ترى ستتوقّف هذه اللعبة الصغيرة؟ خلال هذه الفترة، لم تكن قيادتنا عادت من القاهرة حيث كان المجلس الوطني الفلسطيني السابع انهى اعماله قبل أيام. غير انّ اللقاءات تلاحقت في عمّان بين السلطات وممثلي المجلس المركزي للمقاومة الفلسطينية تفادياً للأسوأ، كما انه منذ عصر ذلك النهار، لم تكفّ دوريّات مشتركة بين الجيش وشرطتنا عن التجول بجيباتها في المدينة مضاعفة النداءات الى الهدوء، عبر مكبّرات الصوت. اخيراً قصدني كلّ من ابو صبري وهاني الحسن وقالا لي: - ابلغ رجالك لان يكونوا جاهزين لاحتلال مراكز الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية. ربما ليس لدينا خيار آخر مع هاتين الحركتين سوى التخلص منهما بسبب المشاكل التي تخلقانها لنا فقلت لهما: - لا، لن أعطي امراً من هذا النوع. لننتظر عودة ابو عمّار وابو اياد وفاروق القدومي والآخرين. عندها نرتأي جميعاً... وصلت الأمور الى هذا الحدّ ذلك اليوم، عندما ظنّ ممثّلونا في المفاوضات مع القصر ان السلطات وافقت على الافراج عن الجنود المحتجزين في الأمس في مقابل اطلاق الديبلوماسي الاميركي. غير أن الاردنيين لم يكونوا في وارد الرضوخ لمطالب الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية، في انتظار تحقيق فعلي حول ما جرى في الزرقا. وبدا لي ان التسوية المقترحة عادلة. كذلك، بصفتي المزدوجة كقائد اعلى للقيادة الموحّدة للميليشيا الشعبية وقائد لميليشيا فتح في الاردن، حاولت الضغط على قادة الجبهة الشعبية من اجل الموافقة على تحرير اسيرهم. لكنني لم اتوصّل الى نتيجة مع جورج حبش. فقلت له: اسمع. أنت تضعني الآن في موقف صعب. ليس في نيّتي القتال ضدكم. لا شيء نكسبه في صراع الأخوة، ولكن اذا جاءني الامر فسوف اضطر الى التحرّك ضدّك. ولا تنسَ أننا نحن حركة فتح، الى جانب حلفائنا "الصاعقة" في عمّان، نحن الأقوى. وأنك لن تستطيع الصمود امامنا اكثر من يومين. ما هو اذن خيارك؟ نفع انذاري هذا. فوافقت الجبهة الشعبية على اطلاق الديبلوماسي الاميركي. وفي المساء عاد موريس درايبر الى سفارته. ولكن، بخلاف توقّعنا، لم يفرج عن الجنود المعتقلين. فأحسسنا جميعاً أنّه تم خداعنا وأوّلهم انا. ليس هذا كل شيء. ففي صباح اليوم التالي، قبيل الفجر، بدأ وابل من القذائف التساقط فوق الوحدات وجبل الحسين. كان ذلك بمثابة مواجهة جديدة بيننا وبين الحكم. باغتتْني هذه الأحداث بشكل كلّي. فمنذ الاتفاق الذي وضع حداً لأزمة شباط فبراير بدأت العلاقات تتحسّن على العموم بين الحكومة الاردنية وقيادة المقاومة. دون شك كان الأمر يتطلّب بضعة أسابيع كي تعود الثقة بين الطرفين. البعض منا استمرّ حاقداً على اللواء الكيلاني الذي كان ترك منصبه. وذات يوم بينما كنت اتنقّل في جيب لاند روفر وسط المدينة اضطررت الى معاقبة فدائي من مواكبتي. فما ان رأى، من زاوية الشارع، وزير الداخلية السابق يتحدّث الى بعض المارة، لم يستطع السيطرة على نفسه ومحاولة قتله. فصاح قائلاً وهو يشهر بندقيته: "هذه المرة حسابه عندي!". فما كان منّي الاّ ان نزعت السلاح من يديه وصرخت في وجهه: "هل انت مجنون! تريد التسبّب بأزمة جديدة؟ ألا يكفيك اذن قتلانا في شباط؟". وعند العودة الى الوحدات أصدرتُ أمراً باعتقاله. ...، والحقيقة اننا استعدنا تفاؤلنا كاملاً. فبعد فترة هدوء في شباط وللأسباب السابقة، عاد مغاويرنا الى حرب العصابات على نطاق واسع في الأراضي المحتلة، وفي اسرائيل أيضاً، بمعدل ستّ عمليّات في اليوم الواحد. وهنا كلمة عما استطعت قراءته في تلك الحقبة، في ربيع 1970، في العديد من مقالات الصحافة الدولية. يبيّن المحررون جميعاً، بما اوحت اليهم الاشاعات الاسرائيلية، ان فدائيينا المأسورين او المقتولين في العمليات يحملون على ظهورهم حصصاً غذائية تكفيهم لسبعة ايام من الصمود. كان هذا هو الدليل - بحسب الصحافيين - على أن السكان العرب في الأراضي المحتلّة او في اسرائيل يرفضون تموين مقاتلينا. بكلّ بساطة لم يدركوا ان فدائيينا يقومون بمهمات تجبرهم على التغلغل عميقاً وراء الخطوط الاسرائيلية، وانهم اذ ينطلقون من الضفة الشرقية للاردن او من جنوب البحر الميت، عليهم ان يسيروا ثلاثة واربعة ايام كي يصلوا - اذا جرت الأمور على ما يرام - الى اماكن يمكنهم فيها التموّن لدى السكّان المحلّيين! كانت معنويات مقاتلينا عالية جداً وبخاصة أنّ المشاكل المالية التي تعرّضت لها المقاومة خلال الشتاء كانت على وشك الانتهاء. .... كذلك كانت هناك اشارة اخرى مشجّعة: فبالرغم من خلافاتنا المستمرة مع موسكو حول حق اسرائيل في الوجود وحول البحث عن حلّ تفاوضي في الشرق الأوسط - وهذا ما يفسر كيف ان زيارة ابو عمار في شباط على رأس وفد من منظمة التحرير لم تعط النتائج المتوقعة منها - قرّر الحزب الشيوعي الاردني المناصر للاتحاد السوفياتي المشاركة في الصراع العسكري ضد اسرائيل. لذلك ولدت منظمة جديدة هي "الانصار". ودون شك كانت لهؤلاء الفدائيين الشيوعيين المجهزين بأسلحة روسية على أكمل وجه، روزنامة خاصة بهم. .... اخيراً - وكان ذلك الأكثر اهمية في الحالة الحاضرة - لم تتحدث السلطات الاردنية الاّ عن "قضية مشتركة" وعن "تضامن في المعركة ضدّ اسرائيل". والملك حسين نفسه، في بداية نيسان ابريل، لم يتردّد في الاعتراف خلال مقابلة له مع المجلة الايطالية "اوروبيو" بأنه "لا يريد ضبط رجال المقاومة الفلسطينية" لأن لهم، بحسب رأيه، "الحق الكامل في القتال". ولم يكن ذلك مجرّد كلام. ففي مخيمات اللاجئين في الاردن، كان لنا في الواقع الصلاحية الفعلية بالنسبة الى المشاكل والمخالفات التي تؤثر على سلامة ثورتنا وأمنها، بينما حافظت شرطة المملكة - الحرس البدوي - على مراكزها في الخارج من اجل تسوية المسائل المدنية والجرمية. كذلك أُجيز لنا، كما ذكرت، القيام بدوريات في المدينة، بما يشبه ما نشاهده في افلام السينما الأميركية حول الحرب العالمية الثانية، اي بشكل شرطة عسكرية مهمّتها ان تفرض الانضباط على الجنود المأذونين الذين يثيرون بعض الفوضى، كما كان يحدث أحياناً ان تساند اجهزتنا اجهزة الأمن الاردنية، وهذا برهان كافٍ! في هذا الصدد اتذكّر التظاهرات التي جرت، في منتصف نيسان وسبقت الزيارة التي كان سيقوم بها الى عمان جوزف سيسكو مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الاوسط. الكثير من طلاب العاصمة لبّوا نداء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين للاعتراض على هذه الزيارة بكل الوسائل. فاضرموا النار في المركز الثقافي الاميركي، ثم حاولوا احتلال سفارة الولايات المتحدة الأميركية. لكنهم اصطدموا عند هذا الحدّ مع فدائيينا وعناصر "الصاعقة" الذين ساعدوا رجال الشرطة على تفريق المتظاهرين. وربّ قائل انه رغم كل شيء، بقيت اتفاقاتنا هشة مع الحكم. كان الملك يريد ان نحارب الدولة العبرية لأن هذا يساعده في استرجاع مملكته كاملة، ولكن ماذا سيحدث بعد ذلك؟ نحن نكافح في الأساس من اجل اعادة بناء فلسطين واقامة دولة ديموقراطية موحّدة يتعايش فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون، في الوقت الذي كان عبدالناصر، كما حسين، يحبذان حلاً شاملاً يرتكز على القرار 242 الذي يكرّس تقسيم عام 1948. لم يسد اذن التفاهم المطلق بين الحكم وتيار الغالبية في المقاومة، بل ساد بالاحرى نوع من "وفاق" طالما اننا جميعاً، مع حلفائنا الآخرين المصريين والسوريين والعراقيين، لم نتمكن بعد من ارغام اسرائيل، في مرحلة اولى، على الانسحاب من الاراضي التي احتلتها عام 1967. هذا هو "الوفاق" الذي كانت اوامر قيادتي تقضي بالدفاع عنه حتى في وجه المجموعات الفلسطينية المتطرفة. ولم تكن الامور سهلة في هذا المجال، فالمنافسة كانت قائمة بين الجبهتين الشعبية والديموقراطية حول من يظهر درجة اعلى من "الثورية". فزعيما الجبهتين، اي حبش وحواتمه، اللذان ناضلا سابقاً في صفوف حركة القوميين العرب، ما كانا ينفكان عن ترداد مقولة "ان الرجعية العربية هي الحليف الموضوعي للصهيونية"، وان علينا محاربتها كما نحارب اسرائيل. وكان ذلك يعني عملياً في الاردن ان علينا، ونظراً الى وجودنا الكثيف في المملكة كمقاومة، ان نقدم على كل ما من شأنه اطاحة النظام سعياً الى تسلم السلطة كمقدمة لتحرير فلسطين. وكانت قيادة فتح، من عرفات الى ابو اياد الى الآخرين، تعارض هذا الطرح تماما. اذ لم يكن في مصلحتنا، كما تقول هذه القيادة، تحمّل مسؤولية حكم دولة. ان "الاقامة" في الاردن ومغادرة مخيمات اللاجئين للسكن في الفيلاّت والمكاتب في عمان، من شأنهما بحسب رأيهم ان تبعدانا عن سبب وجودنا الحقيقي، الا وهو تحرير فلسطين كاملة، كما تفضيان الى اضعاف التعبئة في صفوف مقاتلينا وغرقنا في متاهة السلطة او في ما يشبه "برست - ليتوفسك" فلسطينية. وكما هو معروف كنت في موقع وسط بين خيارات قيادتنا ومواقف المنظمات المتطرفة. فبحسب رأيي لا شيء يمنعنا من استغلال الفرصة لتشجيع قيام نظام في عمان يكون اقرب الى اقتناعاتنا. .... كذلك كنت اقول في نفسي: اننا لا يمكن ان نخيب ظنّ النقابات والجمعيات والاحزاب الاردنية التي دعمتنا بقوة خلال ازمة شباط وعقدت علينا الآمال. لذلك كنت راضياً عن التوصل في نهاية المطاف الى تبني برنامج عمل سياسي مشترك لجميع حركات المقاومة في اوائل ايار/مايو يؤكد "وحدة الشعب الاردني - الفلسطيني". في الحقيقة كنا نطلق من مسلمة تاريخية. فبريطانيا العظمى هي التي فصلت بين الأردنوفلسطين بعيد الحرب العالمية الاولى. لكن هذا النص المشترك كان على درجة من الاهمية لأنه سيبرر مشاركة "وفد شعبي اردني" بقيادة رئيس الوزراء السابق سليمان النابلسي، عضو مجلس الشيوخ، في اعمال المجلس الوطني الفلسطيني السابع المنعقد في القاهرة نهاية هذا الشهر. هل كنا اجتزنا "الخط الاحمر"، كما قال البعض في البلاط الملكي او حتى الملك حسين نفسه؟ المهم انه بعد اقل من ثلاثة ايام على انتهاء اجتماعات القاهرة في 7 حزيران، اندلعت الاشتباكات في الزرقا. وتبعها في صباح التاسع منه القصف المجاني، كما رأينا، لمواطنينا في العاصمة الاردنية. هذه المرة لم يعد بامكاننا السكوت. وخلافاً لمعارك شباط التي لم تتخط احياءنا في عمان، قررنا هذه المرة الرد بواسطة عمليات في قلب المدينة. هكذا انطلقنا بهجمات ضد مركز البريد الرئيسي. فالاتصالات الهاتفية والتلغرافية مع الخارج كانت مقطوعة منذ ساعات الصباح الاولى، وكان هدفنا اعادة وصلها. كذلك قامت هجمات ضد مركز المخابرات في العبدلي ووزارة الداخلية التي تم احتلالها لبضع ساعات. وعند الظهيرة جاء دور السجن المركزي حيث كان عناصرنا المعتقلون في الزرقا قبل ذلك بيومين. وبما ان الكهرباء والماء قطعتا عنا ايضاً في الوحدات وجبل الحسين، فقد اطلقنا صواريخ على محطة الكهرباء الرئيسية فغرقت العاصمة في الظلام. ولكن بالرغم من هذه العمليات لم يتوقف القصف المدفعي من القوات على مخيمات اللاجئين. وفجأة اقتحمت بعد ظهر ذلك اليوم مجموعة من الجبهة الشعبية اكبر فنادق عمان، الانتركونتيننتال، ووضعت حراسة على جميع مداخله، واحتجزت قسما من الاجانب الموجودين فيه، وهم من الاميركيين والبريطانيين والالمان وبينهم عدد كبير من الصحافيين. وقد اعتبرت شخصيا هذه الخطوة عملا اخرق تماما لانه يحرمنا الشهادات الصحافية المفيدة لنا في معركتنا. ولكن لم تكن لي سلطة تخولني مواجهة ذلك التصرف كوني مسؤولا فقط عن قوات الميليشيا وليس عن العمليات التي تقررها هذه المنظمة او تلك. وحتى لو قررت منع احتلال الفندق فلن يكون بامكاني التدخل انطلاقا من مركز قيادتي في مخيم الوحدات حيث كان علي الاستعداد لصد هجوم محتمل على مواقعنا. وأثار أحد الانباء الواردة قلقي. فمنذ الظهر بدأت اذاعة عمان تؤكد ان الملك حسين نجا باعجوبة عند الصباح من محاولة لاغتياله. فخلال انتقاله من قصر الاحمر الواقع خارج العاصمة، الى قيادة الجيش في الزرقا، تعرّض موكبه لاطلاق النار كما يبدو عند قرية الصويلح. وقد اسفر ذلك عن مقتل جندي وجرح آخر. كنا نستعد اذن لمواجهة الهجوم في الساعات المقبلة، لما تناهى الى مسامعنا وبشكل مفاجئ خبران: الاول هو ان العراق الذي كانت له علاقات معروفة مع الجبهة الشعبية، اتخذ وجهة المصالحة، واقترح التوسط. ثانيا، ان عرفات الذي لم نكن نعرف انه وصل في ذلك الوقت الى مطار المفرق شمال البلاد حيث تتمركز القوات العراقية، ابلغ الى الملك تهانيه له بالنجاة من محاولة "الاعتداء". في المختصر كنا نتجه نحو التهدئة. وفي الواقع توقف القصف على مخيماتنا. ومن جهتنا صرنا نطلق رشقات متقطعة فقط على المباني التي كنا نطوقها في العاصمة. اخيرا وفجر يوم العاشر من حزيران اعلن ابو صبري وهاني الحسن التوصل الى وقف اطلاق نار عام. ولكن بعد مرور ساعات على هذا الاعلان، وفيما تألفت مجددا دوريات مشتركة تجوب المدينة للسهر على تطبيق الهدنة، انكشفت الظروف التي جرت ضمنها المفاوضات. فعرفات والملك التقيا مطولا خلال الليل بحضور وزيرين عراقيين. لكن القصر الملكي لم يلتزم اطلاق سراح المعتقلين منذ احداث الزرقا. وفق هذه الواقع اعلنت الجبهتان الشعبية والديموقراطية عدم التزامهما وقف اطلاق النار. ومن موقع مسؤولياتي في القيادة الموحدة للميليشيات لم يكن في وسعي عدم الموافقة على قرارهما. فابلغت الى عرفات اننا نرفض الاتفاق، واستشاط غضبا وانا اكلّمه عبر الهاتف. لكني كنت مضطرا الى اتخاذ هذا الموقف كي لا اضحّي بالقيادة الموحدة للميليشيات، كما قلت له. فصاح قائلا: طيب، اعطني بضع ساعات. في هذ الاثناء حاول يا ابو داود ابعاد عناصر الجبهة الشعبية عن فندق انتركونتيننتال. فأجبته: هذا مستحيل. لا يمكنني الاستمرار في طلب التنازلات من حبش دون ان يحصل هو على شيء في المقابل. هذا ما كررته امام ابو صبري وهاني الحسن اللذين حضرا للتشديد عليّ في اتخاذ تدابير بحق الجبهتين الشعبية والديموقراطية. فقلت: لا ولا ولا. أولاً لم يعطني ابو عمار امرا بهذا المعنى. ثانيا ان اعداءنا لا ينتظرون على الارجح سوى لحظة انقسامنا ليغيروا علينا... لكني كنت مخطئا في هذه النقطة. فاللواء المدرع الثالث بقيادة الشريف زيد بن شاكر لم ينتظر ذلك. فعند الظهر تدفقت ارتال الدبابات فجأة على العاصمة واتجهت مجموعة منها صوب الوحدات واخرى صوب جبل الحسين. وقد حاولت المجموعتان المرور عبر دفاعاتنا المحصنة. وفي موقعي في مخيم الوحدات دارت مباشرة معركة ضارية، فيما الاهالي مختبئون في الملاجئ، ان لم يكن في الحفر والمغاور. دامت المعركة حتى المساء. ذلك ان رجال الميليشا دافعوا عن كل شبر، اذ كان المهم في نظرنا الصمود حتى هبوط الليل. عندها تغرق مخيماتنا كما بقية ارجاء العاصمة في الظلمة بسبب انقطاع الكهرباء، فنأمل عند ذلك في شن عمليات اغارة على الدبابات التي تضطر للعودة الى مواقعها خارج المدينة. كانت حساباتنا صحيحة وكسبنا في ذلك فسحة من الراحة. وهكذا حصل في جبل الحسين. وفي هذه الاثناء بقيت المفاوضات بين عرفات والقصر عند نقطة الصفر. ومساء العاشر من حزيران اكتفى الملك باطلاق دعوة الى التهدئة، لا اكثر. بتنا بعيدين عن وضعية شباط. فخلال الثمانية والاربعين الساعة الاخيرة اقدم بعض عناصر الجيش على ما لا تحمد عقباه، كما كنا نعتقد، وذلك بقصف مخيماتنا ومحاولة اقتحامها. اما عدد الضحايا في صفوف الاهالي فكان اكبر بكثير من المرات السابقة، اذ بلغ عند هذا الحد أكثر من مئة قتيل. لهذه الاسباب مجتمعة كان علينا تصليب شروطنا نحن ايضا قبل الدخول في حوار مع الحكم. عند ابلاغها هذه التطورات انضمت اللجنة المركزية لمنظمة التحرير، التي بقيت في القاهرة طوال الاحداث، الى مطالب حبش وحواتمه في بداية الازمة، والتي كانت "اللجنة المركزية للميليشيات الشعبية" بقيادتي اول من انضم الى المطالبة بها... استؤنفت المعارك اذن صباح 11 حزيران. ولكن بعد استراحة الليل كنا في وضع افضل من المساء لمواجهة المدرعات، اذ استفدنا من الظلام والهدنة حتى الصباح لتركيز الرشاشات ومدافع الهاون الصغيرة على سطوح المنازل العديدة والمتدرجة على منحدرات التلال المطلة على المدينة القديمة. اضافة الى ذلك، وما ان طلع النهار حتى قمنا بهجوم على مباني اذاعة عمان جنوب العاصمة. وتعرضت المدرعات لهجمات خلفية جعلت من الصعب عليها تركيز هجومها على مخيماتنا وحدها. نجحت خطتنا، وفي مساء هذا اليوم الجديد من المعارك .... وكالعادة في مثل هذه الحالات علمنا بالنبأ من الاذاعة، اذ اذاع الملك "رسالة الى القوات المسلحة" يعلن فيها انه، وبناء على طلبهما الملحّ، قبل استقالة قائد اركان القوات المسلحة وقائد اللواء المدرع الثالث. وجاء فيها: "قبلت طلبيهما واعفيتهما من منصبيهما. لكن هذه هي الفرصة الاخيرة، ولن يكون هناك غيرها. آمل ان يصير التنفيذ السريع للاتفاق المعقود مع اللجنة المركزية للمقاومة من اجل وضع حدّ لحالة الفوضى". .... عند فجر 12 حزيران توقفت المعارك فعلا. ولم يبق امامي سوى ان أقصد جورج حبش واقنعه باطلاق الاجانب من نزلاء الانتركونتيننتال الذين يحتجزهم رجاله. فوافق بطيبة خاطر وجاء بنفسه بعد الظهر يعتذر منهم. وبعد يومين، اطلقت السلطة العناصر ال42 الذين اعتقلوا في 7 حزيران في الزرقا. خرجنا منتصرين من اختبار القوة هذا الذي فرض علينا. لكننا استطعنا التنبه الى ان هذه الازمة الخطيرة مع الحكم هي الثانية من نوعها في غضون اربعة اشهر. ولاحظنا ايضا ان الدول العربية، وللمرة الاولى، لم تساندنا دون تحفظ. ففي 11 حزيران، بينما كانت المعارك تعصف بعمان، تحدث الرئيس جمال عبدالناصر امام مجلس الشعب عن الوضع في الاردن قائلا: "لا ننكر ان ثمة اخطاء عديدة ارتكبها بعض تنظيمات المقاومة". وفي المقابل لم يوجه كلمة عتاب الى سلطات المملكة! علما انه كان هناك أكثر من مئة قتيل من أهلنا على اثر قصف مخيماتنا. .... وكما هو منتظر، اتخذت الجبهة الشعبية موقفا اكثر جذرية وراح جورج حبش يدعو جهارا الى تصعيد ضغط المقاومة، وتنسيق جهود منظماتها من اجل اطاحة النظام. صحيح ان المواجهات الاخيرة ساهمت في رواج هذه الافكار، حتى داخل فتح. وكان رجال الميليشيا يسألونني كل يوم اكثر فأكثر: "ماذا ننتظر لنستلم مقاليد الحكم في البلد؟". وكنت اقول في نفسي احيانا انه اذا كان لا بد من ذلك فالافضل الاسراع، خصوصا ان في ايدينا اوراقاً رابحة مهمة. .... في ايار مايو كان موشي دايان بالغ الوضوح في مقابلة اذاعية كان لها صدى كبير في هذه الضفة من نهر الاردن. فرداً على سؤال حول ما اذا كان الاستيطان الاسرائيلي في الخليل نابعاً من دواع أمنية او لاسباب اخرى، قال دون تردد: "ان اسرائيل تبحث هنا عما بحثت عنه في القدس. انها ارض اجدادنا". مختصر الكلام ان الظروف في المملكة لم تكن مرة مؤاتية لنا بهذا المقدار لو اردنا اطاحة النظام. والمشكلة ان عرفات لم يكن في وارد ذلك على الاطلاق، وكان لا ينفك يكرر: لن أكون ابداً مسؤولا عن امر كهذا! الحقيقة انه، باستثناء موقف ابو مازن اللافت، كان الجميع في قيادة فتح يشاطرون عرفات هذا الرفض. والفكرة السائدة كانت ان علينا تفادي الوقوع في فخ الدولة ومسؤولياتها. اذكر بشكل خاص اجتماعا شاركت فيه أواخر حزيران وكنت عائدا من دمشق حيث قابلت سفير الصين الشعبية في سوريا من طريق ابو خالد حسني ممثلنا في بكين. ابو خالد كان رفيقنا المسؤول في الاردن بين 1968 و1969 عن دائرة الاعلام والقضايا الثقافية في فتح، وكنت على علاقة جيدة به وصادف مروره بعمان عند وقوع المواجهات الاخيرة، وقد مدد اقامته لبضعة ايام بعد الهدنة. ولم اكن اخفي عليه ما اجده من صعوبة في الحصول على اسلحة كافية لعناصر الميليشيا البالغ عددهم 14 الفاً. وهو نفسه لاحظ من عتادهم اني اكتفيت بالتزود اغلب الاحيان رشاشات كارل - غوستاف المصرية. وتبين له، كما تبين لنا خلال ايام المعارك الثلاثة، ان هذا السلاح اقل فاعلية بكثير من الكلاشنيكوف. فاقترح عليّ: "لا يمكنني معالجة مشكلتك هنا لأنه ليس في عمان سفارة للصين الشعبية ولكن رافقني الى دمشق لأجمعك بالسفير الصيني هناك". هكذا توجهنا سوية الى العاصمة السورية حيث شرحت للسفير طبيعة قوات الميليشيا، كما انني لم اخفِ رغبتي في تجهيز جميع عناصري بالكلاشنيكوفات، اذا امكن. كان اللقاء ايجابيا بحيث وعدني السفير بابلاغ حكومته الرسالة في اليوم نفسه. فاتفقت مع ابو خالد حسني، العائد الى بكين، على ان يتابع القضية ويبلغني بما يحصل. وكانت قيادتنا متفائلة بلجوء الملك الى شخص معتدل ومتفهم لمطالبنا من اجل تأليف الحكومة هو عبدالمنعم الرفاعي. وكانت هذه الحكومة تضم تسعة وزراء فلسطينيين من اصل سبعة عشر وزيرا، كما ان ستة من الوزراء الجدد كانوا اتخذوا مواقف مؤيدة لنا خلال الاحداث الاخيرة. هتف ابو اياد قائلا، بعدما ابلغنا مضمون المحادثات التي اجراها لتوه مع عبدالمنعم الرفاعي: ارأيت يا ابو داود انه من الافضل التعامل مع الملك بدل خوض معارك غير مضمونة لاطاحته؟ لم اكن اشاطرهم التفاؤل. .... فسألني ابو اياد: هل لديك امثلة محددة على ذلك؟ - نعم، الازمة الخطيرة التي هزت المملكة في نيسان 1957. كنت عندها مدرّس في المملكة لكن هناك من يمكنه اطلاعكم على الوضع افضل مني، امثال صديقي منير شفيق الذي التحق بنا منذ سنتين ويعمل في الدائرة الاعلامية، فهو امضى عشر سنين من حياته في السجن اثر ذلك. واكمل ابو مازن قائلا: صحيح ان احداثاً مشابهة يمكن ان تقع مجددا وذلك لأننا نشكل، نحن الفلسطينيين اكثر من اي وقت مضى، العنصر غير المنضبط في الشرق الاوسط، ثم ذكّر بمشروع روجرز الذي أُعلن عنه مؤخرا في واشنطن. يدعو هذا المشروع الذي يحمل لمسات وزير الخارجية الاميركي وليم روجرز الاسرائيليين والعرب على وقف المعارك على طول خط وقف اطلاق النار في حزيران 1967 لمدة ثلاثة اشهر قابلة للتجديد والشروع في مفاوضات على قاعدة القرار 242 من خلال لجنة ينتدبها الأمين العام للأمم المتحدة. ففي نظر الاميركيين لا مجال لتجاوزالقرار 242 الذي لا ينص سوى على احتلال 1967 ويشرّع الوجود الاسرائيلي. كما ان السيناريو المقترح لا يأتي على ذكر الفلسطينيين كوجود مستقل. الامور في منتهى الوضوح: الاميركيون يريدون تذويبنا في الدول المجاورة لاسرائيل. فتابعت في الوجهة نفسها قائلاً: - ألا تلاحظون انه منذ بداية العام، وفي موازاة المحاولات الاميركية، كيف تسعى السلطة وبمختلف الذرائع الى تحجيمنا. في أزمة شباط قيل ان الاحداث جاءت نتيجة "سوء تفاهم". اعترف بأني خدعت شخصيا بهذا الطرح، لكن المشاكل تكررت بعد اربعة اشهر فلم يبق في نظري مجال للشك: انها ليست مصادفة. فقاطعني ابو صبري قائلا: لا يمكننا ان ننفي حصول استفزازات من بعض عناصر المقاومة في اول الشهر في الزرقا، ومن بعدها في عمان. فأجبته بالقول: لا انفي ذلك، ولو اني لا املك تفاصيل كل ما حدث في الزرقا. هل تملك انت هذه التفاصيل؟ اعتقد، من جهة اخرى، اننا ارتكبنا خطأ جسيما في فتح الصيف الماضي بسبب تشجيع الانشقاق داخل الجبهة الشعبية بين انصار حبش وحواتمه. ليس فقط ان ذلك كان دون مردود، بل اننا ندفع اليوم ثمن المزايدات المستمرة بينهما. اثارت ملاحظتي جواً من الحرج، اذ لم يكن في مقدور قياديينا التنصل من المسؤولية في هذه القضية. .... فقاطعنا عرفات. حتى هذه اللحظة لم يكن ابو عمار قد شارك في المناقشة، ولو انه بدا مغتاظاً من المنحى الذي بلغته. وتابع: والبرهان على انكم مخطئون هو تأليف حكومة عبدالمنعم الرفاعي. كذلك فإن قائد الاركان الجديد للجيش اللواء مشهور حديثة صديق للمقاومة. ومهما قلت يا ابو داود فهذا ليس ذراً للرماد في العيون! فاعترضت بالقول: لكنني لم اقل ذلك. .... اقصد اننا لسنا بمنأى عن هجوم اضافي بمجرد تأليف حكومة متفهمة سلفاً لأوضاعنا. بعد ما حدث في مطلع هذا الشهر والذي يفوق بحجمه ما حدث في شهر شباط، لا اعتقد ان الامور قد سويت. .... فقال عرفات بلهجة حادة: طيّب، يوم حصول ذلك رجالك في الميليشيا سيكونون على اهبة الاستعداد للدفاع عن الثورة. اين وصلت في برنامجك؟ - نحن في فتح اقتربنا من الاربعة عشر الفاً. نقوم بتدريب النساء ايضاً، ويمكننا معهن فقط مضاعفة عددنا. كنا نتوقع توافد مواطنينا في الكويت. هم ايضا يطالبون بالتدريب العسكري لكنهم لا يستطيعون متابعة دورات مكثفة الا اثناء العطلة الصيفية. فصرت بالتالي مضطراً الى توزيع برامج التدريب لمواطنينا الفلسطينيين وللاردنيين. ولكن في المجموع قد يبلغ عديد عناصرنا الاربعين الفا في نهاية العام. هذا بالطبع اذا لم تنشب في هذه الاثناء أزمة كبيرة في المملكة تجبرنا على وقف برامجنا! فهتف ابو اياد قائلا، بينما كان الاجتماع قد وصل الى نهايته: لا تكن متشائماً يا ابو داود. لقد تشكلت لجنة في اول الاسبوع من اربع دول عربية للتحقيق في الاضطرابات الاخيرة في الاردن، وللسهر على تطبيق الاتفاقات التي سنوقّعها مع الحكم. وستصل هذه اللجنة في الايام المقبلة الى عمان. فأجبت ساخراً: اتعتقد اننا لن نكون بدورنا تحت الرقابة؟ ها قد عدنا الى ايام منظمة احمد الشقيري والتبعية السياسية للدول العربية. متأسف، لكن ذلك كله لا يروقني. اشتَم فيها رائحة المناورات الديبلوماسية الكبيرة. ولدي شعور ان هناك محاولة لابعاد المقاومة الى الصف الخلفي تمهيدا لوقف اطلاق النار. فتدخل عرفات قائلا: لن يكون هناك وقف لاطلاق النار! اسرائيل سترفض مشروع روجرز. فأجبت قائلا: لست متأكداً من ذلك يا ابو عمار. ان وقف النار مكسب لها في مطلق الاحوال، خصوصاً انه ليس مطلوباً من الاسرائيليين قبل ذلك الموافقة على الانسحاب من الاراضي المحتلة عام 1967، بل على قبول مبدأ المفاوضات فقط. كان ابو مازن الوحيد في صفوف القيادة الذي يؤيد وجهة نظري: من المؤكد انه اذا انطلق العمل بمشروع روجرز سيطلب الاسرائيليون من الملك حسين، في بداية المحادثات، فرض احترام وقف اطلاق النار على الفدائيين. عندها تدق ساعة الحقيقة بيننا وبين القصر . فثارت ثائرة ابو عمار: الى اين تريدون الوصول؟ تريدون ان نقول لكم: طيّب، هذا صحيح، لا نعرف ماذا سيحدث فمن الافضل تسلم السلطة في الاردن كي نكون اسياد انفسنا؟ انا اقول ان هذا ليس الحل. فلننتظر ونرَ، لكني اؤكد لكم انه مهما تكن نتيجة مشروع روجرز فلن نوقف عملياتنا ضد اسرائيل. .... هدأ عرفات لكنه قال مرة جديدة قبل ارفضاض اللقاء: اكرر لمن لم يفهم: ممنوع المسّ بالنظام. ... لن نقف مكتوفي الايدي اذا افتعلوا ضدنا هذه "الجولة الثالثة" التي احدثتم كل هذا الضجيج حولها اليوم. لكن انزعوا من رأسكم فكرة اطاحة الحسين. هذه هي كلمة السرّ التي تطلب منكم القيادة نشرها في صفوف الحركة. اما انت يا ابو داود فاني اعتمد عليك من موقعك المميز في القيادة الموحدة للميليشيات لتمنع المتطرفين من جهتنا عن القيام باعمال استفزازية. انتهى النقاش. في الثلاثين من حزيران وصلت اذن الى عمان اللجنة العربية الرباعية المكلفة مساعدة المقاومة على تحديد الخطوط العريضة للاتفاق الجديد مع النظام. وفي العاشر من تموز يوليو تم توقيع هذا الاتفاق بالرغم من معارضة حبش وحواتمه. انه اتفاق جديد لا يضيف اموراً جوهرية الى ما تم توقيعه في شباط سوى انه ينص على آلية لمراقبة تطبيقه من اللجنة الرباعية. كانت تلك بداية الطريق التي سوف تقودنا الى مأساة ايلول. السبت: الحلقة المقبلة من كتاب ابو داود