بعد عقد من الديموقراطية ونصف عقد من السلام، خرج الاردنيون بهذه المحصلة: نصف ديموقراطية ونصف سلام. ويتطلعون مع "العهد الجديد" الى انطلاقة تنقل المملكة الى مستقبل افضل وأكثر استقراراً وسط ضغوط اقتصادية متفاقمة. وقد صادف الأحد الماضي ذكرى مرور خمس سنوات على توقيع اعلان واشنطن الذي أنهى حالة الحرب بين الأردن والدولة العبرية من دون احتفال رسمي، فالأردنيون يدركون ان السلام الذي سعى اليه الملك حسين ما زال بعيد المنال، كان يريد "سلاماً عادلاً شاملاً ترضى به الاجيال وتدافع عنه". وعلى رغم ان الديموقراطية دفعت استحقاقات السلام الموعود من خلال تعديل قانوني الانتخابات والمطبوعات الا انها ما تزال "خياراً لا رجعة عنه". اما الازمة الاقتصادية التي كانت العامل المشترك لدخول مساري الديموقراطية والسلام فإنها ما تزال تلقي بظلالها من خلال ارتفاع معدلات البطالة والفقر. بدا الملك عبدالله الثاني مدركاً لابعاد اللعبة المثلثة الاضلاع: الازمة الاقتصادية والديموقراطية والسلام، فأعطى الأولوية للتصحيح الاقتصادي وتخفيف عبء المديونية وتعزيز المسار الديموقراطي وتنشيط عملية السلام وصولاً الى تحقيق اهدافها. وفيما يشدد في مقابلة مع شبكة "اي بي سي" الاميركية على ان الديموقراطية "لا يمكن ان تعود الى الوراء" يربط تقدمها بتحقيق السلام الذي سيعطي المنطقة "احساساً بالاستقرار والحرية". ولا يتردد رئيس تحرير صحيفة "جوردان تايمز" الليبرالية عبدالله حسنات في وصف عهد الملك عبدالله الثاني بأنه "عهد السلام والديموقراطية" وتسأله ان كان السلام يعمل ضد الديموقراطية فيجيب: "السلام يخدم الديموقراطية على المدى البعيد". وعما اذا كانت الديموقراطية تأتي ب"أعداء" السلام يقول: "التيارات السياسية وعلى رأسها الاسلاميون براغماتية. هي لا تطالب بالغاء معاهدة السلام ولكنها تستمر في معاداة اسرائيل للحصول على الشعبية، ولو وصلت الى تشكيل حكومة فانها ستتعامل مع معطيات السلام". ويعتقد الحسنات ان "التحرك المتوقع على المسار السوري سيخفف من وتيرة معارضي السلام". لكن الأردنيين يتساءلون: هل نجاح العاهل الأردني في تحقيق حضور اردني في عملية تنشيط السلام من خلال القدرة على التواصل مع جميع الاطراف يرافقه جهد داخلي للحكومة في تنشيط مسار الديموقراطية؟ يرى الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية محمد المصري ان الحكومة "غير معنية بالديموقراطية وتعاملت مع الانجازات التي تحققت قبل قدومها كشر لا بد منه". وتساءل المصري: "أين وصلت الحكومة في تنفيذ رغبة جلالة الملك بتشريع قانون مطبوعات عصري؟". وزاد: "لم تقدم قانوناً عصرياً بل على العكس افتعلت معركة مع صحيفة العرب اليوم وقطعت عنها بثّ وكالة الانباء الرسمية والاعلانات الحكومية". ويشير المصري الى ضيق الحكومة بمركز الدراسات الاستراتيجية الى درجة التدخل لدى رئاسة الجامعة لاغلاق المركز او ابعاد مديره الدكتور مصطفى الحمارنة الذي فضل البقاء باحثاً في المركز على رغم خسارته لموقع المدبر. بيد ان رئيس تحرير "جوردان تايمز" عبدالله الحسنات يؤكد ان العاهل الأردني لديه "رغبة واضحة في تعميق وتنمية الديموقراطية ولم يصدر عنه أي مؤشر خلاف ذلك، وعلى الحكومة ان تنفذ ما يطلب منها". يشار الى ان القصر نقل رسالة الى رؤساء تحرير الصحف اليومية من خلال رئيس وحدة الدراسات الاستراتيجية في الديوان الملكي الهاشمي، سلامة نعمات، تتلخص في ان النظام "للجميع" حكومة ومعارضة، وانه لا يعتبر نفسه طرفاً في النزاع بين الحكومة والصحافة، مشيراً الى ان دور الصحافة الطبيعي في أية ديموقراطية هو دور رقابي على اداء السلطة التنفيذية. وعلى رغم الالتزام الملكي الواضح بتعزيز الخيار الديموقراطي، خصوصاً ما ورد في كتاب تكليف الحكومة الا انها على لسان رئيسها عبدالرؤوف الروابدة تصر على قطع بث وكالة الأنباء عن صحيفة "العرب اليوم". وفيما أكد الروابدة في لقاء مع عدد من الصحافيين انه صاحب قرار قطع البث، اكد مدير الوكالة فيصل الشبول ل"الحياة" انه هو صاحب القرار وأعلن رئيس الحكومة به. وفي غضون ذلك يمضي وزير الاعلام ناصر اللوزي اجازة خاصة لمرافقة والده الذي يتلقى العلاج في عيادة مايو كلينيك في الولاياتالمتحدة الاميركية. ويستبعد محلل سياسي كان على مقربة من صناعة القرار في مرحلة انطلاق المسار الديموقراطية حصول تراجع في السلام او الديموقراطية، فالأردن له دوره في الاقليم وسيظل الدور قائماً في موضوع الحل النهائي والديموقراطية محمية بنصوص الدستور وبالتجربة التي تراكمت وبرغبة العهد الجديد في تعزيزها. ويرى المحلل الذي شاء عدم ذكر اسمه ان "الملك الجديد متفهم للمسألة الديموقراطية باعتبارها طريقة في الحكم وليس أداة لتمرير السياسات"، مشيراً الى ان النظام لا يشعر "بالخطر في ظل وجود معارضة اسلامية معتدلة فيما غابت الايديولوجيات الثورية شيوعية او قومية". وتجمع الأوساط السياسية على ضرورة انتباه الحكومة الى الاقتصاد، خصوصاً ان برنامج التصحيح الاقتصادي الذي استمر عشر سنوات 1989 - 1999 لم يحقق اهدافه كاملة، فيما وقع الأردن برنامج تصحيح ثلاثياً جديداً 1999 - 2002، ولا تبدو الحكومة متجاوبة مع متطلبات التصحيح الاقتصادي كما يجب حسب ما ينقل عن مدير البنك الدولي الذي زار عمان الاسبوع الماضي. والحال ان الأردنيين يرفضون ان تظل بلادهم كما وصفت ذات يوم بأنها "على الحافة"، ويستبشرون بتصميم الملك الجديد 37 عاماً على استكمال ما بدأه الملك الراحل الذي اطلق الديموقراطية والسلام والتصحيح الاقتصادي.