استمرت الأزمة بين الحكومة الأردنية وصحيفة "العرب اليوم" على رغم قبول العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني اعتذار الصحيفة عن عدم نشر اخباره بسبب قطع وكالة الأنباء الرسمية البث عنها. وعلى رغم التعنت الذي يبديه رئيس الحكومة عبدالرؤوف الروابدة الى ان الازمة قد تجد طريقاً للحل، خصوصاً ان الخلاف بين الصحيفة والحكومة أخذ "ابعاداً لا يستحقها" وبحسب الأوساط الصحافية فإن الخلاف "مفتعل من الطرفين لأسباب مختلفة". وكانت صحيفة "العرب اليوم" وهي مملوكة للقطاع الخاص ذكرت في عددها الصادر امس انها أُبلغت بقبول الملك اعتذارها وانه أمر بإعادة البث اليها. وتبدو الرغبة في التصعيد بين الحكومة و"العرب اليوم" متبادلة. اذ تبحث كل منهما عن "خصومة" في ظل الهدوء الذي يسود الساحة الأردنية وغياب المعارضة الراديكالية. وكانت الصحيفة المملوكة للقطاع الخاص اعتبرت ان قطع البث عنها جزء من "الحملة الاعلامية الحكومية لتهيئة الرأي العام لتقبل أي فتك بالصحافة المستقلة". وتساءلت الصحيفة "ما حاجتنا الى وكالة أنباء يتم إيقاف بثها بقرار؟". ويرد المدير العام لوكالة الأنباء الأردنية فيصل الشبول على سؤال الصحيفة بأن بث الوكالة "اختياري ولسنا ملزمين بتزويد صحيفة العرب اليوم بأخبارنا". ويشترط الشبول الذي عين في موقعه مع مجيء حكومة عبدالرؤوف الروابدة على الصحيفة "التعهد برفع مستواها المهني والأخلاقي قبل إعادة البث" ويقول ان الصحيفة هي التي قادت حملة "افتراء" ضد الحكومة وتعاملت مع أخبار الوكالة ب"تشويه وتجن وغياب للأمانة والدقة". وسألت "الحياة" الشبول ان كان قرار الحكومة مخالفاً للديموقراطية التي تتطلب قبول الرأي الآخر فأجاب: "الاسفاف والشتائم والافتراء ليست ديموقراطية". وسألته: لماذا لا تحيلون الصحيفة الى القضاء؟ فأجاب: "سيقال عن الحكومة أنها استغلت قانون المطبوعات الذي تريد تعديله ضد الصحيفة". ويذكر الشبول أمثلة لمقالات اتهم فيها كتاب من الصحيفة مسؤولين "في أعراضهم وأخلاقهم". لكن الأوساط السياسية والصحافية المراقبة للمعركة لا تتفق مع الصحيفة ولا مع الحكومة. ويقول رئيس تحرير صحيفة شاء عدم ذكر اسمه: "افتعال المعركة مقصود من الصحيفة التي تعاني من أزمة مالية قد تعصف بها ومقصود أيضاً من الحكومة التي تبحث عن خصومة في ظل الاجواء السياسية الهادئة". وأوضح: "رئيس الوزراء أعلن ان الاقتصاد في غرفة الانعاش وأقر قانوني ضريبة المبيعات والضريبة الاضافية... هل خرجت تظاهرات؟" ويرجع حالة الهدوء الى "إلتفاف الناس حول الملك عبدالله الذي مثل امتداداً لوالده سياسة وخلقاً". ويقارن رئيس التحرير بين "نزق الحكومة في التعامل مع صحيفة العرب اليوم وعقلانية الملك في التعامل مع الانتخابات البلدية عندما رحب بقدوم أي مراقبين للانتخابات". لكن ما مصلحة الحكومة في افتعال خصومة مع الصحافة؟ يقول: "اشغال الناس الذين يلحون على الحكومة بالاسراع في ايجاد حلول للمشاكل الاقتصادية المزمنة بمعارك وهمية، اضافة الى ان بعض المسؤولين لم يستوعبوا دور الصحافة في محاسبتهم ونقدهم". وبعيداً عن التصعيد بين الحكومة و"العرب اليوم" تقف المعارضة الاسلامية التي عادت بقوة بعد فوزها في البلديات الكبرى في الانتخابات التي جرت أواخر الاسبوع الماضي. وجاء خطاب حزب جبهة العمل الاسلامي الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين بعد الانتخابات "معتدلاً ولطيفاً وكاد يخرجها من دائرة المعارضة". فهي أشادت بالحكومة التي التزمت "توجيهات" الملك القاضية بنزاهة الانتخابات والحيادية والشفافية، وانتقدت ممارسات لبعض المسؤولين المحليين الذين خرجوا على "التوجيهات". وربما يكون اعتدال المعارضة الأساسية وغياب المعارضة الراديكالية من أسباب "افتعال" المعركة بين الصحيفة والحكومة. فالأردن ارهق تاريخياً من المعارضين الراديكاليين الذين استهدفوا النظام على مدى نصف قرن. ودفع مؤسس المملكة عبدالله بن الحسين ورئيسا الوزراء هزاع المجالي ووصفي التل حياتهم ثمناً للمواجهة مع المعارضة فيما نجا الملك الراحل الحسين بن طلال من عشرات محاولات الاغتيال والانقلابات. وشكلت التجربة الديموقراطية التي مضى عليها زهاء عقد عاملاً أساسياً في اعتدال المعارضة الأردنية كما أن تجفيف منابع العمل الثوري بانتهاء الحرب الباردة وغياب الغطاء الدولي والاقليمي ل"الثوريين" قصر المواجهة في الساحة الأردنية على "الكلمات بدلاً من الطلقات".