قاذفات القنابل الاستراتيجية انطلقت من روسيا في اتجاه الغرب لتنزل "ضربة نووية" بالخصم المحتمل. الا ان هذا التمرين الذي جرى في اطار مناورات "الغرب - 99" لم يكن سوى ستار مهلهل اخفق في التغطية على مشاكل القوات المسلحة الروسية والصراعات الجارية داخلها. وحذر رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الروسي الجنرال رومان بوبكوفيتش اول من امس الخميس من ان انهيار الجيش الروسي الذي كان قوة مرعبة، "سيصبح كارثة" اذا لم تتخذ اجراءات فورية وعاجلة لمعالجة مشاكله. واضاف ان عملية التفسخ والانحطاط بلغت حداً يجعل قدرة القوات المسلحة على حماية روسيا وحلفائها القلائل امراً مشكوكاً فيه. وشكل ذلك رداً غير مباشر على الرئيس بوريس يلتسن الذي كان اكد عند لقائه كبار ضباط القوات المسلحة اخيراً ان الحديث عن "تفسخ" في الجيش هو "كلام فارغ". وأكدت صحيفة "سيفودنيا" الروسية ان الانفاق على القوات المسلحة لم يتزايد حسبما اشار وزير الدفاع، بل تقلص من 8.2 الى 3.2 في المئة من الناتج الوطني الاجمالي. وبات الجيش غير قادر على شراء مايحتاجه من الاسلحة الحديثة وتوفير الوقود للمعدات الحربية، ناهيك عن ان الضباط لا يتقاضون لفترات طويلة مستحقاتهم، باستثناء العاملين في سلاح المظليين الذي يعد ركيزة للنظام في حال حدوث "طارئ" والاسطول البحري الذي حصل على دعم مالي حينما قام رئيس الوزراء سيرغي ستيباشين بجولة تفقدية على قطاعاته. واشار رئيس لجنة الدفاع الى ان اعداداً متزايدة من الضباط يفضلون التسريح من الجيش حيث لا يتعدى المرتب الشهري 100 دولار. ومن يظل في الخدمة يبحث عن عمل "جانبي" يغدو تدريجياً اهم من عمله الاساسي. ومن جهة اخرى، رصدت ظاهرة اقبال المتطوعين على توقيع عقود للخدمة في قوات حفظ السلام في البلقان، لا بدافع "الغيرة الوطنية" بل لاغراض نفعية بحتة، اذ ان مرتب الجنرال بوتداريف قائد قوات الحدود في داغستان حيث تترصد القائد ورجاله اخطار يومية، لا يتعدى 4200 روبل زهاء 180 دولاراً في حين ان الجندي المتعاقد للخدمة في البوسنة يحصل على ألف دولار شهرياً. وذكرت صحف روسية ان ضباط الملاك يتقاضون "عمولة" تصل الى 10 في المئة لتسجيل جندي او ضابط ضمن القوات المتوجهة الى كوسوفو. والى جانب تردي الاوضاع في القوات المسلحة، تتفاقم الصراعات في قياداتها. واكدت مصادر عديدة ان عملية نقل 200 مظلي من البوسنة الى كوسوفو تمت من دون علم وزير الدفاع ايغور سيرغييف وبناء على خطة سرية عرضها نائبه الاول رئيس هيئة الاركان العامة اناتولي كفاشنين على رئيس الدولة مباشرة. وكان تعيين سيرغييف "انتهاكاً" لتقليد متبع منذ العهد السوفياتي بأن يكون وزير الدفاع من القوات البرية، في حين خدم سيرغييف في القوات الاستراتيجية وغدا قائداً عاماً لها. وبطلب منه، وافق يلتسن على تشكيل قيادة عامة للقوات النووية الاستراتيجية ضمت اليها جميع الاسلحة النووية من كل الاصناف. والاهم من ذلك، ان هذه القيادة لم تعد تابعة لهيئة الاركان العامة مما يعني ابعاد كفاشنين عن "الزر النووي" وتحجيم نفوذه. واشارت صحيفة "موسكوفسكي كمسمولتس" الى ان كبار الجنرالات منقسمون حالياً الى "معسكرين": الاول يوالي الوزير ويضم قائد القوات الاستراتيجية فلاديمير ياكوفليف ومسؤول الملاك والخدمة الجنرال فلاديسلاف بوتليت وضباطاً آخرين، فيما تضم مجموعة كفاشنين قائدي القوات الجوية اناتولي كورنوكوف والبحرية فلاديمير كوريدوف. ولكل من المعسكرين "انصار" في القيادات السياسية. وبين الحين والآخر تتسرب شائعات عن اقالة سيرغييف او اعضاء كفاشنين. بيد انهما لم يبرحا موقعيهما والارجح ان يلتسن، بوصفه القائد الاعلى للقوات المسلحة، يمارس لعبته الاثيرة في اقامة "توازنات" حتى وان كان ذلك على حساب القدرة الدفاعية للبلد.