طوت تونسوالجزائر صفحة البرود في العلاقات الثنائية التي استمرت نحو خمسة أعوام، وأعلنتا أنهما مقبلتان على مرحلة جديدة أكثر دفئاً ربما تتوج باستئناف اجتماعات اللجنة العليا المشتركة المجمدة منذ العام 1995. وكسر اجتماع القمة بين الرئيسين زين العابدين بن علي وعبدالعزيز بوتفليقة الثلثاء في الجزائر، على هامش مؤتمر القمة الخامس والثلاثين لمنظمة الوحدة الافريقية، الجمود الذي خيم على العلاقات بسبب خلافات إنطلقت من اشكالات في تنفيذ الإتفاق التجاري التفضيلي، وتطورت الى تباعد سياسي ألقى ظلالاً كثيفة على العلاقات الثنائية. وتعود آخر زيارة للرئيس بن علي الى الجزائر الى صيف العام 1990 عندما حضر الاجتماع الثاني لمجلس الرئاسة المغاربي. الا ان الرئيس السابق اليمين زروال زار تونس في العام 1994 لحضور الاجتماع السادس للمجلس، لكنه لم يعد اليها في زيارة رسمية مثلما كان مقرراً بسبب البرود الذي خيم على العلاقات منذ العام 1995. وعلى رغم ان أربع لجان قطاعية اجتمعت في تونسوالجزائر في ذلك العام تمهيداً لعقد الدورة السنوية للجنة العليا المشتركة برئاسة رئيس الحكومة السابق احمد اويحيى ونظيره التونسي الدكتور حامد القروي، الا ان الاجتماع أرجئ الى تاريخ غير محدد بسبب الخلافات التي ظهرت والتي انعكست في أعمال اللجان، وبينها لجنة الشؤون القنصلية ولجنة المبادلات التجارية ولجنة المشاريع المشتركة التي أنشئت في مطلع الثمانينات في المحافظات الحدودية لكنها تعاني من مصاعب مزمنة مما حمل على التفكير بغلق بعضها وتخصيص البعض الآخر. وبعدما اجتمع الرئيسان بن علي وزروال في القاهرة على هامش القمة العربية الاستثنائية العام 1996 لاحت بوادر أمل بمعاودة تنشيط العلاقات الثنائية، لكن انشغال الجزائريين بالانتخابات الاشتراعية والمحلية وبقاء الخلافات عالقة عطّلا حلحلة العقدة وحالا دون رفع الأحجار من طريق التقارب. وفيما استطاع التونسيون والمغاربة تبديد السحب التي تراكمت في سماء العلاقات الثنائية وحالت دون اجتماع اللجنة العليا منذ العام 1996، فزار رئيس الحكومة المغربي عبدالرحمن اليوسفي تونس في تموز يوليو العام الماضي على رأس وفد رفيع المستوى مدشناً صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، كانت من ثمارها الزيارة الرسمية الأولى للمغرب التي أداها الرئيس بن علي في الربيع الماضي، فإن انعطافاً مثل هذا لم يكن ممكناً مع الجزائر في "العهد الزروالي". وبدت مؤشرات الى احتمال تحسين العلاقات الثنائية بعد فوز بوتفليقة بالانتخابات الرئاسية في الخامس عشر من نيسان ابريل الماضي، كون التونسيين كانوا يتوجسون خيفة من فوز منافسيه الرئيسيين خصوصاً احمد طالب الابراهيمي الذي حظي بدعم "الجبهة الاسلامية للانقاذ" المحظورة. وتأكدت المؤشرات بعد انطلاق تبادل خفر للرسل بين الرئيسين. إذ أوفد بن علي وزيره الأول السابق الهادي البكوش الى بوتفليقة لتهنئته بتسلم مقاليد الرئاسة. الا ان الرسول الذي عمل سفيراً في الجزائر مطلع الثمانينات لم يحقق الانعطاف المرتقب. واستقبل الرئيس التونسي الشهر الماضي موفد بوتفليقة رئيس المجلس الشعبي الوطني البرلمان عبدالقادر بن صالح الذي نقل اليه دعوة لحضور القمة الافريقية، ثم استقبل الشهر الجاري الموفد الخاص وزير الداخلية السابق الهادي الخديري الذي تربطه صداقة شخصية مع الرئيس بن علي منذ كانا وزيرين للداخلية. وتعززت الاتصالات بمكالمة هاتفية بين الرئيسين قبيل القمة الافريقية. الا ان لقاءهما في الجزائر اول من امس دشن صفحة جديدة في العلاقات الثنائية. واستدل مراقبون على اهميته بكونهما لم يحيلا الملفات العالقة الى اللجنة العليا وانما قررا متابعتها شخصياً واتفقا في هذا السياق على تشكيل خلية تفكير عهدا اليها درس الآليات المتاحة لتنشيط العلاقات الثنائية وطلبا منها رفع استنتاجاتها اليهما. كذلك اتفقا على تكثيف المشاورات في أعلى مستوى ما يعني ان هناك لقاءات مقبلة مع كبار المسؤولين في البلدين. وأكدت مصادر مطلعة ان العلاقات الثنائية ستستعيد عافيتها في الأشهر المقبلة وان لقاءات مشتركة في العاصمتين ستخصص لتنقية الأجواء من الخلافات وإعادة قطار التعاون الى السكة.