بدأت الأسرة المالكة في بريطانيا تتغير من دونما حاجة الى يد توني بلير تأخذ بيدها لتحميها وتوجهها. الملكة إليزابيث اليوم تستطيع ان تدعو سلطان بروناي وزوجتيه الأولى والأخيرة الى عرس ابنها الأصغر إدوارد، والأمير حسن ولي العهد الاردني السابق وقرينته، وأفراداً ثانويين في أسر أوروبا المالكة من دون ان تدعو رئيس الحكومة الذي كان من سنة خلت حبيب قلبها، كما يقول اللبنانيون تشديداً على القلب مركزاً للحب. بلير ألغى كثيراً من الاجتماعات الدورية مع الملكة، ولم يهضم أحد من أسرتها الاحساس بالتهديد فردوا بعزله متى استطاعوا. والملكة اليوم تأخذ قرار تقليص عدد أعضاء أسرتها من دون ان تستشير الحكم الذي جعل نفسه درعها الحامي خلال موجة الاستياء الشعبية العارمة إثر موت ديانا. كانت إليزابيث ابنة الرجل الخجول المتلعثم المطمئن الى يقينه بأنه الرجل الثاني الذي لن يكون ملكاً أبداً، تنحي إدوارد الثامن بعد إصراره على الزواج من المطلقة الأميركية واليس سمبسون ونقل التاج بالصدفة الى جورج السادس ثم أكبر ابنتيه. الآن تحس الملكة التي تقول الصحافة الشعبية انها لم تخطئ مرة واحدة إلا عقب وفاة ديانا بالمفارقة عندما ينصحها سكرتيرها الخاص السير روبن جانفرين بحرمان ابنتي ابنها الثاني، والمفضل، أندرو من لقب "صاحبة السمو الملكي". الملكة جرّدت ديانا من اللقب بعد طلاقها خشية ان تورثه الى أولادها من زواج ثانٍ، وربما كان لطلاق أندرو وسارة حسابات مماثلة في ما يتعلق بالأميرتين الصغيرتين بياتريس ويوجيني اللتين ستتحول كل منهما الى ليدي إذا أقرت الملكة الخطوة. أندرو رأى في الاقتراح تقليلاً من شأنه، وسارة اعتبرته "لئيماً وحقوداً"، لكن الملكة ستعرف كيف تقنع ابنها، ولن تهتم كثيراً بانفعالات كنّتها السابقة، في سعيها الى عصرنة أسرتها وضمان مستقبلها في نطاق معرفتها وقدرتها. إدوارد، أصغر أولادها، وعروسه صوفي وافقا مسبقاً على تجريد أولادهما المحتملين من لقب "صاحب السمو الملكي"، ولئن كان التغيير مؤلماً فهو يخدم الغاية التي جهد جورج السادس وإليزابيث من أجلها منذ ثلثي قرن: البقاء. اهتز العرش البريطاني عندما أصر إدوارد الثامن في 1936 على الزواج من أميركية مطلقة مرتين. وتساءل كثيرون، بينهم ونستون تشرتشل، عن قدرة جورج الخامس على تولي العرش. انقسم البريطانيون بين مؤيد لإدوارد ومناصر لشقيقه الذي ورثه غصباً عنه، ولا يزال كثيرون يستنكرون عداء الأسرة المالكة لإدوارد وإجبارها إياه وزوجته على العيش في المنفى الباريسي حتى مماته في السبعينات. الملكة إليزابيث تذكرت تلك الأيام الصعبة عندما توفيت ديانا في أواخر آب أغسطس 1997. كانت تصطاف كعادتها في قصر وندسور، ولم يدرك أحد من أسرتها مدى الاستياء الذي تركه عدم تغيير برنامجها في شعبها. أنفق البريطانيون يومها خمسة وعشرين مليون جنيه استرليني نحو أربعين مليون دولار على شراء الزهور التي تكدست في حديقة قصر كنزينغتون حيث أقامت ديانا وأمام القصور الملكية الأخرى، وأحست قطاعات مختلفة منهم أن الملكة بعيدة، وأنها وأسرتها لا تزالان في حقبة تجاوزها الزمن. سبق الإعلام الأميركي ذلك البريطاني الى نقل غضب الشعب. لماذا لم تنتقل الملكة وأسرتها الى باكينغهام بالأمس لتكون قريبة منه في حزنه؟ لماذا بقيت صامتة لا تؤبن "أميرة الشعب" او تأمر بخفض العلم الملكي حداداً؟ إليزابيث والأسرة المالكة صعقتا برد الفعل على موت ديانا، وحتى عندما عبّرت عن حزنها في كلمة ملتفزة لاحظ كثيرون انها أعطت القليل متأخرة عن أوانها، وأنها لم تقل مرة واحدة انها أحبت الأميرة الصبية الراحلة. يومها دافع توني بلير عن الملكة وأسرتها وقدم لها النصح والصداقة، لكن الهزة والخوف اللذين رافقاها لم يخفيا برنامجه الثابت: تغيّر الحكم بعد ثمانية عشر عاماً من زواج المحافظين والمبنى الشهير في 10 داونينغ ستريت، وعلى القصر ان يتغير أيضاً. جلست إليزابيث الثانية على العرش عندما كانت في الثامنة والعشرين من عمرها، وقد يخلفها حفيدها وليام لا ابنها تشارلز إذا عاشت طويلاً، مثل والدتها الملكة الأم التي ستبلغ التاسعة والتسعين في آب المقبل. تشارلز، مع ذلك، رائد التغيير والدعوة الى خفض عدد أفراد العائلة المالكة ونفقاتها. صعق ولي العهد عندما علم ان عدداً من أعضائها الثانويين توجه في موكب الى مهرجان تشلسي للزهور وأوقف السير ليمر وسط الازدحام. بات تشارلز وأسرته أكثر فهماً للمواطنين الحانقين من مثل هذا السلوك والمتسائلين عمن أعطى كل أقربائه الحق في التميز والعيش على حساب دافعي الضرائب. لكن لدى العائلة المحبة للبذخ والأبهة ما تفخر به. عندما أعلنت في أواخر حزيران يونيو انها خفضت نفقاتها بخمسة ملايين جنيه في السنة الحالية الفائتة، وذكرت مجلة "فوربز" الأميركية ان الصورة الشعبية لملكة هولندا لا تتفق كثيراً مع حقيقتها. بياتريس التي تتنقل مع أفراد أسرتها على الدراجة في شوارع مملكتها السعيدة بها تملك في الواقع ثلاثة بلايين جنيه استرليني وربع البليون.