إستنفرت الدولة اللبنانية، بكل أجهزتها ودوائرها، بعد الجريمة المروعة التي أودت بحياة أربعة قضاة في قصر العدل في صيدا. وأكد كبار المسؤولين ملاحقة المجرمين ومحاكمتهم، معتبرين أن الجريمة لن تنال من تصميم القضاء على متابعة إجراءاته لحماية المجتمع، في حين أعلن الحداد العام في لبنان اليوم، وأعلن مجلس القضاء الأعلى الحداد ثلاثة أيام في قصور العدل بدءاً من صباح اليوم. فور وقوع الجريمة، أجرى رئيس الجمهورية إميل لحود إتصالات بنائب رئيس الحكومة وزير الداخلية ميشال المر ووزير العدل جوزف شاول ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي منير حنين والنائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم واطلع منهم على حيثيات الجريمة مبدياً تأثره البالغ لاستشهاد القضاة. وأعطى توجيهاته إلى الأجهزة الأمنية "بوجوب اتخاذ أقصى الإجراءات لتعقب الجناة والقبض عليهم وتقديمهم إلى العدالة". وأكد لحود "ان هذه الجريمة على بشاعتها وهولها لن تنال من تصميم القضاء بل سيتابع وبكل حزم إجراءاته الكاملة لحماية المجتمع من الجريمة والفساد والإنحراف". ووصف رئيس الحكومة سليم الحص ما حصل بأنه "حادث مريع ومؤلم نستنكره في شدة"، مؤكداً "ان يد العدالة ستطاول المسؤولين وتنزل فيهم العقاب الذي يستحقونه". وأضاف "ان كلاً منا يعتبر نفسه مستهدفاً، ونحن على اتصال دائم بالجهات الأمنية، وقد طلبنا منها الإستعجال في الكشف عن هوية المجرمين تمهيداً لمحاكمتهم وإنزال أشد العقوبات فيهم". وتابع "اننا حتى عصر اليوم امس لم نتبلغ توقيف أحد". وأعلن ليلاً بعد لقائه الرئيس لحود الحداد العام في لبنان على ان يقتصر النشاط الرسمي على جلسة لمجلس الوزراء يُنتظر ان يحيل خلالها القضية على المجلس العدلي. وطلب الوزير المر من محافظ الجنوب فيصل الصايغ دعوة مجلس الأمن الفرعي في الجنوب إلى الإنعقاد فوراً وإبقاء جلساته مفتوحة لاتخاذ الإجراءات والتدابير الآيلة إلى كشف ملابسات الجريمة "والعمل بكل حزم في أقصى سرعة على توقيف الفاعلين وإحالتهم على المراجع القضائية المختصة". وكلّف المفتش العام في قوى الأمن الداخلي العميد جورج حجار التوجه فوراً إلى صيدا لإجراء تحقيق مع القوى الأمنية المولجة حراسة قصر العدل. وأكد المر ل"الحياة" ان "لا صحة لما تردد ان بعض المتهمين الذين كانوا يحاكَمون اثناء وقوع الجريمة تمكنوا من الفرار". وقال "ان المعنيين ابلغوه ان جميع المتهمين ظلوا في القاعة". وقال الصايغ، بعد اجتماع لفاعليات صيدا، "ان مجلس الامن الفرعي في حال انعقاد دائم وسيشارك الوزير المر في جانب منه مساء، وأن الأجهزة الأمنية تقوم بواجبها لكشف الفاعلين وملاحقتهم". وتحدث عن "إجراءات جديدة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث". مجلس القضاء وعقد مجلس القضاء الأعلى جلسة طارئة برئاسة القاضي حنين وأصدر بياناً "على اثر الفاجعة التي حلّت بالقضاء وبالوطن وأدّت إلى استشهاد أربعة من خيرة قضاتنا الشجعان خلال ممارساتهم عملهم بكل تفان ومسؤولية"، فأبدى "استنكاره الشديد للجريمة النكراء وما خلّفته أيضاً من ضحايا من غير الوسط القضائي". وأعلن الحداد العام على أرواح الضحايا جميعاً، داعياً إلى تعليق الجلسات في قصور العدل في لبنان لمدة ثلاثة أيام إعتباراً من اليوم الأربعاء. واعتبر المجلس "ان هذه الجريمة لم تُرتكب في حق القضاء وحسب إنما في حق الوطن أيضاً"، مؤكداً "ان هذه الجريمة على ضخامتها لن تثني قضاة لبنان عن متابعتهم القيام بواجباتهم وتضحياتهم المستمرة على رغم المعاناة والألم اللذين يشعران بهما في هذه اللحظات الحرجة". ورفع المجلس، الذي يعتبر نفسه مصاباً بمقدار إصابات عائلات الزملاء الشهداء، "أسمى آيات التعزية من هذه العائلات المفجوعة". وأعلن فخره "بكل قاض دفع به الواجب الى هذه الدرجة العليا من درجات الاستشهاد"، معتبراً "ان ذكرى الزملاء الأعزاء باقية على الزمن". وأبقى جلساته مفتوحة لمواكبة التطورات، مؤكداً "سعيه الحثيث مع الأجهزة المختصة كافة إلى كشف ملابسات هذا الجرم البشع تمهيداً لتطبيق القوانين السارية. وتبلغ من الوزير شاول "تضامنه مع الجسم القضائي ومع المقررات التي يتخذها المجلس في هذه المناسبة المفجعة". واستنكر رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري الجريمة، وطالب بتحديد المسؤوليات في شأنها وملاحقة الجهات الفاعلة والاقتصاص منها في سرعة، واصفاً استشهاد القضاة بانه خسارة فادحة للجسم القضائي في لبنان. وعقد في دار الإفتاء في صيدا اجتماع ضم فاعلياتها دعا إلى الإضراب اليوم حداداً، مستنكراً "الجريمة والإستهتار الذي يرخي بظلاله على هذه المدينة"، ومطالباً "بإنزال أقصى العقوبات بالفاعلين". وقوبلت الجريمة باستنكار وزاري ونيابي وسياسي وروحي واسع، وركزت المواقف على وجوب الكشف عن الفاعلين وإنزال أشد العقوبات فيهم، ومعتبرة أنها "تمس الأمن الوطني". ولم يستبعد النائب عاصم قانصوه ان يكون الحادث "رداً على الفرحة بتحرير جزين، ورسالة إسرائيلية إلى القضاء اللبناني الذي يتجه إلى محاكمة عناصر لحد الذين سلّموا أنفسهم". وطلب الحزب التقدمي الاشتراكي من السلطات المختصة "الإسراع في كشف الفاعلين والمحرّضين وفتح تحقيق لمعرفة أسباب التقصير والإهمال في حماية القضاة المغفور لهم".