سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جريمة تهز لبنان مستهدفة القضاء الذي لم يشهد مثيلاً لها حتى في زمن الحرب . مسلحان يمطران بالرصاص محكمة الجنايات في صيدا فيقتلان 4 قضاة ويجرحان 6 بينهم محام ودركيان
هزت لبنان امس جريمة مروعة، هي أخطر حادث يشهده في تاريخه، حين فتح مسلحون مجهولون النار ظهراً على قاعة محكمة الجنايات في قصر العدل في مدينة صيدا جنوبلبنان اثناء انعقادها ما أدى الى مقتل هيئة المحكمة بأكملها المؤلفة من اربعة قضاة وجرح محام وعنصرين من قوى الامن الداخلي ومدنيين... ولاذ الجناة بالفرار. كانت الدعوى العاشرة الاخيرة التي شرعت هيئة محكمة الجنايات في صيدا بتها في قصر العدل، حين انهمر الرصاص على القوس والحضور من نافذتين تطلان على موقف للسيارات يفصل بينه وبين الشارع مدخل مشرّع من دون حراسة. وقال شاهد عيان استمع الى افادته اكثر من مرة وهو يعمل في محيط موقف السيارات ل"الحياة" انه شاهد قبيل الحادث مدنيين اثنين يحملان حقيبتين جاءا من جهة البحر في اتجاه موقف السيارات الخلفي لمبنى قصر العدل، الذي يقع قبالة كورنيش البحر، ودخلا الموقف وسمع بعد ذلك الرصاص، أطل برأسه ليرى ماذا يجري فشاهد المدنيين وقد اصبحا مسلحين ويطلقان الرصاص من النافذتين الى الداخل فاختبأ خوفاً من الرصاص ولم يرَ بعد ذلك شيئاً. المسلحان كما تفيد التحقيقات فرّا من المكان نفسه الذي دخلا منه، وتردد ان سيارة من نوع "ب.ام.ف. 730" كحلية زجاجها اسود لحجب الرؤية، كانت تنتظرهما غادرا فيها الى جهة مجهولة. وتبيّن من مصادر أمنية في وقت لاحق ان الجانيين كانا ملتحيين ويرتديان جلبابين وسروالين ابيضين. كان المسلحان، ولم يعرف هل ثمة غيرهما شارك في تنفيذ الجريمة، تركا خلفهما رشاشين من نوع كلاشينكوف وقاذفاً صاروخياً مضاداً للآليات من نوع "لاو" لم يستخدماه. وكان الرصاص الذي أطلقاه من خلال القضبان الحديد المثبتة على النافذتين اصاب مقتلاً كلاً من الرئيس الاول الاستئنافي في الجنوب القاضي حسن عثمان من بلدة الزعرورية في اقليم الخروب ومستشاري محكمة الجنايات في الجنوب القاضيين عماد عبدالامير شهاب من حاصبيا ووليد هرموش رئيس الغرفة الابتدائية ايضاً من السمقانية - الشوف والمحامي العام الاستئنافي في الجنوب القاضي عاصم ابو ضاهر من الزعرورية، وعثمان شقيق رئيس مجلس الانماء والاعمار محمود عثمان وابو ضاهر ابن شقيق العميد سالم ابو ضاهر احد كبار الموظفين في القصر الجمهوري. القضاة اصيبوا جميعاً من الخلف، اذ ان قوس المحكمة التي كانت منعقدة يقع مباشرة امام النافذتين ولا يبعد عنهما اكثر من متر واحد. وقد اختار الجانيان النافذتين اللتين تشكلان زاوية، فأطلق احدهما النار على المنصة في شكل افقي وكان الضحية الاولى القاضي ابو ضاهر كونه كان جالساً وخلفه النافذة، وأطلق الثاني النار من النافذة التي تشرف على القوس وخلفه حضور القاعة، فأصاب بقية القضاة. وطاول رصاص الجانيين عنصرين في قوى الامن الداخلي كانا يحرسان تسعة موقوفين في جرائم عادية في قفص الاتهام جلوساً، فيما الدركيان كانا واقفين فأصيب العريف أكرم الاشقر من مخفر البص والرقيب الاول علي عليان من سجن تبنين - 35 عاماً في كتفه اليسرى. وكان المحامي سالم سليم لحظة وقوع الجريمة يرافع أمام هيئة المحاكمة فأصابه الرصاص في فكه ورقبته وبطنه، وكذلك كاتب المحكمة كميل رحال وكان يجلس في المقعد الاخير الى جانب القضاة ما أدى الى بتر ثلاث أصابع في يده اليمنى، وجرح في يده اليسرى وفخذه، واصيبت في الحادث السيدة زهرة نجم التي كانت تهم لحظة وقوع الحادث بالخروج من القاعة لتدخين سيجارة كما قالت ل"الحياة" فأصابها الرصاص في ساقها، كما أصيب الحاجب سعيد شمس الدين. وقالت نجم انها كانت تحضر جلسة محاكمة صهرها وكانت هناك منذ العاشرة صباحاً وبعيد الثانية عشرة ظهراً حصل الحادث. وان كل ما تذكره ان موقوفاً احتجّ اثناء احدى المحاكمات على حكم صدر عليه بالسجن ثلاث سنوات، ورفض توكيل محام وقال "روح جيب المخيم كله". وبعد ذلك وبينما كانت تهم بالخروج لاشعال السيجارة سمعت الرصاص ولا تعرف ماذا حصل الى ان وجدت نفسها في المستشفى. الكاتب رحال قال اثناء معالجته في مستشفى حمود الذي نقلت اليه جثث الضحايا والجرحى انه كان جالساً الى يسار القاضي هرموش وفجأة سمع الرصاص ينهمر بغزارة وشاهد دخاناً من النافذة ولم يعرف بعد ذلك ما حصل. آثار الجريمة كانت واضحة في ارض قاعة المحكمة حيث الدماء ما زالت تبلل ارض القوس واوراق القضاة وبقايا نظارات واقلام مبعثرة على الطاولة وعلى الارض، فيما زجاج النافذتين مهشّم في الجزء السفلي منهما، وأمام القوس كمية كبيرة من الدماء على الارض قيل انها دماء المحامي سليم الذي نزف كثيراً وسحب الى الخارج. وظهرت آثار فجوات للرصاص على الجدران المقابلة لاحدى النافذتين، اي في المكان حيث استوى الموقوفون وكان صعباً التصديق ان اياً منهم لم يصب وهم في مواجهة الرصاص، وقيل انهم انبطحوا ارضاً كما فعل الحضور الذي كانت مقاعده منخفضة عن القوس. ولوحظ ان نسختين من القرآن الكريم والانجيل كانا على قوس المحكمة وحدهما بقيا سالمين. وفي محيط النافذتين من الخارج عشرات من الرصاصات الفارغة. وقال احد القضاة ان لحظة وقوع الجريمة كانت محكمة الجزاء منعقدة ايضاً وهي في القاعة المجاورة لقاعة محكمة الجنايات، وقد ساد الهلع صفوف من كان داخل القاعات وغرف قصر العدل. وقال احد مسؤولي قوى الامن ان الدركيين اللذين كانا يحرسان الموقوفين في قاعة الجريمة واصلا تأدية دورهما في الاشراف عليهم على رغم اصابتهما، الى ان دخل عناصر آخرون كانوا يتولوا، كما هي العادة، حراسة المدخل الرئيسي لقصر العدل وحين سألت "الحياة" عن سبب ترك موقف السيارات خلف المبنى من دون حراسة أجاب ان حمايته تعتبر من مسؤولية "أمن المؤسسات" ونحن لم يطلب منا ذلك سابقاً، وأكد كلامه احد القضاة قائلاً "ان الحراسة "طول عمرها" كانت عند مدخل المبنى وليس من خلفه ولم نحتج اليها يوماً وحتى في أصعب الظروف الامنية وخصوصاً في الحرب لم يتعرض قصر العدل لاطلاق الرصاص، ربما كانت منازل بعض القضاة تعرّضت لاطلاق نار كتهديد لهم لكنها المرة الاولى يسقط شهداء للقضاء". وبدا قصر العدل في صيدا بعيد حصول الجريمة في حال ارباك شديد، فقد ضربت حوله اطواق من الحراسة تولاها الجيش اللبناني على الارض وسطوح الابنية المحيطة به، فيما انتشرت الحواجز على طرق صيدا وعلى مداخلها بحثاً عن سيارة "ب.ام.ف." كان يتم توقيف كل واحدة منها للتدقيق في هوية اصحابها. وغصّ مكتب النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي جميل بيرم بالمسؤولين الامنيين في جيش وقوى أمن ومحققين وقضاة كان بعضهم يبكي زملاءه الذين قضوا غدراً، الى جانب محافظ الجنوب فيصل الصايغ. وقرابة الثالثة الا ربعاً وصل الى المكان وزير العدل جوزيف شاول والنائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي نصري لحود ودخلوا على الفور قاعة المحكمة التي حصلت فيها الجريمة واستمعوا الى شرح من القاضي بيرم وعاينوا محيط القاعة من الخارج، وقبل ان يغادروا استوقفهم الصحافيون فرفض شاول الادلاء بأي تصريح، واكتفى عضوم باعطاء الوقت حتى تستكمل التحقيقات قائلاً "هذه جريمة كبيرة في حق القضاء ومن المبكر اطلاق الكلام وعلينا الانتظار". اما القاضي لحود فرأى بدوره "ان من المبكر اعطاء اي انطباع أو تفسير لما حصل، قائلاً "ان الموضوع دقيق ويمكن الكلام بعد اربع ساعات أو خمس"، ومشيراً الى ان "الاجراءات الامنية في محيط قصور العدل من مسؤولية وزارتي الداخلية والعدل". وحضر نقيب المحامين انطوان قليموس الى المكان ووصف ما حصل ب"الكارثة على مستوى الوطن". ودعا الى وقفة تأمل وان نكون على مستوى من الجدية والمسؤولية فلا تكون هناك خطوات انفعالية". وقال محافظ النبطية محمود المولى الذي كان قاضياً قبل ان يعيّن في منصبه الحالي ومارس مهامه في قصر صيدا "خسرنا قضاة كانوا يشكلون تاج العدالة في لبنان، لكن هذا الامر لن يؤثر في مسار القضاة وعملهم في لبنان لانهم لا يرهبون وكل مجرم سيلقى جزاءه من القضاء اللبناني".