لم يحتف البريطانيون بالشاعر والرسام الفرنسي الراحل هنري ميشو خلال حياته، لا على مستوى شعره ولا على مستوى فنه. وأخيراً أقيم له أول معرض شامل في مرور مئة عام على ولادته، ضمن سياق اعادة اكتشاف البريطانيين للفنانين الأوروبيين، ومن بينهم الفنان رينوار. ولد هنري ميشو عام 1899 في بلجيكا، وبدأ حياته ككاتب وشاعر أنتج أكثر من ثلاثين مجموعة شعرية وكتاباً اضافة الى رسومه الكثيرة ولوحاته، وهو ينتمي الى مدرسة الشعراء والفنانين "الرؤيويين" في القرن العشرين، فضّله الفنان التشكيلي البريطاني فرنسيس بيكون على الفنان التجريدي الأميركي جاكسون بولاك، ووصفه ألن غينسبيرغ شاعر تيار "الضربة" الأميركي، بأنه أستاذ وعبقري. كذلك تمت مقارنته بألدوس هاكسلي وويليام بوروز نظراً الى تجربيبته القائمة على تعاطي عقاقير الهلوسة أثناء الكتابة والرسم. وهو فعل ذلك بغية التواصل مع أفكاره ومشاعره الداخلية، وليس لاجترار البهجة الشخصية. وخلال تلك الفترة، كان قرر أن يرسم ويلوّن، ليحرر نفسه مما اعتبره قيود اللغة والتقاليد. استعار غاليري "وايت شابيل" لوحات ميشو من المقتنيات الخاصة، وبعضها لم يُعرض من قبل. بدأ هذا الفنان الرسم في عشرينات القرن، وعلى الرغم من مخالطته للسورياليين في باريس، لم يعلن يوماً انتماءه الى جماعة متعددة. بدأ الرسم اعتماداً على معرفته بفن الخط الصيني والفلسفة الطاوية. قاصداً تأسيس عالم من اللغة والإشارات. ومن تصريحاته الشهيرة قوله "أبتغي أن أنجح يوماً في رسم إدراك الوجود، ومرور الزمن". وعلى الرغم من سفر هنري ميشو المتواصل، فإنه سجل كتابة ورسماً رحلات متخيلة داخل نفسه. وقادته رحلات اكتشاف الذات والرؤية الجوانية تلك، الى وصف نفسه بأنه "من نمط شاربي الماء"!. أما تعاطيه للعقاقير، فكان يهدف الى اجراء تجارب علمية حول تأثيرها على العقل وطاقاته. بدأت تلك التجارب عام 1954. وقد أوحت له انتاج أشهر أعماله وأقواها وهي الأعمال التي حاول أن يسجل فيها "تجربة التأجج الخارج عن التحكم". اشتمل المعرض على ثلاثة أقسام، في القسم الأول أعماله الأولى التي رسمها على ورق بالحبر الهندي، ومن بينها لوحتان صغيرتان من الرسوم الهيروغليفية، تعودان الى العام 1927. في العقود التالية طوّر رسومه في هذا المجال، وهي أعمال عكست اعجابه الشديد بفن الخط الصيني، كما أشرنا في البداية. أما القسم الثاني، فكشف عن أعمال ميشو التي إتكأت على مغامرات تخيلاته ودواخله، وهي منفذة بالألوان المائية. ويقدم القسم الثالث مرحلة الرسم تحت العقار المخدر، وهي أشبه بالخربشات الشيزوفرينية على قصاصات ورق، وتعد هذه المرحلة الأكثر شهرة في تجربته الإبداعية، بدءاً من خمسينات هذا القرن. وهي المرحلة التي ألف حولها أربعة كتب، وكانت أساسية لرحلة حياته ومحاولة فهمه لجسده وعقله. نظم غاليري وايت شابيل لقاءات حول أعمال ميشو، بحضور رسامين وشعراء، ومن بينهم الكاتب المؤرخ الفني دور أشتون، الذي عرف ميشو شخصياً في خمسينات باريس. ونظمت قراءات من أعماله النثرية والشعرية. وعرض الفيلمان اللذان ساهم في كتابتهما، مثل عيادة الدكتور كاليغاري 1919، للمخرج الألماني روبرت واين، ومملكة الحواس 1976 للياباني أوشيما.