تعيش جزين ومنطقتها في اليوم الرابع على تحريرها من "جيش لبنان الجنوبي"، الموالي لإسرائيل، حال فرح كبير يتزايد يوماً بعد يوم. واستقبلت امس مزيداً من المهنئين من رسميين وروحيين وألوف المواطنين لمشاركتها فرحتها ومباركة ابنائها بعودة مدينتهم وقضائها الى حضن الشرعية والوطن بعد 17 عاماً من الإحتلال. وترأس نائب البطريرك الماروني المطران رولان ابو جودة ممثلاً البطريرك نصرالله صفير اول قداس احتفالي بعد زوال الإحتلال تزامن مع العيد السنوي للسيدة العذراء وذلك في كنيسة مار مارون، ساعده فيه خمسة مطارنة منتدبين من صفير هم: بولس مطر وطانيوس الخوري وإميل عيد ومارون صادر وحنا الحلو في حضور رئىس الجمهورية السابق الياس الهراوي وعدد من النواب وفاعليات المدينة الإجتماعية والسياسية والأمنية. وألقى أبو جودة عظة هنأ فيها أهالي جزين على عودة مدينتهم إلى حضن الوطن، وذكّر بموقف مجلس المطارنة الموارنة القاضي "بضرورة دخول الشرعية الى منطقة جزين دخولاً كاملاً بقرار منها كصاحبة الحق والدار". وخاطب الأهالي بالقول "نهنئكم على ما أنتم عليه من عيش مشترك، وندعوكم إلى المحافظة عليه وتعزيزه لأنه من خصائص هذا الوطن وخصائص عيش أبنائه". وقال "ان حضور الشرعية في جزين سيكون مشابهاً لحضورها في بقية المناطق الجنوبية". وشكر الرؤساء والدولة على رعايتهم لأبناء جزين وخص رئيس الجمهورية إميل لحود الذي كان زار المدينة صباح اول من امس. وعقد اجتماع بين المطارنة والرئىس الهراوي ونواب وفاعليات المنطقة، وتحدث الهراوي قائلاً: "جئت لأفرح بين الفرحين وأصفّق مع المصفّقين قائلاً للذين ما زالوا يخشون أن يسلّموا أنفسهم الى الدولة كونوا أكيدين ان قضاءنا عادل وكلنا سيعمل لكي نبرئ الذمة. ولكن الفرحة تكتمل عندما يكون ما قمنا به في جزين، هذا الموقف اللبناني الموحد، كي نصل الى تحرير لبنان بأكمله". أضاف "اقولها بكل فخر انا من شرّع المقاومة لأني أردت أن تكون المقاومة في لبنان شرعية مثلما كانت المقاومات اثناء الحرب العالمية الأخيرة، لا يجب أن نُتهم بأن الإرهاب ضارب في لبنان، عندما تتخلص الأرض اللبنانية من المحتل ليطالبوننا اذا كان هناك ارهاب ام لا، وأنني اؤكد انه لن يكون". وأشار الى عظة ابو جودة وقال "لا اريد ان ازايد على فخامة الرئيس لحود لكلامه عما بين جزين وبعبدات ولكن ما بين الشلال عروس جزين والبردوني عروس البقاع الكثير". وزار الكنيسة صباحاً قائمقام شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث وكان في استقباله المطارنة وعدد من نواب وفاعليات المنطقة. وألقى غيث كلمة شدد فيها على العيش المشترك مؤكداً "ان القضية واحدة"، مهنئاً اهالي جزين بتحريرها من الإحتلال. وعلى صعيد قضية عناصر "الجنوبي" المتعاملين، افادت مصادر جزينية ان قسماً من هؤلاء سلّموا انفسهم امس الى الجيش اللبناني في كفرفالوس وباتر وبسري. وذكرت المصادر ان اعداد كبيرة من هؤلاء سيباشرون تسليم انفسهم اعتباراً من اليوم. الى ذلك، عقد المحامي مارون كنعان صباح امس مؤتمراً صحافياً في منزله في جزين طالب فيه "بمقاضاة عادلة للذين سلّموا أنفسهم للدولة مع الأخذ في الإعتبار الظروف المعيشية التي فرضت عليهم واقعاً يتنافى مع قناعاتهم". وكانت جزين شهدت منذ ساعات الصباح الأولى توافد عشرات العائلات ومئات الزوار الى المدينة وسجلت على الطرقات الرئيسية حركة سير كثيفة لم تشهدها منذ سنوات طويلة، وما ساعد في ذلك قيام عناصر الجيش اللبناني المتمركزة عند معبر كفرفالوس بالعمل على تسهيل مرور المواطنين. كذلك شهدت بلدات قضاء جزين وقراه التي انسحب منها "الجنوبي" حركة ناشطة لألوف المواطنين الذين استغلوا عطلة نهاية الاسبوع لزيارة بلداتهم وممتلكاتهم تمهيداً للعودة إليها. وإلى بلدة روم عاد أكثر من 250 شخصاً من أبناء البلدة إلى منازلهم بعد غياب 17 عاماً واجتمعوا مع أفراد من عائلاتهم بقوا في البلدة، واستقبلهم المقيمون بالترحاب ونثر الرز والزهور وتوزيع الحلوى. وفي المواقف، اعتبر النائب طلال المرعبي "ان عودة جزين الى الوطن هو انتصار كبير ليس للبنان واللبنانيين إنما للعالم بأكمله، وكان الفضل الكبير للمقاومة التي أجبرت الإحتلال على الإنكفاء"، مؤكداً على "تلازم المسارين اللبناني والسوري لإجبار العدو على الإنسحاب". وقال النائب وجيه البعريني "ان عودة جزين الى الوطن هو انتصار كبير"، ونوّه بالمقاومة الوطنية والإسلامية "التي أجبرت العدو على الإنسحاب". وأضاف "ان زيارة رئيسي الجمهورية إميل لحود والحكومة سليم الحص أعطت دفعاً كبيراً لأهالي المنطقة وعبّرت عن اللحمة الكبيرة بين المسؤولين وأبناء الوطن". وأعرب النائب رياض الصراف عن فرحته بعودة جزين الى "حضن الوطن". وقال "ان زيارة لحود والحص أثلجت صدور اللبنانيين". ووصف النائب فوزي حبيش ما جرى بأنه "عرس كبير عمّ لبنان كله"، وشدد على "دور المقاومة والشرعية اللبنانية"، واعتبر "ان زيارة لحود والحص أعطت دفعاً كبيراً لأهالي جزين". واعتبر نائب الأمين العام ل"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم في احتفال تأبيني "ان تحرير جزين نموذج للتحرير الهادف والمشرف، ويمثل تطبيقاً عملياً وممكناً للإنسحاب من دون قيد أو شرط". وقال "ان أداء المقاومة الإسلامية بالإرادة الوطنية الرسمية والشعبية حقق إنجازاً خارج معايير التسلّط الأميركي والشروط الإسرائيلية". وأضاف "لقد تعوّد الناس رؤية الجيوش أو المقاتلين يقتحمون المواقع والقرى للتحرير، ولكن في جزين اقتحمت المقاومة قلوب العملاء فأرعبتهم وأسقطتهم فضاقت بهم الأرض وخرجوا أذلّة من دون حاجة للحضور الميداني المباشر". وتابع "لقد نجحت المقاومة الإسلامية في اختبار جزين، فتجاوزت الأفخاخ ومثبطي الهمم، وحررت أهلها والأرض، وأثبتت مرة جديدة انها تساوي بين المواطنين والمناطق، فالعميل لا طائفة له، وكل قرية او مدينة هي جزء من الوطن، وكل مواطن عزيز على ارضه، والمقاومة لكل الوطن. ويبقى الاختبار لأولئك الذين أبرزوا اهتماماً استثنائياً لجزين الحبيبة وقراها، هل سيتابعون الطريق وبالحيوية نفسها لخطوات تحرير سجد وبنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا وغيرها؟ نحن مستمرون وجاهزون وأيدينا ممدودة للجميع كما عوّدناهم". واعتبر "اللقاء اللبناني الوحدوي" في بيان اصدره بعد اجتماعه الشهري برئاسة المفكر منح الصلح في "دار الندوة" ان "تحرير جزين عيداً وطنياً". وحيا زيارتي لحود والحص الى جزين "في اشارة تاريخية لبدء مرحلة احتضان الدولة لجزين والتأكيد على المسؤولية الوطنية عن هذا الجزء الغالي من لبنان". ورأى اللقاء "بشارة في اقتراب اليوم الذي يكتمل فيه جلاء اسرائيل عن الجنوب والبقاع الغربي ودليلاً على سداد السياسة الوطنية التي سلكها لبنان وحسن التنسيق مع سورية". واعتبر المجتمعون الحدث المهم "ظفراً حققه الصمود الوطني الذي اتصف به شعب لبنان ومقاومته الباسلة"، وأبدوا ارتياحهم لتولي حواجز الجيش "مهمة تسليم المتعاونين مع العدو"، داعين الى "تحديد تعريف بهؤلاء وإلى تسلّم القضاء اللبناني هذا الملف". واعتبر نقيب المحامين في بيروت انطوان قليموس "ان كل جزء من لبنان يجب احتضانه، وأن الشبان الذين سلّموا انفسهم الى الشرعية كانوا مغلوبين على امرهم ومقهورين". وقال "كل انسان يخطئ، المطلوب معرفة درجة الخطأ ومدى الإستعداد لتكراره ونوعية العمل الذي قام به، وكيف تعاملت الدولة مع امثال هؤلاء. وحين أرى انه صدر قانون عفو على جرائم حرب ومخدرات، فانني اعتقد ان هؤلاء الذين يسلّمون انفسهم اليوم الى السلطة هم اناس لم يكن وضعهم وضعاً إرادياً، ولا يضير البلد شيئاً اذا عاد واستوعب هؤلاء، طبعاً ضمن اطر قانونية معينة. وأعتقد ان تحرير جزين ليس لغماً انما خطوة نحو التحرير. فهناك وعي عند المواطنين وهناك تصميم وإرادة من الدولة. والكلام الذي أدلى الرئيس لحود به في جزين كلام مسؤول، فرأس الدولة يقول لا تخافوا، الدولة لن تترككم وستكون على مستوى المسؤولية، والقضاء سيتعامل باستقلال تام مع الهواجس المطروحة".