أشياء كثيرة تقال حالياً عن ايهود باراك رئيس وزراء إسرائيل الجديد، بعضها ايجابي والكثير منها سلبي. في الايجابي نجد فكرة الاستعداد للخروج من لبنان خلال سنة، ونجد فكرة الاستعداد لمواصلة المفاوضات مع سورية من حيث توقفت. وفي السلبي نجد سلسلة من المواقف والتسريبات الاعلامية ضد الموضوع الفلسطيني. فهو تارة يريد القفز عن الحل المرحلي نحو الحل النهائي، تماماً كما كان يطلب نتانياهو، وهو تارة يريد أن يواصل الاستيطان على قاعدة الالتزام بتنفيذ قرارات حكومة نتانياهو التي سبقته، ثم يوقف ما عدا ذلك، عملاً بالقاعدة نفسها التي لجأ إليها نتانياهو حين واصل خطواته الأولى في الاستيطان، منفذاً القرارات الاستيطانية الأخيرة لحكومة شمعون بيريز، وهو تارة يكرر لاءات اسحق رابين الأربعة، ويجعل منها إطاراً لأي صيغة حل نهائي مع الفلسطينيين وبما يعني الاستيلاء على نصف الضفة الغربية. وينشغل العرب عموماً، والفلسطينيون منهم خصوصاً، في تتبع أقوال باراك وأفعاله، وفي إعلان ردود الفعل عليها، حتى لتكاد تصبح السياسة الفلسطينية مثلاً، سياسة ظل لباراك، وسياسة تعقيب على أقواله ومواقفه، وسياسة مطالبة له بأن يتحالف مع هذا الطرف أو ان لا يتحالف مع ذاك الطرف. والشيء الأكيد هنا أن باراك لن يلتفت مطلقاً في تحديد مواقفه وتحالفاته، إلى المواقف العربية أو الفلسطينية، ذلك ان معاييره الإسرائيلية هي الأساس في رسم تلك السياسة وفي بناء تلك التحالفات. ولذلك فمن الأجدى عربياً وفلسطينياً، أن يتم رسم المواقف، وتحديد الاتجاهات، بناء على المعايير العربية والفلسطينية، ثم يأتي الموقف من باراك ومن سياسته وتحالفاته، على أساس تلك المعايير، لتحكم له أو عليه. في السياسة التفاوضية الفلسطينية مثلاً، لا بد أولاً من وضع أسس التفاوض مع باراك حول قضايا المرحلة النهائية، وهي أسس لا بد أن تكون علنية، يقول فيها المفاوض الفلسطيني ان ثوابته هي: - السيادة الكاملة على كل الأراضي المحتلة منذ العام 1967. - عودة القدس كاملة إلى السيادة الفلسطينية باعتبارها جزءاً من المنطقة المحتلة. - إلغاء الاستيطان إلغاءً كاملاً مادياً وبشرياً. - الحق في إعلان قيام سيادة الدولة الفلسطينية من دون تفاوض حولها. - البحث في أسس وشروط ومراحل عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وأملاكهم. وعلى قاعدة هذه الأسس، تكون المفاوضات أو لا تكون، تماماً كما فعلت سورية حين أصرّت على أن قاعدة التفاوض هي الموافقة الإسرائيلية على الانسحاب من الجولان، ولم تتقدم مفاوضاتها مع رابين وبيريز إلا بعدما سلما بتلك النقطة الجوهرية، وأمكن بعدها البحث في التفاصيل التي تستتبع ذلك، مثل الاجراءات الأمنية وأشكال التطبيع. وتوقفت مفاوضات سورية مع نتانياهو حين رفض التسليم بما وصلت إليه المفاوضات. وهذا المطلوب من الفلسطينيين الآن ليس تشدداً، بل هو توضيح لطبيعة المفاوضات وتأكيد على أن طبيعة المفاوضات لا يحددها باراك وحده.