انتهت في برلين أعمال المنتدى الاقتصادي العربي - الألماني التي استمرت يومين، ونظمته للمرة الثانية غرفة التجارة العربية - الألمانية في حضور أكثر من 300 من كبار المسؤولين ورجال الأعمال العرب والألمان. وتوزعت اعمال المنتدى، الذي اختتم اعماله السبت، على جلستين صباحيتين وورشات عمل تحدث فيها ممثلون عن كل البلدان العربية، وشكل ذلك فرصة لإظهار التغيرات الإيجابية التي يشهدها مناخ الاستثمار في هذه البلدان على صعيد تحسين البنى التحتية وأدوات السياسات المالية. وأكد المتحدثون والمشاركون أن تطوير العلاقات الاقتصادية مع ألمانيا لا يتطلب فقط تصحيح الميزان التجاري الذي يميل في شكل متزايد لصالح الجانب الألماني وحسب. فمثل هذا التطوير ينطوي على نقلها من علاقات "زبائن إلى علاقات شراكة". ومما يعنيه ذلك أن على الشركات الألمانية أن تتجرأ وتبادر إلى المساهمة في إقامة المشاريع المشتركة في مختلف مجالات الإنتاج والخدمات. ويأتي هذا التأكيد على ضوء المعطيات التي تشير إلى تزايد هوة العجز التجاري العربي مع ألمانيا، اذ ازدادت صادراتها إلى البلدان العربية بحوالى 11 في المئة عام 1998 في مقابل تراجع وارداتها منها بنسبة تزيد على 9 في المئة. كما أن نشاط البنوك والشركات الألمانية في الوطن العربي لا يزال دون مثيله من بنوك وشركات البلدان الصناعية الكبرى على صعيد المشاركة في إقامة وتمويل المشاريع المذكورة على رغم أن الاقتصاد الألماني يشكل ثالث قوة اقتصادية في العالم. وانتظمت في إطار المنتدى 11 ورشة عمل تناولت السياحة والتدريب المهني والمشاريع الصناعية والبنية التحتية والاتصالات والبيئة والقانون. ولوحظ تركيز على تطوير السياحة والتدريب المهني وطرق التمويل في البلدان العربية بالاعتماد على الخبرات والإمكانات الألمانية كمقدمة لتكثيف التعاون في المجالات الأخرى. ويُخص بالذكر مجالا تحديث البنى التحتية وإقامة المشاريع الصناعية المشتركة، سيما مشاريع الطاقة والبتروكيماويات. وكان من أبرز المتحدثين في ورشة القطاع السياحي الدكتور ايرش كاوب Erich Kaub رئيس الاتحاد الألماني للسياحة، الذي ذكر أن معدلات نمو السياحة العربية أقل بكثير من مثيلاتها العالمية على رغم إمكاناتها النادرة. وشدد على أهمية قيام غالبية البلدان العربية باتباع سياسات سياحية ترويجية على غرار ما تفعله تونس ودبي. وأضاف أن بلدن العرب بشمسها الدافئة وشواطئها النادرة تقدم للسائح الألماني ما يصبو إليه. وأشار الدكتور كاوب إلى توافر إمكانات مضاعفة أعداد السياح الألمان إلى البلدان العربية خلال بضع سنوات على اعتبار أن ألمانيا أكبر بلد مصدر للسياحة في العالم. وأضاف: "لا نريد سياحة جماعية بقصد الاستجمام فقط إنما سياحة نوعية لأغراض التعارف على إمكانات الاستثمار والتعاون والصحة والرياضة وتوقيع العقود". وتحدث السيد صائب نحاس رئيس جمعية السفر والسياحة في سورية عن فرص الاستثمار السياحي في سورية والبلدان العربية. ودعا الى الجمع بين التكنولوجيا الألمانية والثروات المادية والبشرية العربية على صعيد تطوير القطاع السياحي وغيره. وشدد على تزايد فرص الاستثمار في الوطن العربي على ضوء قيام بلدانه بفتح أسواقها على بعضها البعض وتسهيل حركة السواح بينها. وذكر أن هناك مشروعاً يتم إعداده من أجل اعتماد فيزا سياحية سورية - لبنانية مشتركة قريباً. واستعرض أحمد الأطرش نائب وزير الخارجية الليبي ظروف بلاده أثناء الحصار الذي فرض عليها بسبب أزمة لوكربي. وذكر أن ظروف الحصار لم تؤدِ إلى وقف التعاون الليبي - الألماني الذي استمر في معظم المجالات الاقتصادية. وعرج على ميزات بلاده السياحية وإمكانات الاستثمار فيها بعد رفع الحصار المذكور. واعتبر أن ذلك يفتح فرص استثمار كبيرة أمام لشركات والمؤسسات الألمانية السياحية وغيرها. وتوجت ورشة العمل الخاصة بالسياحة بعقد اتفاق للتعاون السياحي بين الحكومة الموريتانية واتحاد الصناعات الألمانية للسياحة. وقعه عن الجانب الموريتاني السيد أحمدي ولد حمادي وزير التجارة والصناعة التقليدية والسياحة وعن الجانب الألماني الدكتور اريش كاوب رئيس الاتحاد المذكور. وحسب الوزير حمادي فإن أهمية الاتفاق لا تنبع من كونه يهدف إلى تشجيع قدوم السائحين الألمان إلى بلاده التي تتمتع بالشواطئ النظيفة والصحارى المترامية والأمن وكرم الضيافة وحسب. فهو يهدف بالإضافة إلى توفير المعلومات والتسهيلات اللازمة لتعريف رجال الأعمال الألمان بميزات المناخ الاستثماري في موريتانيا بغية جذبهم للاستثمار في قطاعها السياحي. كما يهدف إلى التعاون على صعيد التدريب والتأهيل السياحي للشباب الموريتاني في كل من ألمانياوموريتانيا. وقال الدكتور كاوب: "ان الاتحاد سيبادر إلى عقد اتفاقات مماثلة مع بلدان عربية أخرى قريباً وعلى رأسها الإمارات وسلطنة عمان". وخلال ندوة التأهيل المهني تحدث العديد من أصحاب الخبرة عن ميزات ما يسمى بنظام التعليم والتدريب الثنائي الألماني وإمكانات الاستفادة منه على الصعيد العربي. وأبرز المتحدثون ميزات هذا النظام الذي يعتبر أفضل نظام من نوعه في العالم. ويتلخص جوهره، حسب كريستيان رونغي المدير العام لمؤسسة انتيا INTEA التعليمية، بأنه يعتمد على التدريب العملي للشباب في المؤسسات الصناعية والخدمية لمدة تتراوح من2 الى 3 سنوات. أما التعليم النظري فيتم بالتوازي مع التدريب المذكور وبمعدل يومين أو أقل في الأسبوع حسب نوع المهنة. ونوه العديد من المتحدثين وعلى رأسهم ايهاب داعوق المدير الإقليمي للمؤسسة المذكورة إلى صعوبة تطبيق هذا النظام في البلدان العربية بسبب غياب البنية الاقتصادية التي تضم مؤسسات قادرة على استيعاب الشباب المقبل على التأهيل قياساً إلى ما هي عليه الحال في ألمانيا. وعلى رغم الصعوبات ظهر من خلال المداخلات التي شارك فيها أيضاً السيد محمد عمر عبدالله المدير العام لغرفة التجارة والصناعة في أبو ظبي أن هناك إمكانات لنشره بالتدريج. غير أن ذلك يشترط استعداد مؤسسات القطاع الخاص للمساهمة في الجانب العملي أو التطبيقي منه بشكل فعال. وفي ما يتعلق بندوة تمويل المشاريع تركزت المناقشة على طرق التمويل الحديثة في إقامة الكبيرة منها، سيما في مجالات الطاقة والبنية التحتية. وتم التعرض إلى أهم المخاطر المرتبطة بالتشغيل والتحديث والصيانة على المدى البعيد. وعلى رأس هذه المخاطر حسب السيد تاي بال رئيس قسم التمويل الدولي في درسدنر بنك تلك المرتبطة بالتدخل الحكومي في إدارتها وتطويرها وتحديد أسعار منتجاتها. وبدا من خلال النقاش أن البنوك الألمانية أكثر تشدداً من مثيلاتها الأميركية والبريطانية على صعيد الضمانات التي تطالب بها. وفي هذا الإطار تحدث السيد فتحي ياسين المدير التنفيذي في البنك الأهلي المصري. ومما ذكره السيد ياسين أن البنوك الأميركية واليابانية والفرنسية والبريطانية تساهم بشكل أكثر فعالية في تمويل المشاريع المصرية والعربية من مثيلاتها الألمانية على رغم إمكانات الأخيرة. وعن ترددها قال: "أن تأخرها بدخول الأسواق العربية سيحرمها من ميزات كثيرة وسيبعدها عن هذه الأسواق التي تصنف غالبيتها حالياً على أنها أسواق واعدة". من جهته دعا الدكتور يورغن هولتز مدير اتحاد البنوك البرليني مؤسسات التمويل الألمانية إلى الاهتمام بتمويل المشاريع في البلدان العربية بشكل أكثر من السابق. وأضاف أن قلة الاهتمام بها سابقاً تعود إلى انشغال الألمان بوحدتهم وتوجههم إلى شرق أوربا وروسيا. واعتبر أن الوقت حان لإعادة الاهتمام بهذه الأسواق بما يخدم مصلحة الطرفين في زيادة النمو وتحقيق الازدهار.