الخدمات المصرفية للأفراد: باستثناء البحرين تشكل الخدمات المصرفية للأفراد المحور الأساسي لاستراتيجيات القطاعات المصرفية في دول الخليج. ونجح معظم المصارف في المنطقة في تحويل شبكات فروعه من مجرد وحدات لجمع الودائع الى مراكز متكاملة للخدمات والتسويق تؤمن القروض وغيرها من الخدمات المدرة للدخل. وضمن الدوافع الكامنة وراء اندفاع المصارف الخليجية نحو توسيع نطاق عمليات الخدمات المصرفية للأفراد، معدلات النمو السكاني المرتفعة في المنطقة وزيادة اقبال الفئات السكانية الشابة على الخدمات المصرفية. وأمن التحول التدريجي من المجتمعات التقليدية التي تتعامل بالنقد الى اخرى تفضل الخدمات المصرفية المتطورة فرص نمو طيبة للمصارف الاقليمية، ومن المرتقب ان يستمر هذا الزخم خلال السنوات المقبلة. وتعد المملكة العربية السعودية اكبر سوق للخدمات المصرفية للأفراد في الخليج، وتضم المملكة 11 مصرفاً تعمل عبر 1230 فرعاً لخدمة قاعدة العملاء المتزايدة الحجم. ويتمثل محور عمليات المصارف في نظم التحويل الالكتروني للأموال التي تستند على افضل ما انتجته التقنيات الحديثة، وتشمل ماكينات الصرف الآلي، والتحويل الالكتروني للأموال عند نقاط البيع، وشبكة المدفوعات بين المصارف التي تؤمن التحويل الفوري لأرصدة الدائنين من مصرف الى آخر عبر مؤسسة النقد العربي السعودي. وتتنافس المصارف السعودية تنافساً حاداً في ما بينها لزيادة حصصها من ودائع العملاء، علماً بأن 42 في المئة من هذه الودائع هي ودائع تحت الطلب او ودائع لا تحمل فوائد. وبعدما ظلت المصارف السعودية على امتداد سنوات كثيرة تعتمد على المشاريع الحكومية والائتمان التجاري كمصادر اساسية لتحقيق ربحيتها، طبقت هذه المصارف برامج طموحة لتقديم القروض الشخصية وإصدار بطاقات الائتمان مع تزايد الطلب على مثل هذه الخدمات خلال السنوات القليلة الماضية. ويتمثل المعوق الرئيسي لتوسع الخدمات المصرفية للأفراد في المملكة في غياب التشريعات الملائمة التي تحمي حق المصارف التجارية عند عدم السداد من قبل المقترضين من الافراد، وكان هذا هو السبب الرئيسي في عدم توافر القروض المضمونة برهن على رغم الطلب المحتمل لمثل هذه المنتجات. وعلى رغم تزايد حدة المنافسة بين المصارف الكويتية على شريحة الخدمات المصرفية للأفراد، الا ان هذه المصارف تنظر الى هذه الشريحة باعتبارها واسطة النمو المستقبلي للعمل المصرفي. ومن هنا تعمل هذه المصارف بهمة عالية على توسيع شبكات فروعها، والاستثمار في البنيات الأساسية المصرفية الحديثة مثل ماكينات الصرف الآلي وغيرها من نظم الخدمات المصرفية المتطورة بالفروع. ونظراً الى ان خدمة تقديم الائتمان المصرفي للشركات تتميز بحدة المنافسة، وهيمنة المصارف الاجنبية على خدمات الاستثمار، سجل مجمل القروض معدلات نمو عالية بلغت 33 في المئة سنوياً، في الوقت الذي زاد فيه الائتمان المقدم للأفراد بنسبة تراكمية 50 في المئة سنوياً ليصل الى 40 في المئة من اجمالي القروض بنهاية عام 1997. واتجه نحو 20 في المئة تقريباً من القروض المقدمة من المصارف الكويتية نحو 2 بليون دينار كويتي الى تمويل اوراق مالية محلية. ولتقليل درجة المخاطر التي تتعرض لها المصارف فرض "البنك المركزي الكويتي" سقفاً اعلى للقروض الفردية حدده بملغ 70 الف دينار كويتي، وعشرة في المئة كحد اعلى للقروض الشخصية كنسبة من ودائع العملاء، كما حظر تناول هامش التسليف. تعود ملكية معظم المصارف في دولة الامارات العربية المتحدة الى الحكومة وتعمل كمصارف للحكومات المحلية للامارات المختلفة التي تحد من نطاق خدماتها المقدمة للأفراد. وعلى رغم ذلك، فهناك توجه ملحوظ نحو بناء شبكات فروع كبيرة للخدمات المصرفية للأفراد لتخدم المتطلبات المتزايدة للعملاء من الافراد. ويكمن التحدي الرئيسي امام التطبيق الناجح لاستراتيجيات الخدمات المصرفية للأفراد في تحويل الفروع من مصارف تقليدية مصغرة لديها غرف عملياتها الخاصة الى مراكز حديثة للخدمات والتسويق للمنتجات المصرفية. تعد البحرين مركزاً مالياً عالمياً حقيقياً يضم نحو 180 مؤسسة مالية، منها 18 مؤسسة داخلية. وتمثل البحرين حالياً محور النشاط المصرفي الاجنبي في الخليج، ونجحت في تحقيق هذه المكانة بفضل مطالبتها المصارف العاملة لدى الدولة امتلاك قاعدة رأس مال متينة وان تطبق احدث معايير المحاسبة والمراجعة. وبما ان القطاع المصرفي البحريني عانى من العقبات التي ظهرت أخيراً في نشاط ترتيب الاكتتاب في القروض المشتركة، ومن تراجع وضع البحرين كمركز مالي يربط الشرق الأقصى بأوروبا، اصبحت البحرين تمثل المركز الاقليمي للخدمات المصرفية الاسلامية ومحوراً لصناديق الاستثمار المشتركة اذ تضم البلاد اكثر من 300 من هذه الصناديق. شهد القطاع المصرفي العماني تطورات سريعة خلال الآونة الاخيرة، اذ ادت عمليات الدمج بين بعض المصارف العمانية الى تقلص عددها من نحو 20 مصرفاً عام 1992 الى سبعة مصارف فقط. وعلى رغم ذلك لا تزال شبكة فروع المصارف كبيرة نسبياً مقارنة بالعدد المحدود من السكان، مما يشير الى توجه القطاع المصرفي العماني نحو الخدمات المصرفية للأفراد. وتتسم سوق النشاط المصرفي في عمان بحدة المنافسة، وتستخدم المصارف احدث تجهيزات الخدمات المصرفية الهاتفية تلي بنك وماكينات الصرف الآلي، كما انها تعتمد الى حد ما على الائتمان الشخصي كمصدر أساسي لنموها. الخدمات المصرفية للشركات والمؤسسات التجارية: على نحو عام يهيمن العملاء من القطاع الحكومي وشبه الحكومي والعائلات التجارية الكبيرة على الخدمات المصرفية للشركات و"المؤسسات" في الخليج. ويتم تقديم معظم القروض على اساس اسعار صرف متغيرة لا على اسعار ثابتة ولآجال قصيرة تتراح بين عام واحد وخمسة اعوام. ويقدم معظم القروض للقطاع الخاص لتمويل نشاطات الانشاء والتجارة واستيراد السيارات، حيث تتسم العلاقة مع العملاء من التجار بالقوة والقدم. اما المشاريع الصناعية الكبيرة التي تتطلب قدراً كبيراً من التمويل فيتوافر لها هذا التمويل من خلال ترتيبات القروض المشتركة بمشاركة اجنبية. ويتزايد طلب المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية على الائتمان المصرفي خلال فترات تراجع ايرادات النفط، وهو يمثل جزءاً كبيراً من الطلب على الأموال المتوافرة للاقراض في دورة معاكسة لدورة اسعار النفط والنشاط الاقتصادي. إن اعتماد معظم الاقتصادات الخليجية على الايرادات النفطية يجعل المصارف الاقليمية معرضة لمشاكل تتعلق بنوعية موجوداتها إبان فترات تراجع اسعار النفط، وخصوصاً حينما تتأثر المدفوعات الحكومية للمقاولين المرتبطين معها بتنفيذ المشاريع. وأدى هذا الوضع في الماضي الى تدهور التدفقات النقدية من الشركات مما أثر في نهاية الأمر على قدرة هذه الشركات على الوفاء بالتزاماتها والسداد لمقرضيها. ونتيجة لهذا الوضع، اتجهت المصارف المركزية لفرض اجراءات متشددة للرقابة على مخصصات خسائر القروض، في الوقت الذي حسّن فيه معظم المصارف سياساته الاشرافية وخبرات ادارة المخاطر به. وكانت المحصلة انه على رغم ان موجودات المصارف لا تزال عرضة لتأثير التقلبات في الايرادات النفطية، إلا أن هذا التأثير اصبح اقل مفعولاً. خدمات الاستثمار: لا تزال خدمات الاستثمار في مرحلة عدم نضج في كل الدول الخليجية تقريباً، نظراً الى ان معظم البنوك يفتقر الى وجود مثل هذه الخدمة او غير راغب في توفير الموارد الواقية لها. ولا بد من الاقرار بأن المصارف التي تمارس هذا النوع من النشاط المصرفي في المنطقة تعمل في واقع الامر إما كسماسرة لتداول الأسهم المحلية او كوسطاء لمنشآت اجنبية تدير صناديق استثمار دولية. وبدأ عدد من المصارف اخيراً التوجه نحو ادارة صناديق الاستثمار المشتركة، ولكن لا تزال هناك امكانات كبيرة لنشاطات استثمارية في مجالات الاستشارات الاستثمارية، وعمليات الاندماج والحيازة، وادارة الاصول، وضمان الاكتتاب بالأوراق المالية والقروض. بيد ان التوسع في مثل هذه النشاطات يعوقه حالياً بطء التطور في اسواق رأس المال بالمنطقة لافتقارها الى الشفافية ولأنها في معظمها لا تزال مغلقة امام المستثمرين الاجانب. وتهيمن المصارف الاجنبية في كل من الكويت ودولة الامارات العربية المتحدةوعمانوالبحرين على اسواق خدمات الاستثمار، وتضم البحرين اكبر عدد من الصناديق الاستثمارية المسجلة في المنطقة. الخدمات المصرفية الاسلامية: تكتسب الخدمات المصرفية الاسلامية تدريجياً مزيداً من الثقة كما انها تكتسب قبولاً متزايداً في الكثير من الدول الخليجية، وكانت نشأة هذه الخدمات منتصف الستينات، وتضاعف حجمها الآن الى ما يربو على 200 مؤسسة على نطاق العالم اجمع. ويقدر حجم رأس المال الاجمالي للخدمات المصرفية الاسلامية بنحو سبعة بلايين دولار. وتقدر القيمة الاجمالية لنشاطاتها بما يتراوح بين 70 و100 بليون دولار، وهي تنمو بمعدل يتراوح بين عشرة في المئة و15 في المئة في السنة. وبنهاية عام 1996، نمت موجودات المصارف الاسلامية على امتداد العالم بنحو 28 في المئة مقارنة بالسنة الاسبق، في حين ان موجودات اكبر عشرة مصارف تجارية على نطاق العالم نمت بنحو 19 في المئة في الفترة نفسها. وكان هذا النمو السريع للمصارف الاسلامية دافعاً للمصارف التقليدية لأن تنشئ وحدات للخدمات المصرفية تحقق لها تواجداً في هذه السوق المثمرة. ومع تزايد الطلب على المنتجات المصرفية الاسلامية، اتجهت المصارف الدولية التقليدية أيضاً الى تقديم منتجات استثمارية وخدمية اسلامية في المنطقة. وعلى رغم ان عدد المؤسسات التي تؤمن الخدمات المالية الاسلامية قد يكون في تزايد، الا ان المستثمرين غير راضين من ضيق نطاق الادوات المالية المتوافرة، ويقلقهم بصفة خاصة عدم وجود تعاملات طويلة الاجل. ويوجد معظم الاصول تحت ادارة المصارف الاسلامية في صيغة المرابحة وهي احدى صيغ التمويل قصير الاجل للعمليات التجارية، على الرغم من عدم وجود ما يحول دون طرح ادوات مالية طويلة الاجل تكون متماشية مع الشريعة الاسلامية. ويقتضي استقطاب المستثمرين الاسلاميين تصميم منتجات مالية اسلامية متنوعة تؤمن عوائد لا تقل عن نظيراتها التقليدية. ومن المجالات التي تزخر بامكانات تطوير كبيرة على صعيد الخدمات المالية الاسلامية صناديق الاستثمار المشتركة. وهي خدمة لم تتوافر حتى عام 1994، وأصبحت تضم الآن اكثر من 40 صندوق استثمار اسلامياً على امتداد العالم. وترعى معظم هذه الصناديق مؤسسات مالية اسلامية تعمل كجهات استشارية في ما يتعلق بالمعاملات الشرعية وكموزعة للاكتتاب في الصناديق، في حين ان ادارة هذه الصناديق تتم من قبل مؤسسات غربية لادارة الاصول. ويسود الاعتقاد بأن المصارف الاسلامية اذا أرادت ان تتفادى تشبع السوق وأن تنافس نظيراتها التقليدية، فيتعين عليها ان تسعى خلال السنوات المقبلة الى عمليات اندماج ما بينها في اطار سعيها الى رفع حصصها من سوق النشاط المصرفي. ومما لا يقبل الشك، ان المصارف الاسلامية تنمو بوتيرة متسارعة ولا سيما في دول الخليج العربي، حيث يمكن ملاحظة ذلك في الداخل الذي تحققه بعض المصارف الاسلامية الكبيرة مثل "شركة الراجحي المصرفية للاستثمار" في المملكة العربية السعودية و"بيت التمويل الكويتي". وتعد "شركة الراجحي" من اكبر ثلاث مجموعات مصرفية اسلامية في العالم والأكثر ربحية على نطاق المملكة. كما أقدم "البنك الأهلي التجاري"، اكبر بنك في العالم العربي، على الدخول في هذا المجال بتخصيص 46 فرعاً للخدمات المصرفية الاسلامية. وعلى النهج نفسه، يقدم بعض المصارف السعودية الاخرى منتجات وخدمات اسلامية مثل صناديق الاستثمار المشتركة وبدائل لقنوات التمويل التقليدية. اما في البحرين، احد اهم مراكز النشاط المصرفي الاسلامي، فأقدم عدد من المصارف على افتتاح وتشغيل وحدات مصرفية اسلامية تركز نشاطها على الاستثمار بدلاً من المعاملات المصرفية التقليدية. وفي هذا السياق، انشأت "المؤسسات العربية المصرفية"، ومركزها البحرين شركة تابعة لها تختص بالخدمات المصرفية الاسلامية، في حين أقدمت "مجموعة دلة البركة" التي تتخذ من السعودية مقراً لها على انشاء شركة اوفشور قابضة تتولى ادارة مؤسساتها المالية المتواجدة بالبحرين والتي يبلغ عددها 14 مؤسسة. * كبير الاقتصاديين - البنك الأهلي التجاري.