تضمن القرار الذي أصدره قادة مجموعة الدول الثماني السبع الصناعية الأغنى وروسيا ظهر أمس في مدينة كولونيا الألمانية بخصوص المسار الفلسطيني من عملية السلام في الشرق الأوسط، ما يثير القلق والارتياح في آن، ولكن بدرجات متفاوتة. لا جدال طبعاً في أن مما يثير الارتياح ان أولئك القادة دعوا الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي الى اتخاذ جملة اجراءات تراعي احترام "حقوق جميع الشعوب في المنطقة" ويكون هدفها تمكين الفلسطينيين من "العيش احراراً في أرضهم"، بحسب نص القرار. لكن ما يثير القلق تشديدهم على ضرورة ان يحاول الطرفان التوصل الى اتفاق على الوضع النهائي في الأراضي الفلسطينية خلال سنة، علماً بأنه سيتعين عليهما في غضون هذه المدة القصيرة تسوية أصعب الأمور في القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، وهي تلك المتصلة بالقدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والمياه. لقد تركت هذه الأمور الجوهرية كلها، للأسف، للمرحلة النهائية من المفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل بموجب اتفاق أوسلو، وكلها أمور تتحدى فيها اسرائيل المجتمع الدولي وقراراته بشأنها منذ 51 عاماً - لا غيّرت ولا بدّلت خلالها من مواقفها منها. إن القرارات الدولية في هذه القضايا الأساسية واضحة لا لبس فيها وقد كتب فيها خبراء في القانون الدولي مقالات وكتباً تثبت انطباقها لمصلحة الشعب الفلسطيني. في موضوع القدس، يستند الاتحاد الأوروبي في موقفه القائل بأنها - بشقيها الغربي والشرقي - محتلة الى قرار تقسيم فلسطين الصادر سنة 1947 وقرارات أخرى تلزم اسرائيل بعدم تغيير أوضاع المدينة المقدسة وطابعها الديموغرافي وحدودها الجغرافية. وفي موضوع اللاجئين هناك القرار نفسه، الرقم 181، الذي قبلت اسرائيل بمقتضاه عضواً في الأممالمتحدة قبولاً مشروطاً عام 1948 بالسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم أو التعويض على من يختارون عدم العودة. أما قضية الحدود فيمكن المجادلة فيها بأن القرار 181 الذي جرى الاعتراف بمقتضاه باسرائيل يمكن استخدامه أساساً للاعتراف بفلسطين، مما يعني أحقيتها بالمطالبة باسترداد تلك الأجزاء من الدولة العربية التي احتلتها القوات اليهودية في حرب 1948 متجاوزة المساحة التي خصصت للدولة اليهودية. وفي وسع المفاوض الفلسطيني، إذا كان قادراً على، أو راغباً في استخدام مستشارين قانونيين قديرين، وهم كثر لكن يجري تجاهلهم، ان يجادل ايضاً بأن القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن عام 1967 ينطبق - بين أمور أخرى - على الأراضي الفلسطينية التي احتلت في حرب ذلك العام، وهي الضفة الغربية بما فيها القدسالشرقية وقطاع غزة، وبأن هذه الأراضي يجب أن تعاد الى الفلسطينيين من دون إخلال بوضعها، الأمر الذي يعني عدم القبول بالمستوطنات اليهودية التي أقيمت عليها. اما المياه فتحكمها القوانين الدولية واتفاقية جنيف الرابعة التي تنطبق على جوانب أخرى كثيرة في الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي في شكل ايجابي بالنسبة الى الفلسطينيين. أما مصادر القلق من الدعوة الى تسوية كل هذه القضايا الجوهرية في غضون سنة فهي: اعلان واشنطن وتل أبيب ان القرار 181 لن يؤخذ به في التسوية النهائية، واعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي المنتخب ان القدس ستبقى تحت سيادة اسرائيلية، وان الكتل الاستيطانية الضخمة التي تقطع أوصال الضفة الغربيةوغزة ستضم الى اسرائيل، وأخيراً وليس آخراً ما يبدو من عدم اكتراث السلطة الفلسطينية بالناحية القانونية في القضية الفلسطينية والاعتماد على مفاوضين قد يرضون، نيابة عن شعبهم، بأقل مما يكرسه له القانون الدولي والقرارات الشرعية من حقوق تعد غير قابلة للتصرف.