يبدأ مجلس الشعب البرلمان المصري مساء اليوم عملية الاقتراع الرسمي على اختيار المرشح لمنصب رئيس البلاد، وسط دلائل على صدور موافقة جماعية على التجديد للرئيس حسني مبارك لولاية جديدة تستغرق ستة اعوام، ويجري استفتاء شعبي عليها في تشرين الاول اكتوبر المقبل. وعكست مواقف الاحزاب من عملية الاقتراع متغيرات مهمة شهدتها الساحة السياسية المصرية في السنوات الاخيرة، وأدت الى مراجعة المعارضة لمواقفها واتجاهها ناحية الموافقة على ترشيح مبارك، لتنهي مرحلة عارضت فيها ذلك الاتجاه. ومنذ توليه الحكم بعد الاستفتاء الشعبي الذي جرى في تشرين الاول اكتوبر العام 1981 عقب اغتيال الرئيس أنور السادات على أيدي اصوليين، لم يحظ مبارك بموافقة اجماعية سياسية وشعبية كما هو حاصل حالياً. وإذا كان الحزب الناصري انفرد بموقف الاعتراض على تجديد ترشيح مبارك لولاية جديدة على خلفية "عدم حدوث متغيرات في السياسات الداخلية"، فإن حليفه حزب التجمع "اليساري" راجع موقفه بعد 18 عاماً من الرفض المتواصل، وقرر الامتناع عن التصويت بسبب "الاعتراض على نظام الاستفتاء، وفسر مصدر حزبي ذلك بأن "متغيرات عدة لا يمكن تجاهلها شهدتها البلاد أخيراً يجب وضعها في الحسبان"، فيما اعلنت باقي فصائل المعارضة تأييدها تجديد ترشيح الرئيس. ونجحت سياسات مبارك في الاعوام الاخيرة، في تهدئة التوتر، وتقليص مساحات المعارضة لها، ويرجع ذلك في المقام الاول الى حال الهدوء والاستقرار في الداخل، والسياسات العربية التي تتبناها الدولة المصرية، ويمكن القول إن مبارك استطاع طوال الفترة الماضية تحقيق حال تهدئة عامة داخل المجتمع، إذ توارت مفاهيم "الصراع" او القضايا المتفجرة داخل البلاد، وحلت مكانها فكرة "الخلاف" او "الاختلاف" على قضايا سياسية باسلوب ديموقراطي، كما هو الحاصل في معارضة سياسات الخصخصة، او المطالبات باصلاح سياسي شامل. وأدت المواجهات مع جماعات "الارهاب" وتيارات الاسلام السياسي، وتقليص نفوذها، الى توسيع دور الاحزاب السياسية الشرعية، وزيادة مشاركتها في عمليات صنع القرار على مستويات مختلفة، تجاوزت المؤسسات السياسية الى الفاعليات الثقافية والاجتماعية. وعلى المستوى الاقتصادي جاء الأداء الحكومي في السنوات الاخيرة ليدعم التجديد لترشيح مبارك، إذ توسعت الادارات الحكومية في مواجهة الفساد وباتت تعلنها رسمياً وطورت هيئات الخدمات نشاطاتها، وتبنت الدولة فكرة المشاريع القومية التنموية الاستراتيجية، وتحديث بنية المجتمع الاساسية، التي ادت الى تهدئة حال التوتر الاجتماعي بقدر كبير، وتهيئة مناخ افضل لجذب الاستثمارات الاجنبية، وتشجيع المستثمر الوطني على زيادة نشاطه. وتعد التحديات الخارجية، خصوصاً الاقليمية واحدة من عوامل الالتفاف الشعبي المصري، إذ تمثل القضية الفلسطينية ومواجهة السياسات الاسرائيلية المعادية للسلام نقطة التقاء بين الشعب والدولة، حيث تبنى مبارك سياسات وشعارات عربية واضحة في هذا الشأن، واتصلت من جانب ثانٍ بفكرة التضامن العربي والتأكيد عليها بممارسات سياسية اكتسبت صدقية عميقة لدى الرأي العام المصري. ولعبت شخصية الرئيس مبارك دوراً محورياً مهما في استقطاب تأييد المعارضة لاعادة ترشيحه، اذ لعب طوال فترة حكمه دور الحكم بين المؤسسات المختلفة، رافضاً الإنحياز الى جهة على حساب الاخرى، وهو ما تجلى بوضوح في ازمة قانون الصحافة العام 1995، او الخلافات التي نشبت نهاية العام الماضي بين نواب البرلمان والصحافة والحكومة، كما ارسى مفهوم الالتزام بأحكام القضاء حتى ولو تعارضت مع التوجهات الحكومية، والتي بدت بوضوح في احكام اصدرتها المحكمة الدستورية العليا في نواح شتى سياسية واقتصادية واجتماعية.