وصلت عروس السواحل التونسية الحمامات الى سن متقدمة بعدما شارفت على الأربعين. ومثل أي حسناء مزهوة بجمالها السابق تنظر الحمامات اليوم بإعجاب وحنوّ الى ابنتها "ياسمين" ذات الجمال البارع التي ستكون اكثر فتنة وجاذبية من والدتها. "ياسمين الحمامات" هي آخر مولود للسياحة التونسية، وتتميز بكونها مدينة مندمجة ترث أمجاد الحمامات القديمة التي استقطبت المشاريع السياحية الأولى في تونس مطلع الستينات، عندما غامرت حفنة من المستثمرين في مقدمهم الطاهر الفراتي وعبدالحميد الخشين والشاذلي الفراتي بانشاء الفنادق السياحية الأولى في تونس ثم فوجئوا بأن المغامرة نجحت. تطور عدد السياح الذين اكتشفوا ميزات البحر الدافئ والمناخ المعتدل وتفجر الضوء المنعكس في ألوان المدينة البيضاء والزرقاء من بضعة آلاف في الستينات الى عشرات الآلاف ثم مئات الآلاف من الأوروبيين الذين باتوا حريصين على تمضية اجازاتهم الصيفية على رمال الحمامات الذهبية. وكثيرون منهم عاد الى الحمامات مرات عدة، وغالباً ما تشهد فنادق المدينة حفلات لمن حطموا أرقاماً قياسية في العودة اليها. "هذا تاريخ مضى، وعلينا ان ننظر الى المستقبل ونقدم الى الاجيال الشابة من السياح منتوجاً حديثاً يستجيب للحاجات الجديدة ولأذواق متغيرة تختلف عن ذوق الأوروبي في الستينات والسبعينات". وهكذا يعلق زكرياء الزقلي صاحب فندق "دار زكرياء" 4 نجوم في المنطقة السياحية الجديدة "الحمامات الجنوبية". وعندما يتجول المرء في شوارع "الحمامات الجنوبية" يجد نفسه في فسحة تمتد على عدة كيلومترات بين ساحل البحر و"الأوتوستراد" الذي يربط بين العاصمة تونس ومدينة سوسة. عروس القرن المقبل وتحتل "ياسمين" قلب المدينة الجديدة، وهي تتطلع الى منافسة كان ونيس وسان تروبي وماربيا. ويقول عنها التونسيون انها ستكون عروس مدنهم السياحية في القرن ال21. وعلى ساحل تغمره الرمال الذهبية على مدى 1200 متر يجري حالياً انشاء 40 فندقاً يفتح جميعها على البحر ومطاعم ومقاه ومحلات تجارية ومسارح وقاعات فنون ومراكز للتسلية تقودك في نهايتها الى ميناء ترفيهي حديث سيستقبل اليخوت والمراكب الخاصة من جميع انحاء العالم. وقال المهندس عبدالرؤوف الشماري المدير العام لمشروع "ياسمين الحمامات" ان كلفته زادت على 107 ملايين دينار نحو 100 مليون دولار وهو عبارة عن تحفة من العمارة تجمع بين الإرث الاندلسي والمحلي الشرقي من جهة والنمط الحديث الأوروبي من جهة اخرى. وهناك قسم جاهز من الفنادق والمجمعات السياحية في منطقة الحمامات الجنوبية التي تشكل "ياسمين" جزءاً منها، وهي باشرت استقبال السياح منذ الصيف الماضي بعد افتتاح فنادق فخمة مثل فندق "باهية بيتش" و"دار زكرياء" و"أبو نواس تروبيكانا". إلا ان قسماً آخر لا يزال في مرحلة الانجاز وخصوصاً منطقة "المارينا" التي تقع في محيط الميناء الترفيهي الجديد وتتألف من فلل وفنادق ونواد ومحلات تجارية ومطاعم ومنشآت للاطفال. ويتوقع ان تكون مدينة "ياسمين الحمامات" التي انطلق انجازها قبل ثمانية أعوام جاهزة في غضون سنة 2002. ويوحي اسم المدينة بأجواء المتوسط الفاتح ذراعيه لكل زائر والبارع في اغواء الباحثين عن مهرب من الحياة الصاخبة، فهو مقتبس من أريج الياسمين الذي يشيع الفرح في ليالي الصيف التونسية المعجونة بالحكايات والضحك والعود والموشحات. وستستقطب "ياسمين" فئات مختلفة من السياح انطلاقاً من أهمية موقعها. فهي لا تبعد عن سواحل صقلية ايطاليا سوى 60 ميلاً فيما تحيط بها الموانئ الترفيهية من خاصرتيها الجنوبية سوسة والشمالية سيدي بو سعيد وتمتد الى غربها جبال وربى خضراء في منطقة زغوان التي استوطنها الفينيقيون والرومان لشدة افتتنانهم بغاباتها وينابيعها الصافية المتفجرة في المرتفعات. يصل السائح الى "ياسمين الحمامات" آتياً من مطار تونس بواسطة طريق سريعة لا تستغرق اكثر من 45 دقيقة فيجد نفسه قد حل في عالم الضوء والاحلام. هناك يتمشى في الجادة الفسيحة الممتدة على طول الساحل والتي تتيح للعين ان تتكحل بجمال البحر وبمنظر المراكب الشراعية التي تمازح الشقراوات فتلقي بهن في اليمن ثم ترخي لهن متنها ليقفن عليه وقفة الانتصار والزهو ويسابقن الريح. ويعشق السياح الأوروبيون ركوب المناطيد التي تجرها زوارق سريعة فتعلو في الجو وتتيح إلقاء نظرة بانورامية على مدينة الحاممات بقلعتها التاريخية وبساتينها وساحلها المترامي المزدحم بالمصطافين. وتجتذب المدينة التاريخية التي تتوسطها القلعة الاسبانية - التركية أعداداً كبيرة من السياح الذين يجولون في أسواقها لشراء مشغولاتها التقليدية ويجلسون في مقاهيها التراثية لاحتساء القهوة التركية وتدخين النارجيلة. ويعتقد الشماري ان "ياسمين" ستستقطب فئات عليا من السياح نظراً الى فخامة عمارتها ومستوى خدماتها وتنوع منشآتها. وهي تشمل 25 ألف سرير موزعة على فنادق وشقق مفروشة وفلل مستقلة 8000 سرير وأربعة مراكز ترفيه متطورة، اضافة الى أسواق تقليدية أنشئت على طراز أسواق تونس والقيروان وسوسة والمدن التاريخية الأخرى. وستمنح "ياسمين" السياح فرصة لا تتاح في سواها من المناطق السياحية وهي ان يسكنوا في قلب المدينة التاريخية المستعادة وبين اسواقها ومقاهيها ومحلاتها. فهي تشتمل على أكثر من عشرين ألف متر مربع من الاسواق المسقوفة و800 سرير لمن يعشقون السفر الى مناخات المدن العربية التراثية والإقامة في حضنها الساحر. الى ذلك، تضم منطقة الميناء الترفيهي ألفي سرير وستكون قادرة على استيعاب 740 يختاً وسفينة سياحية يراوح طولها بين ثمانية أمتار و70 متراً ويشمل محيطها عدداً كبيراً من المنشآت الثقافية والمقاهي والمطاعم والكازينوات والمحلات التجارية المختلفة، اضافة الى ثلاثين ألف متر مربع من الحدائق الخضراء. ويخطط التونسيون لجعل "ياسمين الحمامات" نموذجاً للمدن السياحية الجديدة في القرن الحادي والعشرين ليس فقط في تونس وانما في كامل المنطقة المتوسطية. الحمامات مدينتان في واحدة: الأولى الأم تاريخية حالمة حازت قصب الريادة في تدشين خبرة التونسيين بالسياحة البحرية، والثانية البنت تتفجر جمالاً وفخامة وتفتح ذراعيها للزائرين الباحثين عن صفحة ماء متلالئة تحت الشمس الذهبية والنسائم الحانية المتسللة من الغابات والجبال المجاورة.