عندما وصل المركب الشراعي "سيلاست" الى ميناء بنزرت الترفيهي شمال تونس شعر راكبوه بمزيج من الفرح والانشراح بعد رحلة بحرية استمرت عشرة ايام من الضفة الشمالية الى الضفة الجنوبية للمتوسط. و"سيلاست" هو واحد من 65 مركباً شراعياً شارك اصحابها في رحلة "طريق الياسمين" التي تنطلق خلال شهر آب اغسطس من ميناء تولون الفرنسي الى ميناء "كاليتا" في جزيرة سردينيا ثم الى ميناء "تراباني" جنوب صقلية وصولاً الى المحطة الاخيرة في ميناء بنزرت التونسي. عشر سنوات ومنذ انطلاق الدورة الاولى عام 1989 باتت هذه الرحلات البحرية تجذب اعداداً متزايدة من المشاركين كل سنة. وقال روبير قائد المركب "سيلاست" ان المشاركين في دورة السنة الجارية اتوا من المانيا وفرنسا وايطاليا وقدر عددهم بنحو 350 سائحاً جاؤوا يتسابقون للفوز بالجائزة الاولى في الرحلة والتي تمنح لصاحب اول مركب يصل الى بنزرت. وحين سألت "الحياة" روبير عن المخاطر التي قد تتعرض لها المراكب الشراعية في البحر أفاد ان قطعة من البحرية الفرنسية رافقت اسطول المراكب منذ اطلقت اشرعتها للريح في ميناء تولون. على رصيف الميناء الترفيهي في بنزرت تجمع حشد من الجمهور التونسي والسياح والمسؤولين لاستقبال المراكب التي يستمر وصولها ساعات وتقديم باقات الياسمين والحلوى والمشروبات لهم. ويجد السياح برنامجاً حافلاً بانتظارهم اذ تقام عروض ثقافية في القلعة الاسبانية في مدينة بنزرت ومسابقات بحرية على ساحل سيدي سالم شمال المدينة، بالاضافة الى مسابقة "ملكة جمال الياسمين" التي تفوز بها احدى المشاركات في الرحلة. ويشارك في تنظيم الرحلة السنوية الديوان التونسي للسياحة و"جمعية طريق الياسمين" في تولون ونادي الرياضات البحرية في بنزرت ومهرجان بنزرت الدولي. وقال مسؤول في المهرجان ان الرحلة تشكل احد الروافد التي تنشط الحركة السياحية في المنطقة وتساهم في التعريف بمزايا منطقة بنزرت السياحية لأن المشاركين هم افضل سفراء لنا في بلدانهم بعد عودتهم. ويتضمن البرنامج السياحي جولة على المعالم التاريخية لمدينة بنزرت التي تعاقبت عليها موجات حضارية منذ ايام الفينيقيين اهمها المهاجرون الاندلسيون الذين استوطنوها وانشأوا فيها حيا ما زال يحمل اسمهم والاسبان فالاتراك واخيراً الفرنسيون الذين احتلوها في القرن الماضي ولم يغادروها الا في سنة 1961. وتتميز بنزرت بجمال سواحلها البكر ذات الرمال البيضاء المترامية ومياهها الفضية الناصعة التي تجذب اعداداً كبيرة من السياح على مدار السنة ممن يأتون اليها بحثاً عن دفء الشمس واعتدال المناخ. وقال المسؤول عن السياحة البحرية في الديوان التونسي للسياحة نجيب الزرزري لپ"الحياة" ان المشاركين في رحلة "طريق الياسمين" يمضون اربعة ايام في تونس ليزوروا الحمامات ونابل وسوسة ومدناً سياحية اخرى. واشار الى ان هذا الصنف من السياحة مرشح للتطور في المستقبل في ضوء انشاء مزيد من الموانئ الترفيهية على طول سواحل تونس التي تبلغ 1300 كيلومتر. وهناك حالياً خمسة موانئ من هذا النوع هي طبرقة وبنزرت وسيدي بوسعيد الضاحية الشمالية للعاصمة تونس وسوسة والمنستير وتقدر طاقة استيعابها بپ1400 يخت وسفينة خاصة ومركب شراعي بالاضافة الى عدد كبير من موانئ الصيد والموانئ التجارية. وأفاد الزرزري ان ميناءين جديدين يجري انشاؤهما حالياً في كل من الحمامات وجربة، وتقدر طاقة الميناء الترفيهي في الحمامات الذي بدأ العمل في بنائه مطلع السنة الجارية بپ700 مركب وسيكون اكبر ميناء ترفيهي في تونس، فيما تقدر طاقة ميناء جربة بپ200 مركب مما سيرفع الطاقة الاجمالية للموانئ السياحية التونسية الى 2300 مركب. ويندرج تطوير السياحة البحرية في اطار مساعي تونس لكسر دائرة السياحة التقليدية التي انطلقت في الستينات وايجاد انواع جديدة من وسائل الترفيه التي تجذب اصنافاً جديدة من السياح في مقدمها سياحة المؤتمرات والسياحة الثقافية التي تستثمر الرصيد التراثي الخصب للبلد ومعالمه التاريخية ومدنه ومواقعه الأثرية وكذلك السياحة الجبلية والصحراوية والبيئية