المد الزهري الذي يلف 11 من حكومات دول الاتحاد الاوروبي ال 15 توقف عند أبواب البرلمان الاوروبي، وفقاً لما أظهرته نتائج الانتخابات التي جددت أعضاء هذا البرلمان اول من امس. وجاءت هذه النتائج مغايرة للتوقعات التي رجحت إحكام القوى الاشتراكية واليسارية الأوروبية عموماً سيطرتها على البرلمان الاوروبي، بما يشكل امتداداً لسيطرتها على الحكومات المحلية. فتراجع عدد المقاعد التي يحتلها نواب يساريون في هذا البرلمان من 214 مقعداً الى 180 مقعداً، في حين ارتفع عدد المقاعد التي فاز بها مرشحو الوسط واليمين من 201 مقعد الى 226 مقعداً. وبدلاً من السيطرة الكاسحة، فقد اليسار للمرة الأولى سيطرته على الغالبية لمصلحة الوسط واليمين الذي بات يشكل الكتلة الأكبر في البرلمان الاوروبي المكون من 626 مقعداً. فباستثناء فرنسا، حيث حل حزب رئيس الحكومة ليونيل جوسبان الاشتراكي، في مقدم الفائزين في الانتخابات الاوروبية بحصوله على نسبة 2.22 في المئة من الأصوات، فان النتائج شكلت ضربة مباشرة لغالبية اليساريين الحاكمين في الدول الاوروبية الأخرى. ويعد أبرز الخاسرين في هذا الإطار رئيس الحكومة البريطاني طوني بلير حيث اقتصرت نسبة الأصوات التي حصل عليها حزب العمال الذي يتزعمه على 29 في المئة مقابل 37 في المئة حصل عليها حزب المحافظين المعارض. ولم يحل مستوى التأييد الشعبي المرتفع الذي يحظى به بلير لدى الرأي العام البريطاني دون تراجع حزبه أمام الحملة الانتخابية للمحافظين التي تركزت على التلويح بالمخاطر التي تنطوي عليها العملة الاوروبية الموحدة. ومن بين الخاسرين أيضاً المستشار الألماني غيرهارد شرودر الذي حل حزبه الديموقراطي الاجتماعي في المرتبة الثانية بعد المعارضة الديموقراطية المسيحية، بحصوله على 31 في المئة من الأصوات مقابل 48 في المئة للمعارضة. وفسر شرودر تراجع حزبه هذا بأنه تحذير يوجهه اليه الناخبون من أجل تحسين ادائه الاقتصادي والاجتماعي. ومن المحتمل ان يكون الاعلان المشترك الذي أصدره شرودر وبلير قبيل الانتخابات حول ضرورة اعتماد المزيد من التحرر الاقتصادي، ساهم بدوره في التراجع الذي سجله حزباهما. وفي ايطاليا، لم ينج رئيس الحكومة ماسيمو داليما من التراجع، فحاز حزبه الديموقراطي اليساري على حوالى 19 في المئة من الأصوات مقابل 25 في المئة حصل عليها حزب "فورزا ايطاليا" المعارض الذي يتزعمه رئيس الحكومة السابق سيلفيو بيرلوسكوني. وفي اسبانيا فاز الحزب الشعبي الحاكم، الذي يتزعمه رئيس الوزراء خوسيه ماريا ازنار بنحو 40 في المئة من الأصوات، في مقابل 4.35 في المئة للحزب الاشتراكي الاسباني. كذلك تقدم حزب الديموقراطية الجديدة المحافظ في اليونان ب 3.37 في المئة من الأصوات، في حين حصل الحزب الاشتراكي الحاكم باسوك على 5.32 في المئة. وفي بلجيكا حيث جرت انتخابات مزدوجة، اشتراعية واوروبية في آن، حقق الحزب الشعبي الاوروبي الديموقراطيون المسيحيون انتصاراً تاريخياً بفارق يزيد عن الثلاثين مقعداً عن الاشتراكيين. واضطرت النتائج رئيس الوزراء جان لوك دوهاين الى الاستقالة، إذ ان الناخبين عاقبوه في الاشتراعية وابقوا على تفوق حزبه في الاوروبية. الأكيد ان ارتفاع نسبة الممتنعين عن التصويت في غالبية الدول الاوروبية، التي بلغت في بعض الأحيان أرقاماً قياسية، أثر بشكل مباشر في ما أسفرت عنه الانتخابات من نتائج لكنه أظهر في الوقت ذاته الازدواجية التي حكمت هذه الانتخابات. فالممتنعون عبروا عن موقف يراوح بين الريبة واللامبالاة حيال المؤسسات الاوروبية، في حين غلبت على خيارات المقترعين في معظم الأحيان المعطيات المحلية على المعطيات الأوروبية.