إنها المرة الأولى تعرض فيها المخطوطات والوثائق. هكذا راحت تقول احدى سيدات لجنة متحف نقولا سرسق الأشرفية الذي تقيم فيه مؤسسة المحفوظات الوطنية معرضاً للوثائق التاريخية التي بحوزتها وتحوي كتباً ومخطوطات وصوراً وخرائط تعود الى قرون سابقة. وقالت السيدة ايضاً، "إنها ما تبقى من مكتبتنا الوطنية بعد ان سرقت واستقرت في مستودع رطب في سن الفيل". واختارت السيدات المشرفات على المعرض ان يدخل الزائر اليه كما يدخل الى بيروت، فافترضن ان الرواق الذي يؤدي اليه الباب الخارجي هو مرفأ بيروت، ووضعن في هذا الرواق مجسماً لبيروت في مطلع القرن كما يمكن ان يشاهدها زائرها من المرفأ. وخلف المجسم قاعة فيها وثائق تتعلق بالمرفأ احضرها المنظمون من ادارته ومن مكتبة المحفوظات الوطنية. وفي صدر الغرفة علّق فرمان تأسيس المرفأ الصادر عن الدولة العثمانية، وقبالته لوحة زيتية لفنان غربي يدعى "ألبير" لبيروت رسمت في العام 1868. ومخطوطات اخرى، ووثائق سفر قديمة من بينها، وثيقة سفر الرئيس صائب سلام الصادرة عام 1924. والقاعة المجاورة لقاعة المرفأ ارتأت المنظمات ان تكون مخصصة للأزياء في لبنان، فوضعن تماثيل ألبسنها ثياباً تقليدية لبنانية تعود الى الحقبة العثمانية. وهذه الملابس تخص أميرات لبنانيات من مشارب وحقبات مختلفة، وتملكها اليوم سيدة لبنانية تدعى سامية صعب، قدمت شروحاً عن الزي اللبناني فقالت انه في مطلع القرن التاسع عشر سادت في لبنان التقاليد والأزياء العثمانية، واختلف الزي بين الطبقات "الراقية" التي تأثرت بأسلوب وحياة الطبقة الحاكمة العثمانية، والطبقات الشعبية التي حافظت على زي بسيط متشابه مع بعض الاختلافات تبعاً للمناطق. فالزي النسائي كان عبارة عن قميص طويل من الحرير الشفاف يصل حتى القدمين، مع سروال من الحرير الرقيق او القطن ويثبت بسوار من الذهب عند القدم. وللاهتمام بالحقبة العثمانية صلة ما ربما بوقوع المعرض في متحف سرسق، وفي شارع هذه العائلة، كما ان للمشرفات عليه والمهتمات بإنجاحه صلة بهذه العائلة وبسيداتها اللواتي يُعتبرن اليوم على ندرتهن من اهم الناشطات في مجال اعادة الاعتبار للمعاني المعمارية والتراثية لتلك الحقبة. ولآل سرسق، آراء في الحقبة العثمانية ولا سيما السيدة إيفان سرسق كوكرن التي تعتبر ان هذه الحقبة شهدت ازدهاراً للعائلات، واهتماماً بمراتبها، وصفاء في ثقافاتها وأنماط عيشها، وفيها تشكل ما يشبه ارستقراطية لبنانية تمتعت بامتيازات تجارية وثقافية وأنشأت علاقات مع الطبقة الحاكمة العثمانية، الى ان جاء الانتداب الفرنسي الذي ضرب نظام العائلات وأسس برجوازية مدينية تجارية، مطيحاً بنظام الطبقات وناشراً ثقافات مختلفة. في الطابق الأول من المتحف عرض ما تبقى في خزائن مؤسسة المحفوظات الوطنية. فمكتبة هذه المؤسسة تعرضت للنهب وللتخريب اثناء الحرب اللبنانية، وهي كانت تضم نحو 200 ألف مطبوعة قديمة تلف أكثر من نصفها، عرض أهم ما تبقى منها وهو مصحف طبع في العام 1480 ميلادياً في القاهرة في الفترة الانتقالية بين عهدي المماليك والعثمانيين، وأنجيل كتب بست لغات منها العربية وخُطّ في فرنسا في العام 1645، ومخطوطة الفقه الشيعي بخط يد كاتبها محمد بن هداية الله الكاشاني وهي خُطّت في أيام الدولة الصفوية في بلاد فارس. ويقول الإختصاصي في ترميم المخطوطات نبيل السعيدي وهو من استقدمته وزارة الثقافة لترميم المخطوطات ان أهم ما في المعرض، هو المخطوطات العلمية، وأهمها تلك المتعلقة بجراحة العين التي كتبها أبو زكريا بن أبي يحيا الرجا الطبيب تحت عنوان "كتاب نور العيون وجامع الفنون" سنة 1711 ميلادياً التي يتوسط صفحتها الأولى رسم ملون للعين مع شروحات لعناصر تكوينها. واختار منظمو المعرض ان تتوسط القاعة مطبعة عبدالله زخيا المصنوعة في القرن الثامن عشر والى جانبها صورته، وآلة تصوير فوتوغرافي قديمة. وفي محاجر زجاجية وضعت مجسمات قديمة للكرة الارضية تخص علماء فلك شرقيين في القرن الجاري. وخصص جناح للصحف والصور، فعرضت نسخ من صحف "بيروت المساء" و"العرفان" و"الدستور" و"الاصلاح" و"البرق" وتعود جميعها الى بدايات القرن الحالي، كما علقت رسوم لشخصيات عصر النهضة ثم صور لشخصيات الاستقلال اللبناني، الذي اختار المنظمون التوقف عند لحظته في عرضهم للوثائق. وتقول عفيفة ارسانيوس وهي من اللجنة المنظمة، "بعد الاستقلال اصبح التاريخ امراً مختلفاً عليه، لذلك فإن معظم هذه الوثائق والحاجات والملابس والآلات تعود الى ما قبل الاستقلال". ويقول السعيدي انه رمم 1588 مخطوطة وأن نحواً من 500 اخرى اتلفت وخربت بسبب تحطم مبنى المكتبة الوطنية في الحرب التي كانت تقع خلف البرلمان اللبناني في ساحة النجمة، اما الكتب وعددها نحو 15 ألف كتاب فتلف اكثر من ثلثها وتم ترميم البقية. علماً ان معظم هذه المخطوطات والكتب المهمة وضعت في مخزن تابع لمؤسسة المحفوظات الوطنية في منطقة سن الفيل وهي بحاجة لكي تحفظ الى قاعة خاصة لإيوائها وحمايتها من الرطوبة.