فيلمان عربيان يعرضان، الآن، في الصالات السينمائية التجارية في باريس. اولهما فيلم يوسف شاهين الجديد "الآخر" الذي كثر الحديث عنه ويلقى اقبالاً لا بأس به في الصالات القليلة التي تعرضه، والثاني الفيلم المغربي "بيضاوة" من اخراج عبدالقادر الأقطع، ويكاد يمر مرور الكرام، على الرغم من ترحيب الصحافة الفرنسية وأشادتها به. فيلم "بيضاوة" كان الأقطع حققه في العام الفائت، وعرضه في مدن المغرب بنجاح. وهو فيه يعود الى موضوعه الأثير: مدينة الدار البيضاء. المدينة نفسها التي حمل فيلمه الأول "حب في الدار البيضاء" اسمها. ولكن لئن كانت هذه المدينة شكلت اطار الفيلم الأول ومكانه، فانها في الفيلم الجديد هي الموضوع. فالمخرج يقدم لنا مدينته، هذه المرة، من خلال ثلاث حكايات متداخلة: حكاية بائع الكتب الذي يتلقى استدعاء من الشرطة لا يعرف سببه فيعيشه في توتر ورعب، وحكاية الطالبة الجامعية التي تثير اهل الحي، فيما تحاول هي ان تعيش حياة طبيعية وتهتم بدراسة حالة فتاة هوى تعيش في الحي نفسه. واخيراً حكاية تلميذ فتي يقنعه المتشددون في المدرسة بأن والديه كافران وعليه قتلهما. عبر هذه الحكايات الثلاث يرسم الاقطع إطاراً لحياة مدينية عند نهاية التسعينات. وفيلمه حافل بالتوتر الذي يجعل مشاهده واقف على الحافة دائماً ويعطي الفيلم واقعية وحداثة مفاجئتين. وهو امر لم يفت النقد الفرنسي ان يلاحظه وان كان هذا النقد ركز على الجانب "الاكزوتيكي" حيث لاحظ مثلاً ان الفيلم "يفرد مكاناً واسعاً لأجواء المدينة المغربية وألوانها"، وهو أمر يبدو غريباً عن منطق الفيلم. مهما يكن في الأمر فإن هذا النقد نفسه أشار الى ان عبدالقادر الأقطع حقق هنا اخراجاً وصورة متميزين "ما يشكل افضل برهان حب" يقدمه هذا المخرج الى مدينته التي نراها هنا، في هذا الفيلم الذي يحمل اسم سكانها، في صورة لم تشاهد بها من قبل على شاشة السينما. - لقطة من "بيضاوة" لعبدالقادر الأقطع.