عبدالقادر لقطع من المخرجين المغاربة القلائل الذين درسوا السينما، تخرج من أحد المعاهد في بولونيا، ويشارك باستمرار في إغناء السينما بكتاباته في الصحافة المغربية، خصوصاً الناطقة منها بالفرنسية. شارك في الاخراج الجماعي لفيلم "رماد الزريبة" 1967 مع محمد الركاب وآخرين، ولم يستطع اخراج فيلمه الروائي الطويل "حب في الدار البيضاء" إلا عام 1991، فأنتجه وكتب السيناريو له. وفاز هذا الفيلم بجائزتين في المهرجان السينمائي الوطني الثالث: جائزة أحسن ممثلة لمنى فتو، وجائزة المونتاج. و"انتظر" لقطع حتى عام 1998 ليكمل انجاز فيلميه الطويلين الاخيرين "الباب المسدود" و"بيضاوة" الذي فاز بجائزة فيديرالية الأندية السينمائية الدولية في دورة قرطاج الأخيرة. وأهم ميزة لأفلام لقطع أنها تثير جدلاً بين رافض ومتحمس. منذ فيلمك "حب في الدار البيضاء" لاحظنا اشتغالك على تيمة الجسد، هذا الاختيار أهو مجرد ذريعة لجذب الجمهور، وتمرير خطابك الفني من دون خوف، لأن الجنس أسهل طريقة لجلب المتفرج؟ - عندما قررت اخراج فيلمي الروائي الطويل الأول، طرحت على نفسي تساؤلات عن ذاكرتي السينمائية والمنتوج الفيلمي للحقبة التي كنت سأستشغل فيها. وفي إطار تقويمي للأعمال السينمائية المغربية لاحظت غياب موضوع الجسد، أو الجانب "الايروتيكي" بصفة عامة، وكأن شخصيات الأفلام ليست لديها رغبة جنسية. كما تبين لي أن هذه الشخصيات من دون ماض ولا حاضر سياسي، وبالتالي ليس لها رأي يؤثر سلباً أو ايجاباً في محيطها. انطلاقاً من هذه المعطيات ومحاولاً تجاوزها كتبت سيناريو عبرت فيه عن رؤيتي الفنية، عن العلاقة التي تربطني بمحيطي. وهنا كان من الضروري إلى أقدم نظرة أخرى مغايرة للمجتمع المغربي تروم الكشف أكثر مما تحاول اتباع سياسة النعامة. وهكذا جاء "حب في الدار البيضاء" أول فيلم يتطرق لبعض الأمور المغيبة في السينما المغربية، وذلك بمساءلة ومحاولة "تفجير" لتيمات مسكوت عنها، الشيء الذي يمكن أن يؤوّل كإرادة مبيتة لكسب الجمهور، وحتى إن كان هذا صحيحاً فلا اعتبره سلبياً، لكن ما اريد ان أؤكد عليه أنه لم يكن هدفي الأساسي، بل كنت مسكوناً بهاجس التعبير بطريقة فنية صريحة عن محيطي. فاز "حب في الدار البيضاء" في المهرجان السينمائي الوطني الثالث بجائزتين، وكان الفيلم باجماع المهتمين، الانطلاقة الحقيقية لتصالح الجمهور مع الأفلام المغربية. انطلاقاً من هذين المعطيين ألا تتفق معي أنك تصنع أفلامك وفي ذهنك جمهور معين، أم أنك تأخذ العصا من الوسط، بإرضاء المتفرج العادي والحفاظ على حد أدنى من القيمة الفنية؟ - إذا كان لدى المخرج رغبة في التواصل، فمن الضروري أن يعطي المشاهد اشارات. وهذا لا يعني طبعاً أن أتنازل عن الناحية الفنية لكي أغازل الجمهور، بل ما أريده هو خلق حوار معه، وان يكون المشاهد قارئاً ومعيداً لتركيبة الفيلم بطريقته الخاصة. وأطمح إلى التعامل مع جميع شرائح الجمهور، خصوصاً تلك التي تملك بعضاً من الثقافة السينمائية تمكنها من قراءة الفيلم وفهمه. أما الحديث عن الجانب الفني في أفلامي فيتطلب الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المعطيات، أهمها ظروف الانتاج، التي كانت بالنسبة إلى "حب في الدار البيضاء" قاسية جداً، الأمر الذي لم يتح لي تحقيق كل ما كنت اطمح إليه. ولهذا اجتهدت بعد هذا الفيلم لأوفر امكانات مادية معقولة تمكنني من صنع أفلام أحسن وأكثر جودة. لاحظت في فيلميك الأخيرين "بيضاوة" و"الطريق المسدود" ميلاً إلى الكوميديا، خصوصاً الفيلم الأول، بخلاف "حب في الدار البيضاء". أهذا التحول راجع إلى النجاح التجاري لأفلام مغربية حديثة نسبياً انتهجت المسار نفسه؟ - أظن ان المخرج المغربي الوحيد الذي اختار هذا النوع هو محمد عبدالرحمن التازي في فيلميه "البحث عن زوج امرأتي" و"للاحبي". لكني لا أحاول تكرار أو تقليد تجارب الآخرين. فأنا انطلق من التيمة الرئيسية للفيلم ثم أبحث لها عن الشكل الفني الذي يناسبها، فمثلاً في "الباب المسدود" كان الموضوع الرئيسي هو علاقة الشخصيات بالفضاء. هذا الأخير اخترته مغايراً لما سبق للمشاهد المغربي أن اعتاد عليه، فهو يمتلك تقاليد وعادات مختلفة عن أماكن أخرى في المغرب. وتعمدت أيضاً اختيار هذا المكان بالذات ورزازات لأنه استعمل بكثرة من مخرجين أجانب، ولهذا أحسست كمغربي برغبة تشدني إلى التماهي معه، إذ استهلكته العين الغربية ، في حين لم نجرؤ أبداً على الاقتراب منه. أما عن الكوميديا فلم استعملها في "الباب المسدود" إلا لماماً، فلم الجأ إليها إلا عندما وجدت نفسي أمام إشكالية التعامل مع تيمة السلطة بمعناها الواسع أو بصيغة الجمع، لأنها في حقيقة الأمر سلطات: سلطة المجتمع الموجهة ضد الفرد، سلطة الكبار على الأطفال، سلطة التقاليد... الخ. وأمام هذا التحدي كنت مسكوناً بنوع من الرهبة في أن اسقط في الخطابة والمباشرة. وهكذا اهتديت إلى أن السخرية هي أحسن وسيلة لتمرير "الرسالة" التي أردت أن أوصلها. إذاً الموضوع المتناول هو الذي فرض الكوميديا كشكل فني.