شكلياً، ما برحت روسيا من أقطاب النادي النووي بما تملك من أسلحة وصواريخ، إلا أن الأحداث الجارية فيها تجعلها أشبه بجمهورية موز. وتوحي طريقة تشكيل الوزارة الجديدة بأن المؤسسات الدستورية ما هي إلا براقع مهلهلة لم تعد قادرة على اخفاء تحركات "عصابة الأربعة" التي تحكم البلد من دون ان تكون لثلاثة من أفرادها صفة شرعية. فإلى جانب مدير الديوان الرئاسي الكسندر فولوشين، تسيطر على مركز صنع القرار تاتيانا ابنة الرئيس وثنائي يتشكل من البليونيرين اليهوديين بوريس بيريزوفسكي ورومان ابراموفيتش. والأخير هو النجم الطالع في سماء السياسة الروسية إلا ان صورته مخفية عن الرأي العام فهو بارع في الابتعاد عن عدسات المصورين الفضوليين، براعته في صنع المال من "الهواء" ومن البترول بسيطرته على "سيبنفط" وهي من أكبر الشركات الروسية. بيد ان أهمية ابراموفيتش تكمن في كونه "ممولاً" لعائلة الرئيس ما وضع في يده خيوطاً مهمة حركها بهدوء ومن خلف الستارة بداية، ثم شرع يهزها بعنف في الآونة الأخيرة غير آبه باستياء "العرائس". وقد أفلحت "عصابة الأربعة" في اقصاء يفغيني بريماكوف عن رئاسة الحكومة وارادت تنصيب "وكيلها" نيكولاي اكسيونينكو بدلاً منه إلا ان المقاومة المستميتة التي أبدتها فلول مركز القوة الثاني الذي يقوده أناتولي تشوبايس أدت الى إسناد المنصب الى سيرغي ستيباشين، وعين اكسيونينكو نائباً أول له و"قيماً" على الحكومة. وسيطر رجال الثنائي بيريزوفسكي - ابراموفيتش على أهم الحقائب الوزارية ابتداء بالداخلية وانتهاء بالنفط والمال والجمارك والضرائب. أي ان عملية "خصخصة السلطة" تبدو محسومة الآن، ما يهيئ تربة خصبة للاستيلاء على ما تبقى من ممتلكات الدولة وإقصاء جميع الخصوم وترتيب انتخابات برلمانية ورئاسية "مضمونة" أو... عدم اجراء انتخابات أصلاً. وسكوت رئيس الوزراء على توزيع الحقائب من دون علمه وبالضد من ارادته يدفع الى الاعتقاد بأن ستيباشين سيغدو رئيساً شكلياً للحكومة ويتولى اعضاء "المربع الذهبي" ادارتها فعلياً. والنخب السياسية التي أجمعت على استنكار هيمنة "المكتب السياسي العائلي" على مقاليد الدولة اكتفت حتى الآن بالتذمر والبكاء على اطلال الدستور وانقاض الديموقراطية. ورغم ان بوريس يلتسن لا يزال متربعاً على عرشه فالأرجح ان سلطته أخذت تنكمش وقد تنحصر لاحقاً في توقيع مراسيم يعدها صاحبا المال والسطوة وتنقلها ابنة الرئيس الى والدها ل"يبصم" فقط. وإذا ما أحس أفراد "عصابة الأربعة" بالخطر فمن المؤكد أنهم لن يتأخروا عن اعلان حال الطوارئ وضرب خصومهم بيد من حديد. وتكمن خطورة الوضع في أن رئيس الدولة في روسيا هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي يصدر قرار الحرب، ولذا فإن قيام "دولة الموز النووي" غدا خطراً ليس على روسيا وحدها.