يشكل فشل التيار المحافظ في ايران في عزل وزير الثقافة والارشاد عطاء الله مهاجراني، في تصويت على الثقة في البرلمان، انتصاراً مزدوجاً للرئيس خاتمي. فمن جهة نجح مهاجراني في الامتحان الذي سقط فيه خاتمي نفسه عندما كان يتولى الحقيبة ذاتها في 1992، مما يعني اعادة اعتبار للسياسة الليبرالية التي اعتمدها في وزارته خلال عشر سنوات، وقبل اجباره على الاستقالة. انه نوع من "الثأر" السياسي النظيف. من جهة اخرى، لم يعد مجلس الشورى الذي يرأسه ناطق نوري، الشخصية المحافظة ومنافس خاتمي على الرئاسة، المكان المضمون لشن الحملات وضرب سياسة خاتمي. هذا الواقع يعكس توازناً جديداً في احدى المؤسسات الأساسية، ولمصلحة التيار الاصلاحي، بحيث لم يعد سهلاً عزل الوزراء المؤيدين لهذا التيار، كما حصل قبل عام تقريباً لوزير الداخلية عبدالله نوري. لكن التصويت على الثقة بمهاجراني يعكس في الوقت نفسه التوازن الهش في البرلمان، اذ ان الفارق القليل لعدد الاصوات بين المطالبين بالعزل ومانحي الثقة 121 في مقابل 135 قد يتعدل في أي لحظة في اتجاه مغاير، ليصح الوصف الايراني لهذه الكتلة بأنها "حزب الريح". في أي حال، نجحت ادارة خاتمي، في امتحان دستوري، في فرض ما تسميه سياسة التسامح والتعددية ورفع الرقابة السادية عن الابداع. لكن حدود هذا النجاح تظل هي اياها ان لم تكن ادنى في مؤسسات دستورية اخرى حيث لا وجود ل"حزب الريح"، وحيث يسيطر اركان التيار المحافظ. ويمكن لهذا التيار، عبر المرشد آية الله خامنئي ومجلس المحافظة على الدستور والسلطة القضائية والمحكمة الخاصة لرجال الدين وكبار رجال الحوزة والبازار، ان يكرر ضربات مثل تلك التي تلقاها كرباستشي وكديوري وقبلهما عبدالله نوري. كما ان امكان ارباك ادارة خاتمي لا يزال قوياً عبر اللجوء الى ممارسات قمعية تصل الى الاغتيال كما حصل مع كثيرين من الادباء والمفكرين والصحافيين الليبراليين. يواجه خاتمي قوة هذه المؤسسات معتمداً على التأييد الواسع في صفوف الشريحة الكبرى من المجتمع الممثلة بالشباب والطلاب والنساء، كما ظهر خلال انتخابه قبل سنتين وتأكد قبل اسابيع في الانتخابات البلدية. وكان دور هذا "المجتمع المدني" كبيراً، عبر التظاهر والاحتجاج، في دعم خطة خاتمي، مثلاً، لتفكيك شبكات وزارة الاستخبارات وعزل وزيرها، وفي استجابة دعوات الانفتاح في الأدب والصحافة، وصولاً الى استعادة تقاليد ما قبل الثورة الاسلامية والتي يعتبرها الايرانيون جزءاً من تراثهم وقوميتهم. ولعل هذه الخطوة، خصوصاً احتفالات النوروز، هي التي فجرت حملة المحافظين في وجه مهاجراني... ولا يزال خاتمي يربح في هذا الجانب من المعركة الداخلية. في موازاة ذلك، تمكن خاتمي من تفكيك الغام كثيرة في السياسة الخارجية التي تشكل في ايران عنصراً مهماً للتحريض الداخلي والتي بسببها سقطت رؤوس كثيرة منذ بداية الثورة. ففي ظل سياسة الانفتاح على العالم وحوار الحضارات، نجحت ديبلوماسيته بتحقيق انفراجات فعلية، خصوصاً مع أوروبا والعالم العربي. لكن الأهم من ذلك، تفادى الرئيس الايراني دخول معارك خارجية حرض في اتجاهها التيار المحافظ بهدف احراجه تمهيداً لاسقاطه. فهو تفادى، مثلاً، معركة عسكرية في افغانستان، وتفادى القطيعة مع فرنسا وتفادى الاستعجال في الانفتاح على اميركا. وقد يكمن سر هذه النجاحات في ان خاتمي ابن النظام ويدرك جيداً كل دهاليزه وممراته العلنية والسرية، ويفهم فهماً كاملاً العقلية التي تحركه. فيعتمد اساليبه من اجل تطبيق افكاره.