يعقد مجلس الشورى الإسلامي البرلمان الإيراني اليوم جلسة "الحسم" في ملف وزير الثقافة والارشاد الإسلامي عطاءالله مهاجراني لاستجوابه والتصويت على الثقة، بما قد يؤدي إلى عزله إذا لم تجدد غالبية النواب تأييدها له. سيكون لنتيجة التصويت دلالات واثار سياسية غير قليلة سواء ببقاء مهاجراني أو بإبعاده من منصبه في الحكومة، إذ سيشكل تجديد الثقة نكسة قاسية لليمين المحافظ الذي شحذ ما لديه من أسلحة سياسية ودينية ضد الوزير وبرنامج الحكومة الثقافي خلال المدة الماضية. في مقابل ذلك، تكون لاقصاء مهاجراني أبعاد معنوية وسياسية ايجابية للتيار المحافظ، حتى وإن كانت آنية وموقتة. في هذه الأثناء انتظر مؤيدو مهاجراني ان يخرج الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني عن الصمت الذي يلتزمه منذ أسابيع حيال ما يقول الاصلاحيون إنها حملة سياسية منظمة وموجهة من المحافظين ضمن خطة واضحة المعالم والآليات والأهداف تهدف إلى احباط مشروع حكومة الرئيس سيد محمد خاتمي والعودة بقوة إلى مؤسسات الدولة. لكن رفسنجاني نأى بنفسه عن هذا الملف، ولم يشر إليه في صلاة الجمعة المركزية التي أمّها في جامعة طهران أمس. ومعلوم ان مهاجراني من رموز حزب "كوادر بناء إيران" المعروف بحزب أنصار رفسنجاني، ومعروف أيضاً أن من أقطاب هذا الحزب والتيار رئيس بلدية طهران المعزول والمدان في قضية فساد مالي وإداري غلام حسين كرباستشي والنائبة فائزة رفسنجاني. وكلاهما تعرض لحملة في الآونة الأخيرة. إذ صادقت المحكمة العليا على حكم بإدانة كرباستشي وحرمانه من أي منصب عام لمدة عشر سنوات. وذكرت الصحافة المحلية ان القضاء أمهله أسبوعاً لتسليم نفسه وتنفيذ حكم بالسجن لمدة سنتين. وفي الوقت ذاته، اغلقت صحيفة "زن" المرأة التي تملكها وتديرها فائزة رفسنجاني، وقيل إنها ستمثل أمام محكمة الثورة. ويرى أنصار رفسنجاني ان حملة المحافظين هذه تتناغم مع موقف نوابهم في البرلمان باستجواب مهاجراني وإعلان التصميم على عزله. ولم يخف مهاجراني قبل أيام تمنيه ان يعلن رفسنجاني موقفاً صريحاً داعماً له. وقال في مؤتمر صحافي له السبت الماضي: "ليس الوقت متأخراً وفي إمكان الرئيس رفسنجاني أن يعلن موقفه في قضيتي". لكن الرئيس السابق لم يشر إلى القضية في خطبة أمس، بل انه لم يستطع حتى ان يعلن أو يرد على أحد المصلين الذين قام وقال بأعلى صوته موجهاً كلامه لرفسنجاني: "انصح ابنتك فائزة". ولموقف رفسنجاني أو التزامه الصمت من كل هذه الحملة العنيفة التي تطاول أنصاره منذ مدة، ومنها ملف مهاجراني، أحد هذه الأسباب: - بات الحلقة الأضعف في السلطة والحكم، ولم يعد قادراً على الدفاع عن أنصاره، وانه إذا لم يستطع أن يمنع حملة التشهير التي طاولت ابنته، فكيف يقدر على أن يرد على حملات تستهدف مهاجراني أو كرباستشي أو غيرهما. - ان رفسنجاني على يقين من أن قرار عزل مهاجراني في البرلمان اتخذ بالفعل، وان اعلان موقف صريح مؤيد له لن يفيده، ومن الأفضل في هذه الحالة البقاء بعيداً عن هذه البؤرة في هذه المرحلة، لأن عزل مهاجراني حتى بعد ان يكون تلقى دعماً صريحاً من رفسنجاني، سيشكل إشارة سلبية تلحق ضرراً واضحاً برفسنجاني نفسه وصدقيته وصورته أمام الرأي العام وأنصاره. - يدرك رفسنجاني، وهو المعروف بأنه قارئ جيد للواقع ودارس عميق للمرحلة وموازين القوى، ان عدم انخراطه العلني في المعارك السياسية الدائرة بين أجنحة الحكم وقوى السلطة هو الخيار الأسلم على المستوى الاستراتيجي، إذ سيعفيه من الدخول في مواجهة مع قوى متنفذة وجهات عليا في النظام، وهذا يساعده في الوقت نفسه على تقديم العون لأنصاره من وراء الستار. ومع ذلك، يرى الاصلاحيون ان صمت رفسنجاني غير المألوف بهذا الشكل ليس في مصلحته ولا في صالح أنصاره في كل الأحوال، وأنه ليس سليماً ان يترك خاتمي يواجه بمفرده، على رغم أنه خاتمي ليس مضطراً إلى ذلك، إذ أن عزل وزير من الحكومة، حتى وإن كان من العيار الثقيل كمهاجراني، لن يسبب مشكلة كبيرة. وتجربة عزل وزير الداخلية السابق عبدالله نوري العام الماضي خير دليل على ذلك. وبالعودة إلى استجواب وزير الارشاد في البرلمان اليوم، يمكن الإشارة إلى ما يأتي: - أياً كانت نتيجة الاستجواب والتصويت على الثقة، فإن اليمين المحافظ أكد أنه تيار قوي ومتنفذ ويحسن استخدام عناصر قوته في خدمة استراتيجيته السياسية. وهذا التيار نجح بالفعل خلال ما مضى من العهد الخاتمي في أن يجعل من البرلمان سلطة رقابة حقيقية على الحكومة، وهو ما من شأنه ان يعزز التجربة الديموقراطية في إيران، حتى وإن رأى الاصلاحيون وأنصار خاتمي عكس ذلك. واستطاع المحافظون ان يستفيدوا من وجود الشيخ علي أكبر ناطق نوري على رأس السلطة التشريعية والذي يشهد مؤيدوه ومخالفوه أنه أثبت كفاءة في إدارة البرلمان.