صحت اسرائيل والمنطقة من "كابوس" نتانياهو... ووحده زعيم ليكود المهزوم حقق التفافاً عربياً - اسرائيلياً نادراً على مدى عقود الصراع: الجميع وحّدته الشماتة. حتى البيت الأبيض تمكن أخيراً من انتزاع ثأر بسقوط "بيبي" الذي تجرأ على تهديد كلينتون بإحراق واشنطن. وللانصاف، قبل أن تطوي العزلة نتانياهو يسجل له بعض الفضل في فرض نوع من التضامن العربي "السلبي"، نتيجة احترافه الكذب على الجميع، حتى الذين حاولوا منحه فرصة أو تطوعوا لإعطائه عشرات الفرص. بفضل "بيبي" جمدت الهرولة، وتبددت أحلام الشرق الأوسطية، لكن انتصار باراك الذي منح كلينتون شعوراً بالنصر على شريك "مشاغب"، يعطي واشنطن فرصة كبيرة لإحياء عملية السلام الأميركية، مثلما يحرك مبكراً هواجس الهرولة. فهل يكفي ان يقول جنرال حزب العمل ان "لا حرب بعد اليوم"، ويتذكر بحنين "مرشده" اسحق رابين، كي يشحذ العرب هممهم، وتصحو أحلام التطبيع السريع؟ زعيم "العمل" الذي سجل الانتصار الكاسح في الانتخابات، لا بفضل دهاء، بل خصوصاً بسبب غباء متغطرس اكتشف الاسرائيليون أنه يغذي الأحقاد بينهم ولا يضعف العرب... زعيم "العمل" ينصرف لتشكيل حكومته لكنه أيضاً جاهز ل"بدء المهمة"، بحسب التوقيت الأميركي. وإذا كان مفهوماً أن يستعجلها كلينتون المتلهف على "الانجاز التاريخي" قبل اكمال ولايته الثانية، فتسرع بعض العرب في التبرع بصداقة مجانية لباراك لن يغريه بالتراجع عن خطوطه الحمر أو يحوله نجماً ل"الحمائم" فيما الصقور ينكفئون على هزيمتهم. كان مبرراً أن يأمل كل الأطراف العربية المعنية بالمفاوضات، بانكسار نتانياهو بعدما احتجز كل المسارات والأدوار رهينة، لكن مد اليد لخصمه تلميذ رابين، من دون حساب المقابل، والاستفادة من عِبر ما بعد أوسلو، سيظهر أن درس سنوات تبخَّر بمجرد ابتعاد ليكود عن السلطة. الأهم أن المسار الفلسطيني هو المرشح مجدداً لدفع الثمن في حال فتحت الأبواب لباراك من دون تحديد سقف لشروط السلام الذي سيوقع معه ومع صنّاع أوسلو، وهؤلاء ميالون الى تحريك كل "جبهات" التفاوض، وفتح قنواته علناً وسراً. وإذ بدأ صاحب النيات الغامضة الذي سيحكم اسرائيل أربع سنوات، كشف أوراقه، لا يُفهم أي سيادة للدولة الفلسطينية سيقبل بها ضمن خطوطه الأربعة الحمر. أما التسريبات المتعلقة بمشروعه للمسارين السوري واللبناني فترجح ميل باراك الى التسليم بوحدتهما، وإعداده "صفقة" شاملة للجولان والجنوب، تحت عنوان الخروج من "المستنقع اللبناني". ولن يكون زعيم "العمل" متسلحاً بالتفويض الشعبي فحسب، بل كذلك، وهو الأهم، بنداءات كبار الضباط من أجل وضع حد لحرب استنزاف لم يعد الاستمرار فيها صالحاً لتبريرها بأي ذريعة، ولو كانت عدم الاعتراف بهزيمة، طالما المستعمرات في الشمال رهينة الكاتيوشا كلما سقط مدنيون في الجنوب. الجولان - الجنوب أولاً؟... ربما، والمفارقة ان التفاؤل السوري بانتصار باراك على نتانياهو، يواكبه تراجع في الآمال الفلسطينية بوضع المفاوضات النهائية على سكة الحل. وفي كل الأحوال، قد يكون مبكراً وصف الرئيس الجديد للحكومة الاسرائيلية بأنه ما زال أسير الحنين الى تجربته "السياسية" الوحيدة كمفاوض، حين التقى رئيس الأركان السوري السابق العماد أول حكمت الشهابي.