للفوز برئاسة الوزراء مرة ثانية يستهدف بنيامين نتانياهو ثلاثة قطاعات جماهيرية يهودية اثبتت الانتخابات الماضية انها الأكثر استعداداً للتصويت له وهي: المتدينون، والمهاجرون الجدد من اصول روسية، والشباب اليهود الذين يصوتون للمرة الاولى. وبضمان تأييد هذه القطاعات يستطيع نتانياهو - بحق - الاطمئنان الى هذا الرهان، علماً انه لا يحتاج الى جهد كبير لابقاء سكان مدن "التطوير" والاحياء الفقيرة من الاصول الشرقية ضمن جمهور مؤيديه التقليدي و"الوفي. وحالياً تبدو مظاهر تصدع واضحة في "ولاء" واحد من اهم هذه هذه القطاعات، وهم المهاجرون الروس الجدد اذ تدل استطلاعات الرأي على حدوث تغييرات دراماتيكية في توجهاتهم الانتخابية، الامر الذي جعل باراك يتفوق على نتانياهو بفارق 8-12 نقطة. في بداية الحملة الانتخابية ابدى 70 في المئة من الروس استعدادهم لمنح نتانياهو تأييدهم بينما اشارت آخر الاستطلاعات على ان 43 في المئة من الروس سيصوتون لنتانياهو مقابل 39 في المئة لباراك يديعوت احرونوت 7/5/1997. ويعتقد المراقبون ان هناك فرصة امام باراك لزيادة رصيده لدى الروس اذا لم يسترد نتانياهو المبادرة ويوقف التدهور الحاصل في شعبيته لدى هذا القطاع الجماهيري الذي يعتبر اكبر تجمع اثني في الدولة العبرية. والسؤال لماذا تغير المزاج الروسي الانتخابي. المراقبون في اسرائيل ينسبون هذا التحول الى اخطاء ارتكبها نتانياهو بناء على توصيات مستشاريه. فنتانياهو - حسب الروس - بالغ كثيراً في توطيد علاقاته مع الاحزاب الدينية الحريدية وخصوصاً "شاس" التي يعتبرها الروس عدوهم اللدود، على رغم ان انصار "شاس" والروس يتبنون المواقف الصقرية نفسها تجاه الحلول السياسية مع الفلسطينيين والعرب، الا ان هناك بوناً شاسعاً بين المجموعتين في كل ما يتعلق بتصوراتهما لطابع الدولة اليهودية ومنظومة القيم التي يرى كل منهما ضرورة وجودها كناظم للعلاقات داخل المجتمع الاسرائيلي. فالمتدينون يرون ان الهجرة الروسية جلبت الدمار للقيم اليهودية. ويؤكد قادة "شاس" في حملتهم الانتخابية ان المهاجرين الروس هم الذين نشروا تجارة الجنس والمخدرات بين الشبيبة اليهودية وعملوا على ازدهار اعمال المافيا. في المقابل اتهم قادة الجمهور الروسي "شاس" بأنها، وعبر سيطرتها على وزارة الداخلية، عملت على محاربة الهجرة الروسية بشكل منهجي لأن وزراء "شاس" الذين تعاقبوا على وزارة الداخلية رفضوا تسجيل الكثير من المهاجرين الروس كيهود وحرموهم من المزايا التي يتمتع بها المهاجرون الجدد بحجة ان هناك شكوكاً في يهوديتهم. وبلغ الحنق بالروس درجة عالية حين كرر نتانياهو تعهداته ل"شاس" بتسليمها وزارة الداخلية في كل حكومة يشكلها مستقبلاً. وفي استطلاع للرأي نشرته "يديعوت احرونوت" بتاريخ 7/5/1999 اكد 45 في المئة من الروس ان تعهد نتانياهو أضعف المؤيدين له في الانتخابات. الى ذلك ابدى الجمهور الروسي رفضه لاستمرار الغزل بين نتانياهو وارييه درعي على رغم ادانة الاخير بقضايا فساد والحكم عليه بالسجن لمدة اربع سنوات. في المقابل ادرك باراك ما يريده الروس واعلن انه لن يسلم وزارة الداخلية مطلقاً لشاس ولن يسمح لدرعي الدخول في اي حكومة يشكلها. ولم يفته التشديد على ان ممثلاً عن الروس سيكون مرشحه الافضل لتولي وزارة الداخلية. ومن الاسباب التي قلصت شعبية نتانياهو لدى الروس تشجيعه مدير مكتبه السابق افيغدور ليبرمان تشكيل حزب يتنافس على اصوات المهاجرين اذ اغضبت هذه الخطوة قيادة حزب "اسرائيل بعليا" اكبر الاحزاب التي تمثل الروس، اذ يرى قادة هذا الحزب ان نجاح حزب ليبرمان في الانتخابات يعني تراجع قوة "اسرائيل بعليا" وهذا ما جعل رئيس الحزب ناتان شيرانسكي يتردد في الاعلان عن تأييده علناً لنتانياهو ورفضه دعوة جماهيره التصويت لنتانياهو. واتهم عدد من قادة هذا الحزب نتانياهو ب"التآمر" عليهم. وقام رئيس الوزراء الاسرائيلي، وفي محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه، بعقد "مصالحة" بين رؤساء "شاس" وممثلي الجمهور الروس، وفي الوقت نفسه طالب ليبرمان الانسحاب من الانتخابات. ويشك المراقبون في تحقيق هذه الخطوة الهدف المرجو. مشاكل نتانياهو لا تتوقف عند هذا الحد، فخلال الاسبوعين الماضيين شهدت الساحة الاسرائيلية تحولات مهمة لصالح باراك، اذ اعلنت شخصيات حزبية بارزة انسحابها من الليكود وتأييدها للعمل، ابرزها عضو اللجنة المركزية لليكود الجنرال يوسي بيليد ومرشح الليكود السابق لرئاسة بلدية تل ابيب الجنرال دوفين روبين وعضوا الكنيست السابقان عن الليكود يوآس تسيدون، وارنيل لين. كل هذا في ظل حديث عن خلافات شديدة بين نتانياهو وقادة حملته الانتخابية الذين كانوا حتى وقت قريب من اشد خصومه السياسيين داخل "الليكود" مثل الوزيرة ليمور ليفتات. وستتعزز فرص باراك بشكل كبير في حال استجابة رئيس حزب "الوسط" اسحق موردخاي لدعوات زملائه في قيادة الحزب بسحب ترشحيه لرئاسة الوزراء والاعلان عن انضمامه لباراك، اذ تدل الاستطلاعات على انهيار شعبيته واعلن 5 في المئة من الاسرائيليين فقط انهم سيصوتون له في الانتخابات. واذا ما استجاب موردخاي لهذه الدعوة وسحب ترشحيه فان عزمي بشارة سيسحب ترشيحه ايضاً وبذلك يمكن ان يحسم التنافس على منصب رئاسة الوزراء في الجولة الاولى من الانتخابات المقرر ان تجرى يوم الاثنين المقبل. في هذه الحال فان عدداً من كبار المعلّقين في اسرائيل، مثل شالوم يروشالمي وناحوم برنيغ وحنان كريستال وحامي شليف، يعتقدون ان "معجزة" فقط ستمنع باراك من تحقيق فوزه على نتانياهو. فباراك كسب اضافة الى اليهود العلمانيين من اصول اشكنازية كل العرب وسكان "الكيبوتسات" فضلاً عن اصحاب المؤهلات الاكاديمية والتوجهات الليبرالية. أما في حال إصرار موردخاي وبشارة على عدم سحب ترشيحهما واجراء جولة ثانية من الانتخابات لحسم التنافس على رئاسة الوزراء فإن فرص نتانياهو وباراك ستتساوى بل انها قد تميل لصالح نتانياهو للاسباب الآتية: 1 - حسب استطلاع للرأي العام اجراه كل من سامي سموحا واسعد غانم المحاضران في جامعة حيفا فان 83 في المئة من العرب سيشاركون في التصويت في الجولة الاولى من الانتخابات لانهم يحرصون على انتخاب ممثليهم الى البرلمان والتصويت لمرشحهم المفضل لرئاسة الوزراء، لكن في حال اجراء جولة ثانية من الانتخابات يؤكد الاستطلاع ان 53 في المئة من العرب سيشاركون في التصويت، اي ان الثلث سيتغيب عن الجولة الثانية، وهذا يعني ان باراك سيفقد اصوات 30 في المئة من اصوات العرب. 2 - مقابل الانخفاض الكبير في نسبة مشاركة العرب في التصويت في الجولة الثانية دلّت التجربة على ان الاحزاب الدينية بشقيها الاورثوذكسي والصهيوني ستجند كل انصارها ومؤيديها للتصويت لصالح نتانياهو، وما يضاعف حماس هذه الاحزاب لتأييد نتانياهو هو اقتراح باراك فرض الخدمة الاجبارية على طلاب المدارس الدينية الذين اعفوا منذ تأسس الدولة في عهد بن غوريون. وبذلك مقابل تراجع العرب عن التصويت في الجولة الثانية واقبال المتدينين للتصويت ستعزز فرص نتانياهو. 3 - تأجيل حسم التنافس على رئاسة الوزراء حتى الجولة الثانية التي من المتوقع ان تجرى في الاول من حزيران يونيو المقبل ستمنح نتانياهو الفرصة لاصلاح ذات البين مع ممثلي الجمهور الروسي، بتقديم اغراءات لقادة حزب "اسرائيل بعليا". ووعد نتانياهو فعلاً شيرانسكي بتولي وزارة المالية ثالث اهم وزارة في الحكومة بعد الخارجية والدفاع. كما انه سيكون بمقدوره اصدار المزيد من القرارات التي تسهم في تخفيف الضائقة الاقتصادية التي يحياها معظم المهاجرين الروس، وذلك في مسعى لاقناعهم بتأييده من جديد. و نتانياهو الآن بصدد نقل رسائل "مطمئنة" من قادة "شاس" الى الجمهور الروس يتعهد فيها قادة "شاس" بعدم وضع أي عراقيل امام اعتماد "يهودية" المهاجرين الروس. وتعي "شاس" جيداً ان مستقبلها يتطلب بقاء نتانياهو في الحكم. ووصف الكثير من المراقبين رئيس "شاس" بأنه "رئيس الوزراء الفعلي لاسرائيل" في اشارة للنفوذ الذي يتمتع به في مكتب نتانياهو على رغم انه ليس وزيراً في الحكومة. 4 - اجراء جولة ثانية من الانتخابات سيكون كفيلاً ببعث الحياة في طاقم نتانياهو الانتخابي واليمين الاسرائيلي عموماً. في هذه الحال سيجد خصوم نتانياهو في الليكود انفسهم مضطرين لتأييده في الانتخابات لتعاظم فرصه في الفوز وبالتالي سيضاعفون جهودهم من اجل ذلك سيما وانهم يدركون نزوع نتانياهو ل"الانتقام" من خصومه السياسيين داخل الحزب في حال ترددهم في العمل لصالحه. على رغم ان الظروف السائدة حالياً تختلف عن تلك التي كانت ابان إجراء انتخابات العام 1996، ومع ان استطلاعات الرأي تميل بشكل واضح لصالح باراك فان تجربة انتخابات العام 1981 ما زالت ماثلة حين اشارت استطلاعات الرأي انه يؤيد شمعون بيريز على مناحيم بيغن، ومع ذلك حدث ما لم يتوقعه احد وفاز بيغن مرة اخرى، بينما اكتفى بيريز بوصف صحافية اسرائيلية ب"الرجل الذي لا يعرف الانتصار"! * صحافي فلسطيني.