قال أمين اللجنة الشعبية للاقتصاد والتجارة وزير الاقتصاد والتجارة الليبي الدكتور عبدالحفيظ محمود الزليطي في مقابلة مع "الحياة" في الدوحة ان بلاده تركز في هذه المرحلة على تطوير صناعة النفط والغاز وتشجيع السياحة وتجارة العبور بين السوق الأوروبية والساحل الافريقي والشرق الأوسط. واضاف ان أولوية التكامل هي مع "الجيران أولاً ودول الساحل والصحراء والاشقاء والاصدقاء" مشدداً على ان الاقتصاد الليبي الذي أُرهق منذ عام 1992 حافظ على احتياطاته من النقد الاجنبي والصناعات. وأفاد الوزير الليبي الذي كان يتحدث الى "الحياة" على هامش مشاركته في اجتماعات الصناديق المالية العربية التي عقدت في قطر أخيراً ان خسائر بلاده من الحظر تقدر بپ26 بليون دولار. وأعلن ان مشروع النهر الصناعي العظيم الذي تبلغ كلفته 10 بلايين دولار سيكتمل نهاية هذا القرن. وقال انه سيوفر ستة ملايين متر مكعب من المياه يومياً وسيؤمن الزراعة والأمن الغذائي ومياه الشرب. وأوضح ان ليبيا ستدشن أول سيارة نقل من انتاجها في أيلول سبتمبر المقبل. وفي ما يأتي نص الحديث. ما هو الأثر الذي خلفه الحظر الجوي الذي كان مفروضاً على ليبيا، وما هو حجم الخسائر التي لحقت بها؟ - الحظر كان يستهدف إعاقة النقل الجوي من الجماهيرية واليها، وكذلك التسهيلات المصرفية الدولية، ومواد التقنية وقطع الغيار الخاصة بانتاج النفط، وكل ما له علاقة بتقنية متطورة ومتقدمة تدخل في المجالات كافة سواء في صناعة الأدوية أو صناعة البتروكيماويات وغيرها. وهذا الحظر كان يكلف الجماهيرية كلفة اقتصادية عالية. وتقدر تقارير الأممالمتحدة الخسائر خلال الاعوام السبعة التي استغرقها الحصار بما يزيد على 26 بليون دولار، اذا أخذنا ان هذه الخسائر فرص ضائعة بالإضافة الى تكاليف زائدة. ومع تعليق الحظر بالكامل ورفعه قريباً، ان شاء الله، فإن كل هذه الأمور ستعود الى مجاريها العادية وسيكون النقل متاحاً من الجماهيرية واليها جواً وبذلك ستقل تكاليف الكثير من المعاناة، والمصاريف وسيتمكن قطاع النفط من القيام بالصيانة اللازمة له مع العمل على تطوير نفسه. لكن ذلك لن يغير من استراتيجية الجماهيرية في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، لأنها كانت استراتيجية ثابتة وبنتها الثورة على مدى أعوام طويلة وهي مستمرة فيها، وتقوم على تنويع مصادر الدخل في البلد، وهو ما يتطلب ان تسخر عوائد النفط والغاز في خدمة القطاعات الأخرى. ففي مجال الزراعة تم خلال عشرين عاماً استصلاح أكثر من مليوني هكتار من الأرض، ومع نهاية هذا القرن سينتهي العمل في مشروع النهر الصناعي العظيم الذي سيحمل نحو ستة ملايين متر مكعب من المياه بغرض الشرب والزراعة والأغراض الصناعية يومياً. كم بلغت كلفة مشروع النهر الصناعي؟ - بدأ العمل في المشروع عام 1982 ويبلغ اجمالي كلفته نحو عشرة بلايين دولار على مدى 15 عاماً. وعندما تحسب هذه الكلفة على قيمة المتر المكعب من المياه وتقارنها بما يمكن ان تقوم به مصادر التحلية من عمر هذا المشروع نجد انه سيوفر المياه العذبة بكلفة بسيطة جداً. اضافة الى ذلك أنشأنا شبكة توزيع تزيد على ثلاثة الاف كيلومتر مربع وهو انجاز كبير، وهذا المشروع يشكل أولوية ويتم التركيز عليه لأنه يؤمن جانباً كبيراً من الأمن الغذائي والزراعة والاستقرار والمياه. أما الأولوية الثانية فهي الاستمرار في تطوير قطاع النفط والغاز باعتباره مصدراً مهماً ينبغي المحافظة عليه وعدم نضوبه واستخدام الغاز في الصناعات البتروكيماوية المفيدة مثل الأسمدة وغيرها، وهذه تتوقف عليها صناعات كثيرة. وتم تحسين القطاع وتطويره. هل خصصتم مبالغ محددة لتطوير قطاع النفط؟ - نعم هناك موازنات مهمة لهذا الغرض. وما هي أولوياتكم الأخرى؟ - السياحة هي محط اهتمام كمصدر واعد، اذ توجد لدينا اثار قديمة واسلامية، وهناك الصحراء ونحو ألفي كيلومتر من الشواطئ النظيفة على البحر الأبيض المتوسط، كما تتمتع الجماهيرية بمناخ معتدل، وتقرر منذ سنوات استغلال هذه الامكانات، ويجري الآن العمل على تطوير البنية التحتية الخاصة بموضوع السياحة. وهل لديكم سياسات أو خطوات لتشجيع السياحة؟ - هناك استثمارات يقوم بها كثير من الشركات الاهلية الليبية اضافة الى شركات اخرى من دول شقيقة وصديقة. في هذا الاطار هل ستصدر اجراءات جديدة لتشجيع السياحة؟ - نعم. ليبيا مهتمة "بتجارة العبور" الترانزيت فهل يشكل هذا الجانب أولوية ليبية؟ - نحن مهتمون بتجارة العبور وخلال فترة التنمية في الاعوام ال25 الماضية انشأنا العديد من الموانئ والساحات التخزينية على طول الساحل. وماذا عن تجارة العبور في هذه المرحلة؟ - اتخذت اجراءات وصدرت تشريعات لاستغلال بعض هذه الطاقات كمراكز لتجارة العبور بين السوق الأوروبية والساحل الافريقي والصحراء والدول الافريقية، وبين شرق أفريقيا وغربها، وبين الشرق الأوسط وغرب افرىقيا، وهذا الموقع الجغرافي الذي تتمتع به ليبيا مهم ونحن نوليه الآن اهتماماً كبيراً. ما الجديد في مجال الصناعة؟ - لدينا مجمعات كبيرة من الحديد والصلب تنتج الآن الحديد وبدأنا استثمارات تتعلق بانتاج سيارات النقل وهي تصنيع ليبي بمشاركة مع شركات. هل بدأتم انتاج السيارات؟ - بدأنا انتاج السيارات ومع الاحتفال المقبل بأعياد الفاتح من سبتمبر ذكرى تولي الزعيم الليبي القذافي السلطة ستخرج أول سيارة وهي من تصميم ليبي كامل وستكون 35 في المئة من مكوناتها في البداية ليبية كالحديد وغيره. أشرت الى اهتمام ليبيا بتطوير الصناعة النفطية فكم رصدتم لهذا الجانب؟ - هناك مشاريع ومعلوم ان الاستثمارات النفطية هي استثمارات ضخمة، لكننا اعتمدنا اسلوب المشاركات بتشجيع رأس المال الاجنبي المتخصص مع الشركات الوطنية لاقتحام هذه المشاريع. مثلاً؟ - آخر مشروع يتم تنفيذه الآن بالمشاركة مع شركة "اجيب" لنقل الغاز الى ايطاليا وتصديره اليها وهو يكلف خمسة بلايين دولار. وهناك ايضاً تطوير لبعض حقول الغاز في الوسط بكلفة تبلغ بليون دولار. وبالنسبة للصناعات البتروكيماوية تم تخصيص 1.5 بليون دولار لتطويرها. كل المشاريع المرتبطة بالنفط والغاز مدروسة جيداً وقيمتها عالية، ونحن لا نستطيع ان نقوم وحدنا بهذه الاستثمارات، لذلك هناك استثمار دولي مشترك. هل يوجد إقبال من شركات اجنبية للاستثمار في ليبيا؟ - هناك إقبال كبير، والدليل على ذلك المؤتمر الذي عقد في جنيف أخيراً حول صناعة النفط والغاز في ليبيا، وحضره أكثر من 350 مشاركاً، اذ أنها المرة الأولى التي يحضر فيها هذا العدد الكبير من شركات عالمية متخصصة في صناعة النفط والغاز والنقل والتقنية وغيرها. ولاحظت من مداخلات المشاركين أنهم على استعداد كامل للمشاركة في صناعة النفط. كيف ترى وضع الاقتصاد الليبي حالياً ومستقبلاً في ضوء التطورات الجديدة؟ - في الاعوام السابقة دعمت ثورة الفاتح الاقتصاد بمشاريع هائلة من البنية الأساسية، وبينها مشاريع تعليمية وصحية ومستشفيات وطرق، اذ يوجد لدينا 19 ألف كيلومتر من الطرق الجديدة، وهناك ايضاً استصلاح الأراضي والمياه مع استغلال الموارد الطبيعية الخاصة بالحديد واليوريا من الغاز وغيرها من الموارد، وهذه كلها مهيأة الآن للاستغلال. وهذه التهيئة هي شغلنا الشاغل في المستقبل في سبيل استغلال كل هذه الموارد لتوظيف الناس والانتاج وللتكامل الاقتصادي بيننا وبين جيراننا أولاً لأن السياسة التي اعتمدتها المؤتمرات الشعبية الاساسية هي ان تعطى الأفضلية لدول الجوار ودول الساحل والصحراء والدول الصديقة والشقيقة وافريقيا ككل. في ضوء الأوضاع الجديدة من علاقتكم مع العالم هل هناك اجراءات للتخصيص أو، مثلاً، تسهيل دخول العملة وخروجها؟ وهل هناك تشريعات جديدة؟ - هناك تشريعات مهمة صدرت أخيراً لها علاقة بمنح التسهيلات الائتمانية للشركات الاهلية، منها قانون الأنشطة الاقتصادية، فتكونت عندنا منذ عام 1993 مجموعة كبيرة من الشركات ذات الحجم الصغير والمتوسط ونحن نسميها بالشركات المساهمة الأهلية، وتعمل هذه الشركات في مجالات الانتاج وفي مجال الخدمات كالسياحة والنقل والفنادق والبناء والانتاج في كل المرافق المختلفة. وهذه الأجسام القانونية بدأت تنطلق شيئاً فشيئاً، وبلا شك فإن التشريعات الموجودة الآن تشجع على دخول هذه المجالات لتحقيق حاجة السوق وتوفير فائض للتصدير. ونغرس في كل الفعاليات الاقتصادية سواء كانت شعبية أو عامة أو مشتركة مبادئ التطوير من أجل تصدير فوائض الانتاج، وهذا نوع من السياسات لأنه لا ينبغي ان نعتمد اعتماداً كاملاً على النفط في المستقبل. وكيف ترى الاقتصاد الليبي حالياً؟ - أُرهق منذ عام 1992 حتى الوقت الحاضر، لكنه "مسك نفسه" وحافظ على احتياطاته من النقد الاجنبي والعملات كما حافظ على صناعاته. ووفر الناس مدخراتهم الشخصية ما يمول إقامة النهر الصناعي العظيم. والعلاقة مع قطر كيف حالها؟ - تربطنا علاقة قوية وحميمة مع قطر على المستوى الرسمي والشعبي ومع دول الخليج بصفة عامة، ويوجد تمثيل ديبلوماسي ليبي في قطر ويوجد تعاون كبير، والمكتب الشعبي في قطر السفارة الليبية لديه برامج للقيام بمعارض مشتركة. وعلاقتكم مع بقية دول الخليج؟ - علاقتنا جيدة مع الامارات والبحرين والسعودية والكويت وكل الاخوان في المنطقة، ونتوقع لعلاقاتنا مع دول الخليج مستقبلاً واعداً. وكيف تنظر الى دور المؤسسات المالية العربية التي حضرت اجتماعها الأخير في الدوحة؟ - نحن مقدرون للنتائج الفنية التي حققتها هذه الصناديق العربية التي قامت بعمليات تمويل مهمة جداً في الوطن العربي لصناعات وخدمات تحتاجها الاقتصاديات العربية، وكان هناك توزيع جيد وإلمام بالأولويات، كما كان هناك حرص من هذه المؤسسات على المال الموجود الذي أودعناه لدعم التعاون الاقتصادي العربي - العربي. ونحن نرى ان هذه الصناديق التي كنا من أوائل مؤسسيها وظفت الاموال توظيفاً جيداً وخدمت الكثير من المرافق والخدمات في الوطن العربي، كما أتاحت الفرصة للدول العربية لتستفيد منها، ووفرت احتياطات جيدة، اذ ان حقوق المساهمين في هذه الصناديق تزيد على 16 بليون دولار وهذه حقوق المساهمين فقط من دون الموجودات. كما ان مجالس ادارات هذه الصناديق حريصة على تنمية الأموال وتوظيفها في مشاريع تهم التكامل الاقتصادي العربي في مجال المواصلات والكهرباء والزراعة والتعليم. هل طرحتم افكاراً محددة في اجتماع الهيئات المالية العربية في الدوحة؟ - أكدنا على ان يعطي صندوق الانماء الاقتصادي والاجتماعي تركيزاً أكثر لمشروع نشر التعليم كالجامعات المفتوحة، لأنه ليس كل شيء هو اسمنت وحديد، ومن الآن وصاعداً سيكون هناك تمويل لمشاريع عربية تخدم التنمية البشرية. ما زالت عضوية ثلاث دول عربية معلقة في مؤسسات مالية عربية وهي السودان والصومال والعراق فهل تتوقع حلاً لهذا التعليق، وهو نتيجة عدم سداد متأخرات ديون؟ - اعتقد ان هذا "التعليق" سيكون موقتاً، والآن توجد مشاورات جادة لإعادة النظر في هذا التعليق، وللأسف ان هذا التعليق هو تطبيق حرفي للنظم الاساسية لهذه الصناديق ولا يمكن تعديل هذا التطبيق الحرفي الا إذا تم تعديل النظام الاساسي، لكن اعتقد ان المستقبل القريب سيشهد حلولاً. ونحن نقدر الظرف الذي تمر به هذه الدول الثلاث.