تخلصت ليبيا اخيرا من كابوس العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الاممالمتحدة منذ نحو سبعة اعوام، وباتت بحاجة الى رؤوس اموال ضخمة لاعادة تأهيل مختلف قطاعاتها التي منيت بخسائر تقدر بأكثر من 26 بليون دولار. ويتوقع ان تتهافت الشركات الاجنبية على العقود التي ينتظر ان تعلنها الحكومة الليبية خصوصاً في قطاعات النفط والنقل والصناعة والزراعة والخدمات الطبية. وأكدت دوائر نفطية ان اعادة تأهيل القطاع النفطي الليبي ستؤدي الى ارتفاع كبير في الطاقة الانتاجية، ما قد يدفع ليبيا الى المطالبة بحصة اكبر في منظمة "اوبك" بدعوى ان حصتها بقيت تقريباً على حالها منذ بدء الحظر عام 1992، في الوقت الذي ارتفعت حصص عدد من الدول الاعضاء الاخرى. وقال ليو درولاس من "مركز دراسات الطاقة الدولي" في لندن ان ليبيا ستحتاج الى بلايين الدولارات لتطوير حقولها النفطية وتوسيع المصافي وانشاء مشاريع بتروكيماوية وصناعية اخرى مرتبطة بالنفط والغاز. واشار الخبير الى ان الاستثمارات اللازمة لرفع الطاقة الانتاجية لليبيا بنحو مليون برميل يومياً تقدر بأكثر من خمسة بلايين دولار. وقال ل"الحياة" ان "توفير التمويل والتكنولوجيا لهذه المشاريع ليس مشكلة بوجود الشركات الاجنبية في ليبيا". واضاف: "السؤال ما اذا كانت ليبيا بحاجة الى مثل هذا التوسع في الظروف السائدة في السوق حالياً... المشكة الاخرى ان ليبيا قد تطلب رفع حصتها الانتاجية في اوبك بدعوى انها لم ترفع منذ سنوات عدة وانها تريد التعويض عن الخسائر التي منيت بها بسبب العقوبات الاقتصادية. واعتقد انها اذا اتخذت هذه الخطوة، فان اوبك ستواجه مأزقاً جديداً قد يضر بجهودها في دعم اسعار النفط". ولم تتوافر حتى الآن احصاءات نهائية عن حجم الخسائر التي تكبدتها ليبيا نتيجة الحظر. الا ان مسؤولاً ليبياً قدرها بنحو 26.5 بليون دولار. أ.ف.ب وحسب تقرير حكومي ليبي قدم الى الاممالمتحدة، وصلت الخسائر الى نحو 20 بليون دولار منذ بدء العقوبات وحتى نهاية عام 1996. وكان القطاع الزراعي الاكثر تضرراً، اذ بلغت خسائره في هذه الفترة نحو 5.98 بليون دولار بسبب الدمار الذي لحق بالمحاصيل والثروه الحيوانية. وبلغت خسائر القطاع الصناعي 4.15 بليون دولار، فيما قدرت الخسائر بنحو 4.2 بليون دولار في قطاع التجارة والمالية، وثلاثة بلايين دولار في قطاع الطاقة، و 1.15 بليون دولار في قطاع النقل. كما تضررت "الخطوط الجوية الليبية" التي تملك 12 طائرة بشكل كبير، اذ قدر اجمالي خسائرها بنحو ثلاثة بلايين دولار. أ.ف.ب وعلى رغم الخسائر في قطاع النفط، إلا ان الطاقة الانتاجية لم تتأثر بشكل كبير، اذ انها حافظت تقريبا على مستواها عند 1.5 مليون برميل يوميا. وقال مدير "مركز دراسات الطاقة الدولي" فاضل شلبي ل"الحياة" ان الشركات الاجنبية العاملة في ليبيا استطاعت المحافظة على مستوى الطاقة الانتاجية على رغم الحظر الذي كان مفروضاً على استيراد قطع الغيار والمعدات النفطية. واضاف "من المعروف ان الشركات الكبرى تملك مخزوناً كبيراً من المعدات وقطع الغيار لاستخدامه في حالات الطوارئ وهذا ما فعلته الشركات الاجنبية العاملة في ليبيا اثناء الحظر...واعتقد ان مثل هذه المهمة ليست صعبة لان صيانة الحقول لا تحتاج الى استثمارات كبيرة ومعدات كثيرة". وتوقع شلبي ان تتهافت الشركات الدولية على عقود قد تعلنها ليبيا لتطوير قطاعها النفطي وان تسعى الشركات الاميركية الى الضغط على حكومتها لرفع الحظر الاحادي الجانب الذي تفرضه على اي شركة اميركية تستثمر في ليبيا. من جهته، قال وزير النفط الليبي رويترز عبدالسلام البدري امس ان حكومته مستعدة للسماح لشركات النفط الاميركية باستئناف نشاطها في ليبيا. واضاف "ان ليبيا تدعو الشركات الاميركية التي كانت شريكة لها في الماضي الى العودة ومواصلة الانتاج...والباب مفتوح لاجراء محادثات مع هذه الشركات وتسهيل عملياتها وعودتها الى ليبيا". وانتجت ليبيا نحو 1.45 مليون برميل من النفط يومياً منذ مطلع التسعينات، ويقدر احتياطها النفطي المثبت بنحو 30 بليون برميل، فيما يبلغ احتياط الغاز الطبيعي لديها نحو 1.3 تريليون متر مكعب. وعلى رغم الحظر، حافظت طاقة مصافيها النفطية على مستواها عند 380 الف برميل يومياً، فيما استمرت عمليات التنقيب عن النفط، اذ بلغ اجمالي الحفر الاستكشافي نحو 900 كيلومتر طولي في الاعوام الثلاثة الاخيرة. وبلغت عوائد صادراتها النفطية نحو 6.5 بليون دولار عام 1998 مقابل 8.2 بليون دولار عام 1997 عندما تجاوزت اسعار النفط 18 دولارا للبرميل. وحسب تقارير رسمية، فان العقوبات لم تؤثر كثيراً في النظام الاقتصادي والمالي الليبي بسبب استمرار صادرات النفط الخام التي تشكل اكثر من 90 في المئة من اجمالي الدخل القومي. وارتفع اجمالي الناتج المحلي من 32.8 بليون دولار عام 1990 الى 33 بليون دولار عام 1992، ثم انخفض الى 29.9 بليون دولار عام 1995 نتيجة تراجع اسعار النفط قبل ان يعاود ارتفاعه الى 33.9 بليون دولار عام 1997. واستمر الميزان التجاري بتحقيق فائض بلغ 1.2 بليون دولار عام 1997 في حين تحول العجز في الموازنة الى فائض بلغ 330 مليون دولار عام 1996. ولم تسجل الموازنة اي عجز عام 1997 بسبب ارتفاع اسعار النفط. كما ارتفعت الايرادات العامة من 9.5 بليون دولار عام 1992 الى 14.09 بليون دولار عام 1997، فيما استمر الاحتياط النقدي بالارتفاع من 4.8 بليون دولار الى نحو 7.5 بليون دولار في الفترة نفسها. وأشارت تقارير مصرفية الى ان الحظر لم يكن له اي تأثير على الاستثمارات المحلية على رغم ارتفاع تحويلات العمال الاجانب. اذ حافظت الودائع في المصارف الليبية على مستوى مرتفع بلغ نحو 15.5 بليون دولار العام الماضي.