الأرغن العملاق الذي يتوسط مسرح "أسمبلي هول" في الجامعة الأميركية في بيروت، كان ليلة أول من أمس غيره في ما مضى. شهد نموذجاً مما صارت عليه الموسيقى وستصير، من دون ان يفقده ذلك جلاله وعظمته، ما دامت انطلاقة الموسيقيين الشباب كلاسيكية. ستة موسيقيين، بينهم نجلا مارسيل خليفة، رامي 18 عاماً عازف البيانو وقائد الفرقة، كما بدا، وبشّار 16 عاماً الذي ينهي دروسه على البيانو وآلات الإيقاع والنقر، اضافة الى بليز شوفالييه 27 عاماً المنتقل من الغيتار الكهربائي الباص الى الكونترباص، وفنسان داود في بداية عشريناته الحائز أكثر من جائزة فرنسية في الساكسوفون، وبرايش بيستار 21 عاماً البارع بين العازفين الشبان في فرنسا على الترومبيت، وإيمريك وستريش 19 عاماً المتخصص في الإيقاع وضارب ال"درامز". قدموا ضمن فرقة "سبرينغ سيكتت" التي لم يمض من عمرها سوى شهر، مقطوعات جاز، هم الآتون من دراسات كلاسيكية عليا في أهم معاهد فرنسا. وبين الحضور الكثيف، وجلّه من الشباب، في الحفلة التي نظمتها الجامعة الأميركية ونادي الصليب الأحمر وكلية الطب فيها، كان ثمة موسيقيون وفنانون كبار أو معروفون. كان بوغوص جيلاليان وزياد رحباني وغدي رحباني وشربل روحانا وهاني سبليني وأميمة الخليل ومروان عبادو... وكان أيضاً مارسيل خليفة الذي أسهم اسمه وصورته المرافقان لإعلان الحفلة، في جذب مشاهدين كثر، كأنه راعي الفرقة، إن لم يكن مباشرة فبالروح. في ساعتين، عزفت الفرقة الشابة نحو عشر مقطوعات، بينها لشيك كوريا وهوريس سيلفر وكولترين، و"لونغا نهوند" و"رقصة العروس" لمارسيل خليفة. وتبارى الستة في التقاسيم والتنويع، حتى إذا تابعنا كلاً منهم على حدة، لا يمكن الا ان نقول ان ثمة براعم تتفتح لتملأ الدنيا عطراً. فعازف الكونترباص، وهو الأقدم بينهم في مجال الجاز، كان "عتال" الفرقة، حمى خلفية المقطوعات من أي زلّة. ورامي خليفة ارتجل كثيراً، وأطلق ليديه الصغيرتين الناعمتين العنان تصولان وتجولان على البيانو، حتى بدتا في بعض الأحيان أشبه ب"توم أند جيري" يهرب أحدهما في أقصى سرعة، من الآخر، والآخر يتبعه بالسرعة نفسها، ولا يلتقيان. وقال ل"الحياة" بعد الحفلة انه يرتجل منذ الصغر، لكنه حديث العهد في مجال الجاز، من سنة فقط. أما عازفا النفخ الآخران فبرهنا عن خامة جيدة تلزمها تمارين أكثر لتنضج، وكذلك ضاربا الإيقاع، على رغم صغر سنّهما، وإن كان للإيقاع مفعول السحر في الجماعة حين تكون كثيرة. وإن بدا الموسيقيون الستة جيدين في ما قدموه، أظهروا أنهم يحتاجون الى تمارين جماعية أكثر وإشباع لمعرفتهم بالجاز وفنونه وتنويعاته ومدارسه، ليتمكنوا من تشكيل نواة روح واحد توحي بأن الانسجام بينهم هو الطاغي، وله وحده المسرح. فبين عازفي الجاز، يجب ان يكون التماهي هو الغالب، كي لا يكون كل "تفريد" يؤدونه من واد. وأطل مارسيل خليفة وسط عاصفة تصفيق، وقدم ورامي "موشحاً" من شعر محمود درويش "أمر باسمك"، هو أحدث ما لحنه، ثم كانت "ريتا والبندقية" التي لم يؤدها وحده، بمقدار ما واكبته جوقة الحاضرين.