فارق الفنان مارسيل خليفة عوده لمرة واحدة فقط، حين ظهر في قصر الأونيسكو متحرراً من صحبته. كان وقع التكريم أكبر، والاحتفالية التي حضّرتها وزارة الثقافة اللبنانية والمعهد العالي للموسيقى (كونسرفتوار) له فرضت ظهوره مغنياً غير عازف، فأشعل الصفوف المكتظة في القاعة الكبيرة غناءً، وسُمع ترداد التصفيق إلى خارجها. والأمسية التي غنت فيها الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق- عربية، التابعة للكونسرفتوار الوطني اللبنانيّ، مارسيل خليفة، أول من أمس، تكريماً له، تأتي بعد ما كان يُحكى عن قطيعة بين خليفة والكونسرفتوار لخلافات في وجهات النظر مع رئيس الكونسرفتوار الراحل وليد غلمية. حولتها وزارة الثقافة إلى احتفالية. صعد وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال غابي ليون، ورئيس الكونسرفتوار بالإنابة حنا العميل، وخليفة إلى المسرح، بعد عزف أول مقطوعة موسيقية، وتقلّد المكرّم درعاً تقديرية. وأثنى ليون على تجربة خليفة، قائلاً له: «أنت ساحر، وثائر، وسحرك مصدره حلم، وثورتك لا تحوي إلا عنف الحنجرة، وعنف الأنامل التي تضرب على آلة العود. ولأنك ابن المعهد الوطني العالي للموسيقى، وابن هذه المدرسة ومنها. لك منها، ولك عليها ألف تحيّة وتقدير، أمثالك يكرّمون بموسيقاهم وليس بالكلمات». وبدأت الأمسية بفيلم وثائقي عنه، شارك في إعداده إلى جانب كريستين حبيب، ثم عزف أعضاء الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق– عربية مقطوعات موسيقية، بقيادة الموسيقار أندريه الحاج، وشارك في الغناء 47 منشداً ينتمون إلى كورال «جامعة سيدة اللويزة». وغنت أميمة الخليل أغنية «قلت بكتبلك»، كما غنى الفنان المصري محمد محسن أغنييتن «ركوة عرب» و «يا ساري»، وشارك رامي خليفة نجل مارسيل، في العزف على البيانو. والأمسية في أعلى القاعة بدت أكثر تنوعاً، جمهور خليفة من كل الأعمار، وكل منهم يعشقه على طريقته. يقول جان (51 عاماً) إن خليفة «فنان كان يشكل مثالاً للأغنية الثورية في شبابي، ولا يزال». لكن ذلك لم يمنعه من التماهي مع تجربته الموسيقية التي طورها في السنوات الأخيرة، كما أعجب بالتغيّر الذي طرأ على أمسياته. لهذه الأسباب «لا أفوّت فرصة لحضوره»، وبقي طوال السهرة يدندن مع الكورال ما حفظه من ريبرتوار مارسيل. وتخترق التفرغ للاستماع للموسيقى، وشوشات شباب في مقتبل العمر، يسألون عن موعد صعوده الى المسرح. «جئنا لنشارك في غناء «يا بحرية»». تلك الأغنية التي اعتاد الجمهور التفاعل فيها مع خليفة، باتت لازمة كل أمسية ونكهتها. وصعد مارسيل خليفة المسرح ليؤدي مجموعة من أغنيات حفظها الجمهور عن ظهر قلب. وعلى عادته في تقديم شيء جديد في كل أمسية يحييها، حكى قصة عوده الذي فارقه للمرة الأولى في الأمسية حيث غنى واقفاً. وأشار إلى أنه حين كان طفلاً، طلب من والديه محبتهما، وعوداً. ومنذ ذلك اليوم لم يفارقه عوده في أمسياته. وتزامنت الحفلة التي أهداها لروح المدير العام للأونيسكو الراحل أنطوان حرب، مع ذكرى وفاة والدته. غرق في حزنه، وأغرق عشاقه الذين ضاق بهم قصر الأونيسكو، بالذكريات. غنّى «أحنّ إلى خبز أمي»، فأشعل الجمهور بالحنين، قبل أن يحشد طاقات الحاضرين للتصفيق، وترديد لازمة «يا بحرية». وتضمّن البرنامج أغاني مارسيل ومقطوعاته الموسيقية التالية: «الحنة» من أشعار سميح القاسم، و «يا نسيم الريح» للحلاّج، و«قالوا مشت» لأدونيس، و»خبئيني أتى القمر» لمحمد السويدي، و»في البال أغنية» و «سلام عليك» لمحمود درويش، إضافة إلى المقطوعات الموسيقيّة «تانغو»، «صلاة»، و«لونغا نهوند». وتأتي التي نظمها الكونسرفتوار في مواجهة الواقع الصعب الذي يعيشه لبنان. وكان رئيس الكونسرفتوار بالإنابة حنا العميل، أكد في المؤتمر الصحافي للإعلان عن حفلة مارسيل، الإصرار «على إقامة النشاطات الموسيقية وتعزيزها، فتبقى علامة مضيئة وفسحة أمل للشعب اللبناني». وإلى جانب حفلة خليفة، أعلن العميل عن الحدث الثاني التي يتمثل في العرض الأوبرالي «كافيلييري روستيكانا» بقيادة المايسترو هاروت فازليان وغناء التينور إيليا فرنسيس والسوبرانو كارولين سولاج والباريتون مكسيم شامي.