كان قائد الأوركسترا السمفونية ألفرد هيرتزوغ مسروراً وفخوراً بأن تقود عصاه آل خليفة الثلاثة: مارسيل تأليفاً وعزفاً على العود، ورامي عزفاً على البيانو، وبشار على الايقاعات. أربع حفلات قدمتها أوركسترا كونسرفاتوار بولون - بيانكور بقيادة هيرتزوغ، والكبير بين أفرادها لما يبلغ الخامسة والعشرين، في بيت مري وطرابلس وجامعة اللويزة في زوق مصبح وبشري. وقدمت في أكثر من ساعتين، "ريبرتواراً" من أعمال يوهان ستراوش وجورج بيزيه وموريس رافيل ومارسيل خليفة. وحضرت الى لبنان على حسابها وعزفت البرنامج باتقان وبساطة واحتراف هيهات أن تبلغها فرق موسيقية تدعي الاحتراف... عربياً. وبين أفراد الأوركسترا المؤلفة من 65 عازفاً، رامي 17 عاماً وبشار 15 نجلا مارسيل. الأول أنهى تخصصاً في البيانو حتى أصبح يعزف منفرداً ضمن الفرقة، والثاني ينهيه العام المقبل، "ويتسلى" محترفاً ومصاحباً لهذه الفرقة على المؤثرات الإيقاعية. كان رامي خلال عزفه "كونشيرتو" من مقام "الصول" لرافيل مع الأوركسترا، نقيض صغر سنه وخجله عندما تصافحه متعرفاً اليه، كبيراً خلف البيانو سيداً على ساحته البيضاء، جريئاً وبارعاً، وليس هذا مجرد انطباع شخصي أو عام، بل شهادة من أساتذة كانوا حاضرين، ومنهم بوغوص جيلاليان، وقد هنأ مارسيل برامي "الذي كان رائعاً". أما مارسيل الذي قدم مقطعاً من عمله الأخير "جدل" ذا طابع اندلسي، وحوّله مكتوباً من العود الى الأوركسترا، فأثبت بتجربته هذه ان في امكان الموسيقى الشرقية أن تتصدر وتُعزف موزعة سمفونياً الى جانب الموسيقى الكلاسيكية كان في عمله هذا، كما انطون دفوراك البوهيمي الذي استوحى فولكلور تشيخيا، وقدمه في سمفونية "العالم الجديد". فقدم مارسيل "البنت الشلبية" و"يا بنات اسكندرية" وحتى "قدك المياس" وتقاسيم على العود ملونة بأرباع الصوت، من دون أن تفقد طابعها الشرقي، وان كانت صارخة في كلاسيكيتها، وفي هذه التجربة رد على من يريدون الموسيقى الشرقية مومياء محنطة، ورد على من يعتقدون ان الموسيقى الشرقية تسمح بالأرجل فقط. فكان ان سمعنا بالعقل والقلب... والعين والدهشة. ساحراً كان مارسيل خليفة، عندما أعاد بناء على طلب الجمهور المحتشد، آخر جزء من عمله مع الفرقة، ومؤثراً وسط انجذاب أفرادها اليه وهو يختم السهرة بأغنية "أمي" منفرداً على العود، نزولاً عند رغبة كثر. ومارسيل خليفة كعادته لا يستقرّ ولا يستكين بل هو على سفر شبه دائم، يحيي حفلة هنا وأخرى هناك وآخر إطلالته العربية في "جرش" وهناك التقى جمهوره الكبير.