الكتاب: بونابرت والإسلام - بونابرت والدولة اليهودية الكاتب: هنري لورنس ترجمة: بشير السباعي الناشر: مصر العربية للنشر والتوزيع، 1998. يحتوي كتاب "بونابرت والاسلام - بونابرت والدولة اليهودية" على دراستين مهمتين كتبهما هنري لورنس في أواخر ربيع واوائل صيف 1997، حول مواقف بونابرت السياسية من الإسلام والصهيونية، بالاضافة الى حكاية في عنوان "قناع النبي" تنسب الى بونابرت. وتأتي اهمية الدراستين من صدورهما عن مؤرخ فرنسي بارز متخصص في تاريخ العالم العربي الحديث، وله الكثير من الكتب في هذا المجال: "الحملة الفرنسية في مصر، بونابرت والإسلام" و"المملكة المستحيلة. فرنسا وتكوين العالم العربي الحديث" و"الأصول الفكرية للحملة الفرنسية على مصر. الاستشراق المتأسلم في فرنسا" وغيرها. مثل معاصريه كانت لبونابرت رؤى مزدوجة عن الشرق، فهو المجتمع المتأخر والمتعثر على طريق التقدم، وهو من جهة أخرى الساحة الحقيقية التي يمكن للرجل العظيم، الفاتح والمشرع ان يحقق فيه مآثر عظيمة، لكن هذه الازدواجية إنما تمثل جوهر الموقف الغربي من الشرق والإسلام لأن هذا التأخر هو الذي يسمح وييسر محاولات التحرر من، والقضاء على، عبء الحضارة التي تعترض سبيل تقدم القوة الاوروبية. وهكذا جاء بونابرت الى مصر محملا بهذه الازدواجية، واضعاً في اعتباره أن هناك فرقاً كبيراً بين الشرق والإسلام، بين الوجود السياسي للدولة العثمانية والوجود الديني لها. ولذا نجده اتبع ما يطلق عليه المؤلف: "سياسة المراعاة" التي نجد تلخصياً مكثفاً لها في رسالة بونابرت الى كليبير "22 اب 1799" عند نقل قيادة جيش الحملة الى الاخير: "تعرف أيها المواطن الجنرال، اسلوبي في النظر الى سياسة مصر الداخلية فمن بين الأمور التي يجب ان تضطلع بها ان يكون المسيحيون اصدقاء دائمين لنا. إلا أنه لا يجب ترك الحبل على الغارب لهم، حتى لا يبدي الاتراك ضدنا عين التعصب الذي يبدونه ضد المسيحيين، فهذا من شأنه ان يجعلهم غير متصالحين معنا. وتجب إنامة التعصب ترقبا للحظة التي يتسنى فيها استئصاله. ونحن بكسب رأي كبار مشايخ القاهرة. نكسب مصر كلها وجميع الزعماء الذين قد يكونون لدى هذا الشعب. وليس هناك من هو أخطر علينا من مشايخ لا يعرفون القتال لكنهم، كجميع الكهنة، يلهمون التعصب من دون أن يكونوا هم انفسهم متعصبين". ويظهر في هذه الرسالة موقف بونابرت تجاه الاسلام ورموزه "المشايخ"، ويظهر كذلك أن سياسة المراعاة هي في الحقيقة نوع من الاحتيال والتلاعب. فبونابرت الذي كان يجالس العلماء كثيرا ويناقشهم في أمور الدين، كان يسعى في الوقت نفسه الى تصوير نفسه أمامهم في صورة المهدي المنتظر. "العاقل يعرف أن ما فعلناه بتقدير من الله وارادته وقضائه، ومن يشك في ذلك فهو أحمق وأعمى البصيرة وأعْلموا أيضا أمتكم أن الله قدر في الأزل بعد ذلك أن اجيء من المغرب الى أرض مصر لهلاك الذين ظلموا فيها وأجر الأمر الذي امرت به، ولا يشك العاقل أن هذا كله تقدير الله وارادته وقضاؤه. واعْلموا أيضا أمتكم أن القرآن العظيم صرح في آيات كثيرة. بوقوع الذي حصل واشار في آيات أخر إلى أمور تقع في المستقبل. وكلام الله في كتابه صدق وحق ولا يتخلف". تبحث الدراسة الثانية في "مشروع الدولة اليهودية في فلسطين المنسوب الى بونابرت" الذي زعمت الصهيونية منذ بدايتها بأن نابليون اقترحه خلال الحملة على مصر والشام. واستخدم هرتزل هذه الفكرة خلال المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بال عام 1897 وورد كذلك في كتاب "انكلترا - فلسطين" لهربرت سايد بوتام الصادر بالانكليزية في لندن عام 1918، وحاول اثبات ان "الأسكندر الأكبر وقيصر ونابليون" أيدوا إيجاد دولة قومية يهودية، ليس فقط لاعتبارات عاطفية، وإنما لأسباب تتصل بالواقعية السياسية. فاليهود بوجودهم في فلسطين يشكلون عماد أي كيان امبراطوري في هذه المنطقة من العالم. وترجع البدايات الأولى للبحث في علاقة بونابرت بالصهيونية الى عام 1919 حين أعد السياسي والمؤرخ الصهيوني ناحوم سوكولوف في كتابه "تاريخ الصهيونية" ملفاً كاملاً حول هذا المشروع المنسوب الى بونابرت. ويستند في ذلك الى نصين نشرا في صحيفة "مونيتور انيفيرسي"، الأول في تاريخ العام السابع للجمهورية الفرنسية 22 ايار مايو 1799 وجاء فيه: "نشر بونابرت بياناً في 17 نيسان ابريل 1799 يدعو فيه جميع يهود آسيا وإفريقيا الى الانضواء تحت رايته من أجل إحياء اورشليم القديمة. وقام بالفعل بتسليح عدد كبير منهم". والثاني بتاريخ 27 حزيران يونيو 1799: "عن الفتح الوشيك للامبراطورية العثمانية من جانب بونابرت، نترقب تأكيد هذه الانباء السعيدة. وإذا كانت سابقة للأوان فإننا نود أن نصدق أنها سوف تتحقق يوما ما". اما البيان المنسوب الى "بونابرت" فيرجع اكتشافه الى تموز يوليو 1940 على يد يهودي نمساوي يدعى فرانتس كوبلر وذلك بعد أن أرسله اليه لاجئ يهودي نمساوي يدعى ارنست فوغيس على هيئة نص مكتوب على الآلة الكاتبة بوصفه ترجمة لنص عبري ضائع لبيان بونابرت الشهير وجاء فيه. "القيادة العامة أورشليم، الأول من شهر فلوريال من العام السابع - 20 نيسان ابريل 1799، من بونابرت القائد العام لجيوش الجمهورية الفرنسية في افريقيا وفي آسيا الى ورثة فلسطين الشرعيين. أيها الاسرائيليون يامن تشكلون أمة فريدة، والذين على مدار آلاف من السنين تمكنت شهوة الفتح والاستبداد من حرمانهم من أراضي أجدادهم وحدها، ولكن ليس من اسمهم ووجودهم القومي.