الكتاب: "بونابرت والإسلام ، بونابرت والدولة اليهودية" المؤلف: هنري لورنس المترجم: بشير السباعي الناشر: مصر العربية - القاهرة - 1998 بعد أكثر من سبع سنوات على ظهور دراسة هنري لورنس حول "مشروع الدولة اليهودية المنسوب الى بونابرت"، والتي تتمثل أطروحتها الرئيسية في أن البيان الذي اقترح فيه نابليون بونابرت إنشاء دولة يهودية هو بيان مزور، ظهر البيان نفسه مجدداً في الجزء الأول من كتاب الصحافي المصري البارز محمد حسنين هيكل "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل"، الصادر في آذار مارس 1996. ترجمة هيكل لهذا البيان لم تكن الأولى إذ تضمنتها النسخة العربية لكتاب ريجينا الشريف "الصهيونية غير اليهودية" الصادر في الكويت العام 1985. وأثارت ترجمة هيكل ردود فعل صاخبة لدرجة أن رهطاً من الصحافيين المصريين اعتبرها كشفاً تاريخياً ينسب اليه. ويلاحظ أن مترجم الكتاب الذي بين أيدينا لا يكتفي بأن يثبت أن نشر هيكل للبيان المنسوب إلى بونابرت لا يعد شيئاً جديداً، وإنما يتهمه أيضاً بإضافة تزوير جديد الى البيان المزور أصلاً. والجزء الثاني من الكتاب وعنوانه "نابليون والدولة اليهودية" مُخصص، على أي حال، للبحث عن اصل ذلك البيان وإثبات تزويره. اكتشف البيان يهودي نمسوي كان يقيم في انكلترا بعد احتلال النازيين للنمسا، يدعى فرانتس كوبلر، في تموز يوليو 1940، بعد ان ارسله اليه لاجئ يهودي آخر من النمسا يدعى ارنست فوجيس مكتوباً على الآلة الكاتبة بالألمانية. ويبدو أنه ترجم عن اصل عبري كتبه حاخام القدس في زمن الحملة الفرنسية على مصر وأرفق به رسالة تؤكد صحته. والنص الأصلي للترجمة اختفى في غمار الحرب العالمية الثانية. ويخلص لورنس الى أن الدراسة اللغوية المستخدمة في الترجمة الألمانية مميزة لتعبيرات اللغة الألمانية في أواخر القرن الثامن عشر، وان فوجيس يتحدر من عائلة حاخامات براغ في العصر ذاته. ويشير إلى أن بحثاً أشمل أكد أن النصين الترجمة والرسالة الحاخامية لا يمكن أن يصدرا إلا عن "الحركة الخلاصية اليهودية الفرانكية" التي كان لها نشاط ملحوظ في بوهيميا في القرن الثامن عشر، موضحاً أن كوبلر سارع لنشر الوثيقتين في ايلول سبتمبر 1940 بالإنكليزية. ويرى لورنس أن الشك في صحة البيان الصادر عن "القيادة العامة - اورشليم" في الأول من شهر فلوريال من العام السابع 20 نيسان/ ابريل 1799 يرجع الى ان المكان المزعوم لصدور البيان هو القدس أورشليم وبونابرت لم يدخل قط هذه المدينة، بل أجبرت المقاومة حملته على البقاء في السهل الساحلي. ويوضح أن كل البيانات الصادرة عن بونابرت تخلو من أي ذكر لأورشليم، كما أن عدد اليهود في بلاد الشام في أواخر القرن الثامن عشر لم يكن يتجاوز 25 ألف نسمة اقل من 2 في المئة من السكان المحليين كان نصفهم يعيش في المدن الأربع القدس والخليل وصفد وطبرية، وبونابرت كان يسيطر على صفد وطبرية، في حين كان النابلسيون يهيمنون على المدينتين الاخريين، ومن غير المرجح نشوب انتفاضة يهودية فيهما لمصلحة الفرنسيين في مقابل وعد بإقامة دولة لليهود. ويشير الى أن خوف أولئك اليهود من اتهامهم بالخيانة لمصلحة بونابرت ألجمهم وجمّد نشاطهم. كما أن اسماء الحاخامات المشار اليها في النص مختلفة تماماً ولا تتطابق مع أي شيء معروف عن الجماعة اليهودية في القدس في ذلك الوقت. وإذا اضفنا الى ذلك على حد تعبير لورنس أنه لا يوجد في الارشيفات الفرنسية أي مؤشر الى هذا البيان، وأن أياً من شهود الحملة، وما أكثرهم، لا يذكر هذا النص… فإنه لا بد أن يكون مزوراً. ويرى المترجم أن هيكل أدخل تزويراً على النص المزور بأن حذف التاريخ والمكان المزعومين لصدور البيان، إذ يشير هيكل الى أن البيان صدر أمام أسوار القدس على رغم أن نابليون لم يقترب من تلك الاسوار وإنما وقفت قواته قطعاً أمام أسوار عكا. كما أن هيكل يشير الى نقل البيان من ارشيف الحملة الفرنسية التي نقب فيها لورنس من قبل من دون أن يجد ما يسند صدور البيان عن بونابرت. أما الجزء الأول من الكتاب فيتضمن نص محاضرة هنري لورنس التي القاها مساء الأربعاء 7 ايار مايو 1997 في المركز الثقافي الفرنسي في القاهرة تحت عنوان "بونابرت والإسلام" ويقول فيها لورنس إن شخصية بونابرت ترتبط ارتباطا وثيقاً بالشرق، وأن اتصاله الأول بالشرق كان يمر عبر قراءاته في زمن شبابه وشملت كل كتابات الفلاسفة خصوصاً فولتير ومونتسكيو وروسو التي تتحدث عن الإسلام. ونعرف من المحاضر أيضاً أن نابليون قرأ عامي 1788 و1789 وعلّق على كتاب "مذكرات حول الترك والتتر" للبارون دو توت الذي ساهم في تشكيل رؤيته الى العالم الإسلامي. كما أن نابليون، في الحادية عشرة من عمره، كتب حكاية شرقية قصيرة مستمدة من كتاب "تاريخ العرب" لماريني تحت عنوان "قناع النبي"، ودارت حول تمرد ضد واحد من الخلفاء العباسيين قاده نبيّ كاذب يدعى ابن حكيم. ويقول لورنس إن نابليون خرج من تلك الحكاية بفكرة أنه بوسع المرء دفع الجماهير المسلمة الى الثورة إذا ما قدم نفسه اليها في صورة رجل دين، وإذا ما تحرك في اتجاه طموحاتها الاجتماعية والقومية، إذ أنه كان يرى أن الإسلام هو وليد طموح العرب القومي الى الاتحاد والى فتح العالم. يعرج لورنس في محاضرته الى سؤال ضروري وهو: هل كانت الحملة الفرنسية على مصر مجرد مرحلة في مسيرة الفتح أم أنها ارادت تحقيق حلم شرقي راود مخيلته منذ زمن بعيد؟ يجيب لورنس إن حلم بناء امبراطورية داعب خيال نابليون بالتأكيد، إلا أنه لم يغب عن بصره قط تطور فرنسا السياسي الداخلي وامكانات الاستيلاء على السلطة في باريس. وفي مخاطبته للمصريين لم يتردد الجنرال الفرنسي في اعلان تفوق الشريعة الإسلامية "أرجو ألا تتأخر اللحظة التي يتسنى لي فيها جمع كل الرجال الحكماء والمثقفين في البلاد مصر واقامة نظام متسق قائم على مبادئ القرآن، وهي المبادئ الصحيحة الوحيدة والقادرة وحدها على تحقيق سعادة البشرية". بل إن بونابرت كان يجالس علماء الأزهر ويسألهم عن الدين الإسلامي في الوقت الذي يسعى الى ان يصور نفسه أمامهم على أنه "المهدي المنتظر".