مشكلة اختلاط المفاهيم العامة، هي إحدى أكبر المشاكل التي تعاني منها العقلية العربية. نحن لا زلنا وبعد اثنتين وستين سنة من زراعة دولة الكيان الصهيوني في فلسطين، نخلط بين مفهومي الصهيونية واليهودية. ولذلك ترى كثيرًا منا يناصبون اليهود عامة العداء، رغم وجود عدد لا بأس به من اليهود الشرفاء الذين ينتشرون حول العالم. اليهودية دين سماوي، واليهود هم أهل الكتاب حسب تسمية القرآن لهم وتوصيفه إياهم. أما الصهاينة من اليهود، فهم الذين يؤمنون بأسطورة أرض الميعاد وحق اليهود التاريخي في فلسطين. المهم في الأمر أن جزءًا من اليهود، لا يؤمنون بالصهيونية ويعارضون الأسس الفكرية التي قامت عليها، إلى درجة أن بعض رجال الدين اليهود شكلوا منظمات لمناهضة الصهيونية ولنسف شرعية دولة إسرائيل التي يعتقدون أن إنشاءها واستمرارها هو تحدٍ صريح لمشيئة الرب. ولعل جماعة (ناطوري كرتا) هي أهم الجماعات المعروفة بتشددها في عدم القبول بوجود ما يسمى بدولة إسرائيل. لكن ما لا يعرفه البعض أن الصهيونية العالمية ليست مقصورة على اليهود، وأن أساس فكرة الصهيونية لم يتفتق عن ذهن يهودي وإنما كان ناتجًا عن دعوة أطلقها الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت الذي فشلت حملته على الشرق، فطرأ على باله منح اليهود وطنًا قوميًا في فلسطين مقابل الدفاع عن المصالح الاستعمارية الفرنسية في المنطقة. البريطانيون أيضًا أعجبتهم الفكرة وظلوا يناقشونها حتى تأكدوا من ضرورة تبنيها بمجرد أن أصبحت الدولة العثمانية آيلة للسقوط. وربما يكون نجاح محمد علي باشا في محاولاته للاستيلاء على الأقطار العربية الخاضعة للحكم العثماني وتوحيدها في كيان واحد، هو سبب آخر مهم أقنع البريطانيين بضرورة زراعة هذا الكيان القادر على إجهاض أية محاولة للنهضة العربية أو أية خطة لتحقيق الوحدة العربية أو الإسلامية. منذ تلك الفترة بدأت الصهيونية تتحول من مجرد فكرة إلى مخطط وتنظيم وحركة استعمارية عالمية ضمت الكثير من السياسيين والكتاب والمثقفين وكل أصحاب التأثير في الغرب. وفي زمننا توسعت الحركة الصهيونية فضمت بعض العرب الذين تتقاطع مصالحهم الشخصية مع مصالح ومخططات الغرب الاستعمارية في المنطقة. هناك فارق واضح بين اليهودية والصهيونية. [email protected]