نيسان ابريل هو شهر ولادة ادولف هتلر، وشهر موته. ولذلك كان من "الطبيعي" لابناء هتلر وورثته، لا سيما في بريطانياوالولاياتالمتحدة، ان يحتفلوا بالمناسبتين معاً، ويجعلوا من شهر الذكرى المزدوجة شهر العنف والدماء. في الولاياتالمتحدة أسفر الأمر عن مقتل وجرح عشرات الطلاب على يد رفيقين لهما يشتبه بانتمائهما الى تنظيم نازي صغير وعنيف. وفي لندن تحركت مجموعة أو أكثر، تفترض الشرطة أنها نازية الانتماء، لتفجير القنابل والعنف في أحياء يقطنها الآسيويون والملونون. بالنسبة الى الهتلريين الجدد، هتلر حاضر لا يموت، لأن أفكاره لا تموت. بالنسبة اليهم دخل الرجل الأسطورة تحديداً يوم الثلاثين من نيسان ابريل 1945، أي في اليوم الذي شهد نهايته، حين تبين له بشكل قاطع انه خسر رهاناته كلها، وانهزم في الحرب العالمية الثانية أمام الحلفاء، ولم يجده نفعا العنف والقتل والدمار، وكل تلك الجرائم التي سترتبط باسمه الى أبد الآبدين، جاعلة منه عدو البشرية، ولكن في الوقت نفسه "المثل الأعلى" لكافة أنواع العنصريين والفاشيين والمتعصبين في العالم أجمع. فما الذي حدث في ذلك اليوم؟ في ذلك اليوم انتحر أدولف هتلر. إذ، في اللحظات نفسها التي كان فيها الجنود السوفيات الذين حرروا برلين، يطرقون على أبواب مبنى المستشارية، ليدخلوا ويعتقلوا هتلر، كان هذا الأخير يتسلل الى غرفته. وبعد تسلله بدقائق سمع صوت طلقة رصاصية، أسرع معاونوه الى الغرفة ليعثروا عليه مقتولاً فوق كنبة وقد اخترقت رصاصة فمه، والى جانب مسدس ملقى لا يزال ساخناً. والى جانب جثة هتلر، كانت هناك جثة عشيقته ايفا براون، التي كان اقترن بها قبل يوم واحد. هي لم تكن مصابة بطلق ناري، بل ماتت مسمومة. ولسوف يتنبه العالم الى أن انتحار هتلر وايفا، جاء بعد عشرة أيام من احتفالهما الصاخب بالعيد السادس والخمسين لمولد الزعيم النازي. أما الذين تابعوا حياة هتلر، خلال أيامه الأخيرة، فلسوف يروون انه أمضى تلك الأيام، التي تلت ادراك الجنرالات وكبار السياسيين المتعاونين مع الفوهرر بأن الحرب انتهت بهزيمتهم، أمضاها وهو يتحدث، بعد، عن الانتصار الوشيك، ويصدر الأوامر بشن هجومات مضادة ضد الحلفاء، الى جيوش لم تعد ذات وجود. وعلى ذلك النحو كانت نهاية ذلك "الفتى النمساوي الذي أمضى صباه وهو يرسم صوراً على البطاقات البريدية ليكسب ما يقيم أوده، وأنهى حياته مسؤولا عن مقتل اكثر من 30 مليون شخص في طول أوروبا وعرضها، من بينهم ملايين الألمان"، حسبما تقول صحافة العالم في ذلك الحين. بقي أن نذكر ان هتلر، الذي انتحر وعشيقته، بعد يومين فقط من "اعدام" حليفه الايطالي بنيتو موسوليني، برفقة عشيقته ومساعد له، هو الآخر، وفي نفس الشهر الذي مات فيه زعيم التحالف الذي قام ضده وضد "المحور"، أي الرئيس الأميركي روزفلت، خلف لدى انتحاره وصية يقول فيها ان "ما حدث" لم يكن الذنب فيه ذنبه، بل "ذنب الأميركيين والانكليز، الذي وضعوا أنفسهم في خدمة مؤامرة يهودية - بلشفية" لذلك يتعين لوم هؤلاء كلهم. ولكن هل يقع اللوم، في ذلك، على الأعداء وحدهم؟ "ابدا، يقول هتلر في وصيته، فالجنرالات ايضا كانوا عاجزين عن تحقيق النصر، كما ان رفاقي الأقربين تخلوا عني حين اشتد الخناق علينا" والحال ان هتلر أمضى جزءاً من آخر أيامه، وهو يتجول بين المتاريس والمواقع العسكرية والرسمية في برلين متحدثاً كالمجنون عن "الخيانات" و"مظاهرا لجبن" و"التواطؤ" و"الأكاذيب" التي جابهه بها أقرب حلفائه اليه حينما "خيل اليهم" ان الهزيمة باتت قريبا. بالنسبة الى هتلر، لم تكن الهزيمة محتمة، رغم الظواهر التي تشير الى ذلك. كان حتى لحظاته الأخيرة يؤمن بمعجزة ما، تؤكد الى الأبد تفوق العنصر الجرماني، وبأن النازية لا تقهر، حتى ولو احتل الحلفاء برلين كلها. وهم بالفعل احتلوا برلين في ذلك اليوم، ووصلوا الى أبواب المستشارية وهو لا يزال حياً، لكنه ظل غير مصدق لما يحدث، حتى طرقوا على الأبواب، فأبى أن يمسكوا به وهو حي. ولذلك انتحر، انتحر وهو "واثق" كما سيقول الكثيرون عنه بعد ذلك، بأن النازية نفسها لن تموت. وفي هذا على الأقل، كان هتلر على حق، وتأتي الأحداث الأخيرة في لندن ودنفر لتؤكد هذا. ولكن هل كان الأمر بحاجة الى تأكيد، وأوروبا باتت مليئة الآن بميني متطرف لم يعد يخيفه أويخجله على الأقل، اعلان انتمائه الى الفكر الهتلري، واتخاذه غير الأوروبيين المقيمين في بلدانهم، هدفا لاعتداءاتهم وتعصبهم؟