كتبت في مطلع هذا الاسبوع، بعد يوم من بدء العمليات الحربية ضد يوغوسلافيا، عن اوجه شبه كثيرة بين صدام حسين وسلوبودان ميلوشيفيتش. وأزيد في نهاية الاسبوع اوجه شبه اخرى تمخض عنها القتال. لعل ابرز تشابه هو وجود حلف غير معلن بين الرئيسين العراقي والصربي ضد الولاياتالمتحدة، فكل من البلدين يريد اسقاط طائرة اميركية سقطت طائرة في يوغوسلافيا الا ان طيارها انقذ، ولكن اسر ثلاثة جنود على الأرض. ويملك البلدان اسلحة متشابهة، اهمها صواريخ سام - 6. غير ان الجنرال السير تشارلز غوثري، رئيس الاركان البريطاني، يقول ان صدام حسين نصح ميلوشيفيتش بعدم استعمال افضل الاسلحة في البداية، بل الاحتفاظ بها حتى الجولات الاخيرة من القتال. ويضيف السير تشارلز ان العراقيين ساعدوا الصرب في التمويه، ببناء مواقع صواريخ غير حقيقية، املاً بأن توجه طائرات "الناتو" ضرباتها اليها، كما قدموا تفاصيل عن تخبئة الصواريخ الحقيقية في صوامع تحت الأرض، بعضها قادر على تحمل ضربات مباشرة من الجو. وكان خبراء يوغوسلافيون زاروا العراق اخيراً، وتفقدوا الدفاعات العراقية ضد الغارات الحليفة. ويقول خبراء آخرون ان العراق يملك شيئين يحتاج اليهما الصرب كثيراً هما البترول والمال، وان صدام حسين اتخذ قراراً بمساعدة يوغوسلافيا، ربما اقتناعاً منه بأن القوات الاميركية غير قادرة على خوض حربين اقليميتين في وقت واحد، وهي نقطة اثارها الخبراء العسكريون الاميركيون باستمرار منذ نهاية الحرب الباردة. والمنطق يقول انه اذا كان صدام حسين صمد للغارات الحليفة ضد بلاده، فإن ميلوشيفيتش قادر على الصمود، فهناك فرق كبير بين حرب الخليج، والحرب على يوغوسلافيا، لأن القوات الحليفة حشدت ضد العراق 2700 طائرة مقاتلة قامت بألف طلعة في اليوم عندما اشتد القتال. اما يوغوسلافيا فتواجه اليوم 400 طائرة فقط، لا تقوم بأكثر من 50 طلعة في اليوم. وطبعاً فقد كان هناك 800 الف جندي في وجه العراق، ولا جنود على الأرض اليوم في وجه يوغوسلافيا. والنتيجة هي ما عبرت عنه مجلة "الايكونومست" في عددها الاخير، فقد اشارت الى اللاجئين من كوسوفو، وسألت على الغلاف: هل هم ضحايا الصرب او الناتو؟ القمع الوحشي للسكان هو وجه شبه آخر بين صدام حسين وميلوشيفيتش، وسؤال المجلة الاقتصادية البريطانية يذكرنا بالحملة الرهيبة على الشيعة في جنوبالعراق، بعد ان شجعهم الاميركيون على انتفاضة ضد النظام في بغداد. واليوم يقتل الألبان في كوسوفو ويهجرون وتحرق مدنهم وقراهم، فيما لا تفعل القوات الغربية شيئاً سوى شن غارات جوية لم تردع الصرب، بل جعلتهم يضاعفون حملة التطهير العرقي في كوسوفو الصرب يقولون ان كوسوفو ارض "مقدسة" من صربيا "الخالدة"، ويذكرون بمعركة فيها مع الأتراك في القرن الرابع عشر، تماماً كما فعل صدام حسين وهو يتحدث عن "ام المعارك" وعن "المنازلة" و"المبارزة" كأنه يخوض حرباً بالسيف والترس ضد اميركا. المهم من هذا كله ان وحشية صدام حسين ضد الكويت وضد شعبه منعت الطرف الآخر من التفاوض معه، وان وحشية ميلوشيفيتش ضد البان كوسوفو ستجعل من الصعب جداً على التحالف الغربي الجلوس معه من جديد حول طاولة مفاوضات. لذلك كان البحث عن وسيط بين الجانبين. ولم تكن صدفة، انه فيما كان العالم كله يتحدث عن وحشية الصرب، ومحطات التلفزيون تبث صوراً مؤلمة عن قطارات اللاجئين، بشكل لم تعرفه اوروبا منذ شحن هتلر اليهود في قطارات الى معسكرات الموت، كان مسؤول دولي عن وضع حقوق الانسان في العراق ينشر قبل يومين تقريراً لاذعاً عن تجاوزات النظام العراقي. ولم يقل المحقق ماكس فان در ستول شيئاً لا نعرفه نحن عن النظام العراقي وحرمانه شعبه حرية التعبير والتجمع، وممارسته القمع والارهاب والقتل للبقاء في السلطة. ولو صدر تقرير غداً عن تجاوزات النظام في بلغراد لما فوجئنا ايضاً بمحتوياته. غير ان ما يجمع بين صدام حسين وسلوبودان ميلوشيفيتش في النهاية، هو ان الغرب يبدو عاجزاً عن اطاحة احدهما او الآخر، او غير راغب في ذلك، والنتيجة زيادة معاناة الناس في مناطق القتال، وتثبيت النظام الخارج على القانون الدولي، من حيث اريدت زعزعته، بخلق عدو له يركز النظام عليه لتحويل الانظار عن كل تقصير له، ان في خدمة شعبه او في تعامله الدولي. وكان يفترض ان تتعلم الولاياتالمتحدة الدرس من العراق، الا انها لم تفعل، وانما تكرره اليوم في يوغوسلافيا.