النائب الفرنسي بيار لولوش هو المسؤول عن شؤون الهجرة في حزب "التجمع من أجل الجمهورية" وهو حزب الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي يرأسه حاليا رئيس الجمعية الوطنية السابق فيليب سيغان. قال لولوش وهو فرنسي مولود في تونس: "في الحقيقة الكل في فرنسا، بما في ذلك أحزاب اليسار، توصّل الى قناعة بأن نظام الإندماج على الطريقة الفرنسية لم يعد فاعلا. وهناك خبث عميق في هذا البلد يتمثّل من جهة بالسماح للمهاجرين بالدخول الى فرنسا ومن جهة أخرى تركهم وعدم الإهتمام بمصيرهم. أي أن فرنسا تخزّن مجموعات من الأشخاص يدخلون اليها في ظروف إقتصادية ومالية صعبة جدا تضعهم في الضواحي الصعبة وتعتمد على النظام القائم لإنقاذهم. وهذا يؤدي الى نشوء أطفال وشبّان ضائعين وعائلات لا تملك شيئا مما يؤدي الى بروز العنف في الأحياء المعزولة". أضاف "أنا عشت الإنتقال من البلد الذي ولدت فيه وهو تونس، فأهلي فرنسيون وولدت فرنسيا في تونس وعشت انتقال "les pieds noirs" أي المغاربة من أصل فرنسي، وأعرف صعوبة ذلك حتى لمن يكون فرنسيا، فكيف لمن يكون جزائريا أو ماليا ويدخل الأراضي الفرنسية في ظروف صعبة جدا". وتابع عندما يكون الأهل غير ملمين بالنظام والهيكلية الفرنسية، يؤثر ذلك على اولادهم، ويجدون انفسهم داخل دوامة العنف والنبذ والآن نحن أمام الجيل الثاني وقريبا سنصبح أمام الجيل الثالث الذي لا يعتبر نفسه لا فرنسيا ولا جزائريا أو ماليا فيجد هؤلاء أنفسهم مهمّشين وهم يرغبون بالدخول في بنية المجتمع الفرنسي، ويكتشفون ان ذلك ليس ممكناً لهم. ومضى يقول أن "مستوى المدارس في هذه الضواحي ينخفض. بالإضافة الى أن وزارة التربية الوطنية ترسل الى هذه الضواحي معلمين في بداية حياتهم المهنية لكي يدفعوا ثمن دخولهم الى الادارة العامةFonction publique وهذا هو حال الشرطة والمعلمين والموظفين في البريد، وسرعان ما يفوق حجم العمل طاقاتهم مما يؤدي الى وضع خطير ومشاكل كبرى". وقال لولوش "هناك مواقف ايجابية في اوساط المهاجرين ذوي النية الحسنة الذين يؤمنون ان فرنسا هي أرض حقوق الانسان والحريات وهؤلاء يسكنون هنا في وسط باريس في الدائرتين 8 او 16 من باريس وليس في الضواحي الصعبة في "غارج لي غونس" أو "فو ان فولان"، ومن جهة أخرى هناك واقع صعب جدا في هذه الضواحي حيث يقيم فرنسيون أصليون وهم عموما "pieds noirs" أو برتغاليون فهؤلاء ينتقلون الى حزب الجبهة الوطنية". وأوضح "لقد شهدنا في فرنسا ارتفاعا متلازما لهجرة غير منظمة وغير خاضعة لأي رقابة، وشهدنا تزايد تأثير "الجبهة الوطنية"، وشهدنا تدهوراً في الأمن، مما يعني أن النظام الجمهوري الذي ننتمي اليه يواجه صعوبات كبرى في ادارة هذه الظواهر". ورأى أنه "من البديهي أنه لا ينبغي معالجة مشكلة الضواحي والهجرة من زاوية واحدة هي القمع أو حظر الدخول عبر الحدود، أو من زاوية مضادة تعتمد على فرص الاندماج، فكل هذه الأمور مرتبطة ببعضها وهي صعبة الإنجاز. ولذلك فإن الكل عاجز أمام الواقع". وقال "نحن في حزب التجمع أردنا عبر القوانين المعروفة بإسمي وزيري الداخلية باسكوا ودوبري تشديد اجراءات الدخول الى فرنسا لأننا وجدنا أننا لم نعرف حتى الآن كيف ندمج المهاجرين الموجودين لدينا وإذ أردنا أن نحقّق ذلك ينبغي وقف الافواج المستمرّة من المهاجرين الذين كثيرا ما يدخلون خفية ويمكثون على الأراضي الفرنسية وبعد ذلك تضفى الشرعية على وجودهم كلما يعود الاشتراكيون الى الحكم". وذكر لولوش أنه "هناك 150 ألف مهاجر غير شرعي حصلوا على إقامات في سنة 1981 وتمت مؤخرا عملية مماثلة حصل بموجبها 80 ألف الى 100ألف مهاجر غير شرعي على إقامات وما تبقّى منهم سيحصلون لاحقا على اقامات. لكن هذا ليس هو الحل". أضاف "نحن أردنا التشدّد في القوانين ولكننا لم نذهب بها بعيدا مثلما كان ينبغي. فينبغي لبلد مثل فرنسا وقد كتبت هذا الرأي منذ زمن طويل اعتماد نظام "الكوتا" الذي يحدّد سقفا للهجرة. فمن المستحيل القول أن الهجرة ممنوعة خصوصا أن فرنسا تحتاج الى الهجرة نظرا لضعف نمو السكان فيها، ولكن من حق الدولة ان تحدّد الذين يحق لهم الدخول الى البلد حسب أصلهم وقدراتهم تجنبّا لنشوء "غيتوهات" لجاليات دينية أو عرقية تشعر بأنها منقطعة عن باقي الدولة وهذا ما يحدث حاليا. وفي ما يخص الإسلام قال لولوش هناك خصوصية في هذا الوضع لا تعترف بها الاوساط الفرنسية المثقفة. فكثيرا ما نسمع وزير الداخلية الفرنسي جان بيار شوفنمان يقول بأن كل المهاجرين مماثلون لبعضهم البعض، لكن هذا غير صحيح. لقد كنت لمدة أربع سنوات نائبا لضاحية صعبة جدا "سارسيل" و"غارج لي غونس" و"فيليي لوبيل" وأنا أعرف ذلك عن كثب، فالعائلة البرتغالية لا تتصرّف مثل العائلة المالية ولا تواجه نفس المشاكل ، فتقاليدها الدينية والعائلية مختلفة". أضاف أن العائلات اليهودية أو الأرمنية أو الجزائرية أو المغربية أو التونسية تختلف عن بعضها، والأفارقة ليسوا في نفس الأوضاع ولا الآسيويين. إذن، كل هذه العوامل تختلف من جالية الى أخرى، ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار". واعتبر أن "هناك خبثاً فرنسياً آخر نتيجة الولاء الجمهوري الذي يلغي الاختلاف بين الأديان. فعلى الفرنسي ان ينتمي الى جمهوريته ويحق له بعدها ان يكون من أي ديانة مختلفة لأنها قضية خاصة ولكن الأمر ليس كذلك في الواقع لأن هناك روحاً تخيّم على جميع الجاليات وتختلف في كل منها". وقال "نحن لا نعرف إدارة هذا الوضع، والنتيجة أنه في ما يخص الإسلام فالجاليات المسلمة الافريقية تختلف عن الجاليات المسلمة المغربية وتختلف عن الجاليات التركية مما يؤدي الى نظام no man's land غير منظّم. فمثلا هناك ترتيب للدين الكاثوليكي في فرنسا وذلك منذ القدم في ظل قانون يفصل الكنيسة عن الدولة وهذا احتاج الى سنوات عديدة من الحوار والنقاش لكي يتحقق، كذلك الأمر بالنسبة للبروتستانت ولليهود أما بالنسبة لمسلمي فرنسا فلا يوجد أي ترتيب". أضاف أنه على عكس الديانات الاخرى، فإن الجوامع تقع تحت تأثيرات مختلفة وليس هناك رأس لها ولا تنظيم، وليس هناك حوار لترتيب الأمور، فهذه مشكلة حقيقية. ليس هناك حوار بين المسلمين الموجودين في فرنسا وهو حوار مهم اذ ان العدد كبير، هناك ملايين من المسلمين والاسلام هو الدين الثاني في البلد. وليس هناك أي حوار بين الاسلام والجمهورية. فالحكومات الأجنبية تعيّن "الأئمة". وكان باسكوا حسّاساً جدا حيال هذه المشكلة وكنّا نمضي ليالي في الجمعية الوطنية لمحاولة مناقشتها. ومما يعقّد الأمور أيضا الانقسامات الكبرى في الجاليات الاسلامية في فرنسا ومصادر هجرتها. وأشار الى أنه عندما "تقبل أن تعين الحكومات الاجنبية الائمة فإن ذلك بمثابة قيام روما بتعيين الكهنة في القرى الفرنسية أو تعيين حاخامات فرنسا من قبل اسرائيل وهذا ليس غير مقبول. ولكن هذا ما يحصل مع المسلمين والكل يتظاهر بأنه لا يرى . وهذا موضوع حقيقي وهناك خبث كبير لأن رؤساء البلديات غير مستعجلين لرؤية تنظيم المساجد ولا المدارس التي ينشئها الأئمة. وهذه مشكلة أصبحت خطيرة جدا يجب ان يصبح مسلمو فرنسا مسلمين فرنسيين وألا يبقوا تحت رقابة وتأثير الخارج وعدد كبير منهم يتمنى ذلك". وعن موقف حزب التجمع الديغولي من "الجبهة الوطنية" وما تقوله بالنسبة للهجرة، قال لولوش "نحن نقول لهم أنه ينبغي اعادة سلطة الدولة الى الضواحي" ومن الملاحظ ان الذين ينتمون الى الجبهة الوطنية ليسوا غالبا الذين يسكنون بقرب الجاليات الاجنبية فمستوى شعبية الجبهة الوطنية هو في مناطق صغرى وفي قرى ليس فيها أجانب لأنهم يخافون من ذلك. أضاف أن "الكل يعرف ان المغاربة يصلون عبر اسبانيا وايطاليا حتى ان السلطات الاسبانية والايطالية مدركة كليا لذلك. وفي فرنسا مثلا خادمات من أصل فيليبيني دخلن من امستردام وانتقلن الى الأراضي الفرنسية بالقطار أو بالسيارة. واعترف لولوش بأن أيّا من اليمين أو الاشتراكيين لم ينجح في مواجهة مشكلة الهجرة والضواحي ولكنه أكدّ أن هناك جانباً مهماً لهذه المشكلة الداخلية وهو جانب السياسة الخارجية والتعاون مع الدول التي تصدّر هذه الهجرة. وقال ان فرنسا واوروبا أخفقتا كليا في سياستهما للتعاون في افريقيا ونحن لسوء الحظ نختلف كليا في هذا عن اليابان او الولاياتالمتحدة اللتين استثمرتا اموالا باهظة للتعاون . فمثلا اليابان استثمرت مليارات لتطوير مناطق جنوب شرق آسيا وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة في اميركا الجنوبية، أما نحن فكل الحكومات الفرنسية دون استثناء اهملت التعاون في افريقيا، واوروبا لم تهتم قطعيا بافريقيا واكتفت فرنسا بسياسة محسوبية في ظل انظمة موالية للمصالح الفرنسية بغض النظر عن نزاهة هذه الأنظمة الافريقية التي عوض أن تهتم بتنمية شعوبها اهتمت بجمع أموالها في البنوك السويسرية.