بات شائعاً في فرنسا التمييز بين «الجبهة الوطنية الفرنسية» (اليمين المتطرف) في عهد مؤسسها ورئيسها السابق جان ماري لوبن، والجبهة في عهد ابنته مارين لوبن التي تولت رئاستها عام 2011. جبهة لوبن الأب كانت تعبيراً فجّاً عن كل ما هو انطوائي ضيق الأفق، ورافض للآخر أياً يكن، تَبْني موقفها على الاستعداء والاستفزاز، ما جعلها بمثابة مجموعة متقوقعة على أطراف الخريطة السياسية الفرنسية. أما جبهة لوبن الابنة فتوحي بأنها بمثابة نقيض لجبهة المؤسس، في سياق الانفتاح والديناميكية والرغبة في الحوار بعيداً من الرعونة السابقة، مدفوعة بالرغبة في أن تكون لها مكانتها إلى جانب القوى الأخرى السياسية. والواقع أن لوبن الابنة نجحت من خلال تنقيحها صورة جبهة والدها وأسلوبها، في كسر العزلة من حولها، وتحقيق اختراق واضح على الساحة السياسية الفرنسية، إذ باتت في مصاف القوى التقليدية (اليسار الحاكم والمعارضة اليمينية) وسط ترجيحات باحتمال تقدّمها على اليسار. وعملية التنقيح هذه ما كانت لتكفي لولا أنها تزامنت مع معطيات موضوعية، جاءت لمصلحة الجبهة الوطنية بحلتها الجديدة، وفي طليعتها اشتداد الضائقة الاجتماعية والاقتصادية، وبلوغ استياء الرأي العام من الأحزاب التقليدية ذروة تعتبر سابقة. وهذا التقدم في موقع الجبهة يبدو واضحاً عبر الاستطلاعات المتكررة، وآخرها الاستطلاع الذي نشرت نتائجه صحيفة «لوباريزيان». وهي تشير إلى أن اليمين المتطرف سيحلّ في الطليعة في الانتخابات المناطقية التي تشهدها فرنسا في 22 آذار (مارس) الجاري. وعشية هذه الانتخابات التي تستأثر بترقُّب عام لأنها تعدُّ استفتاءً فعلياً على شعبية كل من الأحزاب، برز ما يشير بوضوح إلى أن لوبن الابنة رمّمت واجهة جبهتها بهدف تسويقها لدى الفرنسيين، لكن أسسها وذهنيتها المتهالكة لا تزال على حالها. وأطل الاهتراء التقليدي في ذهنية الجبهة، تحديداً العداء للعرب والمسلمين، عبر مواقف عدد من مرشحي الجبهة لانتخابات المناطق، والتي تناقلها الإعلام الفرنسي، مثل صحيفة «ليبراسيون». وتداول الفرنسيون ما وضعه مرشح الجبهة في بوردو، فرنسوا جيي على «فايسبوك»، إذ كتب: «نحن جميعاً مسؤولون عن الاجتياح الذي نعيشه لأننا لا نرفض بمقدار كافٍ من الحزم أولئك الذين يجتاحوننا»، في إشارة إلى المهاجرين. ويعتبر جيي أنه ينبغي «عدم التعاون» مع هؤلاء، والحؤول دون حصولهم على عمل ومسكن، وكان دعا إلى حظر القرآن. أما المرشّح في منطقة هودوسين (ضاحية باريس) جيرار برازون، فيحضّ عبر «تويتر» على «تخليص فرنسا من الإسلام». ويرى أن « الإسلاموفوبيا حق، ومحاربة الإسلام واجب». وعلى المنوال ذاته، يتمادى مرشح آخر في بوردو، هو فريديريك ريشو معتبراً أن العربي «جبان»، يموت جوعاً في بلده لأنه «كسول»، و «يتكاثر بسرعة في البيئة الأوروبية». ويرى أن فرنسا بالنسبة إلى المهاجرين هي «اتحاد اللاجئين العرب الذين يتغذّون من صناديق الدولة». ويستخدم المرشح في منطقة إيسون (ضاحية باريس) الصُّور للتعبير عن كراهية فظة، فيضع على «فايسبوك» ملصقاً يتّصف بالبذاءة في تناول النقاب والمنقّبات. والأكيد أن ترداد هذه المواقف في الإعلام أحرج الجبهة الوطنية بحلّتها الجديدة، ودفع أمينها العام نيكولا بيي إلى القول أن أصحابها سيكونون موضع محاسبة، وربما يُستبعدون وفقاً لكل حالة. لكن كلام بيي لم يبدُُ مقنعاً، إذ إن تعابير الكراهية المقيتة والمبتذلة الصادرة عن المرشحين، ليست دخيلة على الجبهة، لطالما اندرجت في صلب توجهها... وهذا لا يمكن أن تمحوه مساعي لوبن الابنة لتدوير الزوايا.