رشيدة داتي سياسية فرنسية من عائلة مهاجرين مغاربة. كانت وزيرة للعدل في عهد نيكولا ساركوزي وهي الآن نائب في البرلمان الاوروبي وعمدة الدائرة السابعة في باريس المعروفة بسكانها الأغنياء الفرنسيين الذين ينتمون لكاثوليكية محافظة. تنتمي إلى حزب المعارضة الحالية في فرنسا ولكنها تقول أنها تحترم الرئيس فرانسوا هولاند الاشتراكي وترى أن حظوظه للنجاح في الانتخابات الرئاسية المقبلة لم تسقط، لكنها تنتقد بشدة رئيس الوزراء مانويل فالس. وقد انتخبت داتي مرتين رئيسة بلدية الدائرة السابعة، حيث استقبلت «الحياة» لأنها رغبت في التحدث للإعلام العربي عن شؤون الجاليات الإسلامية في اوروبا والهجرة التي تدفقت من سورية إلى اوروبا. داتي ولدت ونشأت في فرنسا. ووالدتها الراحلة من أصل جزائري ووالدها مغربي، وجميع أشقائها وشقيقاتها (عددهم ستة) ولدوا وعاشوا في فرنسا. أما والدها فينتقل الآن بين المغرب وفرنسا وهي كثيراً ما تزور المغرب والجزائر. كانت من المقربين لساركوزي قبل أن يبعدها ويرفض ترشيح الحزب لها لرئاسة بلدية باريس مفضلاً ناتالي كوشسكو موريزي. وتعتبر أنها ما زالت قريبة من ساركوزي وتواكبه في زياراته إلى الخارج. وتتوقع أن تزور السعودية معه إذا قام بمثل هذه الزيارة. وتقول أنها تعد لزيارة مصر ولقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي. ولكن، لدى سؤالها عمن ستدعم في انتخابات حزب الجمهوريين في الانتخابات الأولية للمرشح للرئاسة في 2017 في تشرين الثاني (نوفمبر) من هذه السنة، تقول أنها ستقرر ذلك بعد درس برامج المرشحين، فهي لا تأخذ موقفاً مسبقاً من احتمال ترشح ساركوزي في هذا الانتخاب. كانت تتحدث عن أزمة الهجرة إلى اوروبا عندما حضر معاونها يذكرها بزواج ينتظر العمدة لترأسه. فاستأذنت بضع دقائق للقيام بمهمتها في قصر البلدية ثم عادت لاستئناف المقابلة التي توقفت لدى استقبالها ابنتها زهرة (في السابعة من العمر) وهي عائدة من المدرسة وتلقي بنفسها في حضن والدتها. ونقلت عن زهرة حماستها للتعرف إلى العالم العربي. وهنا نص الحوار: سألت «الحياة» داتي عن النازحين من سورية ودول أخرى إلى أوروبا وكيفية التعامل مع هذه المشكلة، فقالت: «أولاً هذه أخطر أزمة من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية. لم نشهد هذا العدد الضخم من النزوح من قارة إلى أخرى منذ الحرب العالمية الأولى. فهذه المرة الأولى لنا في مواجهة كارثة إنسانية وسياسية مع جميع مكونات الكارثة. ثم عندما أسمع رئيس الحكومة الفرنسي يصرح بأنه لا يمكننا استقبال الجميع وينبغي إغلاق أبوابنا أمام النازحين فهو يناقض الواقع، لأننا نستقبل كل يوم المزيد ممن يصلون إلى القارة الاوروبية وإلى فرنسا. اذاً القول إن بإمكاننا منع دخول اللاجئين هو بمثابة رفض الاعتراف بالواقع. ولكن، ينبغي لتجنب تحمل العبء أن نعمد إلى التوقع وإدارة الأزمة. اليوم نحن أمام اتحاد اوروبي بالغ الضعف مع جزء منه يرى ضرورة إغلاق الحدود وتشييد جدران أو أسلاك شائكة، وجزء آخر مثل المستشارة الألمانية انغيلا مركل يقبل استقبال الجميع مع كل النتائج المبالغ بها التي يمكن أن تحدث. والآن هناك تخوف إضافي مرتبط بالأمن، فقد شهدنا ذلك في العمليات الارهابية في فرنسا (في 13 تشرين الثاني) التي أظهرت ان عدداً من هؤلاء الارهابيين كان مرّ مع تدفق النازحين. وايضاً هناك صعود للتطرف في الحياة السياسية الاوروبية، فالسويد التي لم يكن فيها يوماً تطرف يميني لديها الآن حزب يميني متطرف، والسويد أفضل الدول الاوروبية التي قبلت أكبر عدد من النازحين. فباستثناء ألمانيا التي فتحت أبوابها لأكثر من مليون ونصف مليون نازح، نرى السويد وعدد سكانها 9 ملايين تستقبل السنة الماضية 163 الف نازح. والآن قررت التوقف إذ لم يعد في إمكانها دمج النازحين واستقبالهم. أستعرض ذلك لأقول أننا لا نتحمل فقط العبء ولكن علينا أيضاً إدارة النتائج، وفي لحظة معينة علينا تحمل مسؤولية معالجة سبب هذه الأزمة. وأسفي اليوم أننا في اوروبا نفتقد لقائد يكون ذا موقف متوسط. فلا يقول اننا نريد إغلاقاً كلياً او اننا نستقبل الجميع، ولكن، أن يكون لنا موقف وسطي، ومعه نتمكن من جمع كل قوى المنطقة من السعودية وايران وتركيا، وحتى سورية بكل أطرافها وروسيا والولايات المتحدة وكل اللاعبين في المنطقة إلى طاولة تفاوض. لدينا من سورية ضغط نزوح بين 6 و8 ملايين. وعلى حدود تركيا هناك 3 ملايين منهم. إذاً نحن في حاجة إلى الجميع لإيجاد حل». وجوه أردوغان الكثيرة وعما يقوم به البرلمان الأوروبي لمواجهة هذه الأزمة تتابع: «المؤسسات التي لديها نفوذ في هذا الملف هي المفوضية الاوروبية والمجلس الاوروبي الذي يضم الرؤساء ورؤساء الحكومات. ونحن نفتقد الآن إلى ديبلوماسية اوروبية موحدة لأن كل دولة تسمع كلاماً مختلفاً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فمركل تسمع شيئاً، ووزير الداخلية الفرنسي يسمع منه شيئاً آخر، ورئيس الحكومة الايطالي يسمع منه شيئاً مختلفاً. ومركل طلبت ان يتمكن الحلف الاطلسي من مراقبة الحدود الخارجية لاوروبا وإدارتها، ولكن هذا ليس من مهمة الناتو». وعما إذا كان القلق من هذا النزوح إلى اوروبا ينبع من ان الاكثرية الكبرى من النازحين من المسلمين السنّة وأن هنالك بعض العنصرية تجاه الإسلام، تقول: «أعتقد أن الاوروبيين الآن مقنتعون وأنا منهم، بأن الأقلية الأكثر اضطهاداً في العالم مسيحيو الشرق، ولقد تركز الانتباه على هؤلاء. ولكن، ننسى القول إن ضحايا «داعش» قبل الجميع هم المسلمون، وبالأخص السنّة، وهذا لا يقال بما يكفي. ربما عدم قول ذلك بوضوح يناسب البعض، ولكن من المهم التذكير بأن الضحايا هم المسلمون السنّة الذين يفرون من الإرهاب والوحشية». وفي الإجابة عن السؤال: هل نزوح المسلمين يقلق أوروبا؟ «أعتقد أنه يجب ألا ينظر إلى موضوع النزوح بهذا الشكل، فالقلق هو ما يدفع هؤلاء النازحين الذين تركوا كل شيء وراءهم أهلهم وتراثهم وبلدهم وأماكنهم، وأنا لا أنظر إلى النازحين كسنّة يصلون إلى أوروبا، ولكن كأشخاص فقدوا كل شيء، وهم يائسون اضطروا إلى مغادرة بلدهم. ولقد التقيت بعض النازحين وهم لم يغادروا بلدهم بفرح. لكنهم اضطروا إلى ذلك. المسألة لا تتعلق بكونهم مسلمين إذ انهم يهربون من القنابل والقصف. وكان من بين النازحين من قبل من كان لديه بعض المال لدفعه للمهربين أو لشبكات تهريب النازحين. أما اليوم فالذين عند الحدود التركية يهربون من القصف والوحشية تاركين كل شيء وراءهم. هكذا يجب النظر إليهم وليس كمسلمين أو من أي دين آخر». وعندما تُسأل عن تفاقم مشكلة المسلمين في فرنسا بعد العمليات الإرهابية فيها، بمعنى أن البعض يمزج بين الإرهابيين وانتمائهم إلى الإسلام، حتى أن فرنسيين أصبحوا يخافون من الإسلام. فتجيب: «أعتقد أن الإسلام يطرح مشكلة للفرنسيين نتيجة الجهل. لقد صدمت مثلاً عندما سمعت رئيس الحكومة الفرنسي مانويل فالس يستخدم في جلسة أمام البرلمان عبارة الفاشية الاسلامية islamofascisme. كيف يمكن الجمع بين الكلمتين، فهذا يمثل تجريحاً بالفرنسيين المسلمين وحتى بأي مسلم. خلط الأمور يؤدي إلى وصم الاسلام ويعزز صعوبات الفرنسيين المسلمين للاندماج الذي هو أصلاً صعب بالنسبة اليهم، والسلطات الفرنسية لا تساعد في ذلك. وأنا أقول بمسؤولية ان رؤساء الدول الإسلامية لا يقومون بما يجب في هذا المجال، فهم لا يشرحون للأوروبيين وجه الإسلام الحقيقي وهو الإيمان والدين. فلا يمكن للقادة المسلمين أن ينتظروا أن يمارس المسلمون الاوروبيين دينهم بشكل هادئ وطبيعي فيما هم موضوع تهجم ولا يحصلون من القادة المسلمين على دعم. عندما أرى ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو يتحرك بسرعة كلما يكون هناك استهداف للجالية اليهودية، أتساءل لماذا قليلاً ما أسمع أي قائد من دولة اسلامية يقوم بذلك اذا استُهدف المسلمون في اوروبا. هذا ما انتقدته في التقرير الذي كتبته في البرلمان الاوروبي، إذ لا يمكن لقادة دول إسلامية تمويل المؤسسات والجمعيات والمساجد في اوروبا وفي الوقت نفسه التخلي عن مسؤولياتهم عندما تسوء أحوال المسلمين في فرنسا. فمع هذا الغياب عن تحمل المسؤولية يطرح السؤال: لماذا يمولون؟ فليتوقفوا عن تمويل الجمعيات والمؤسسات الاسلامية، وليتركوا تنظيم اسلام فرنسا مستقلاً عن تأثير الخارج. وأنا أرى أن في إمكان المسلمين في فرنسا جمع الأموال من الجالية لإنشاء مؤسسات ومساجد مستقلة، وليس على الدولة الفرنسية أن تمول ذلك». مؤسسات إسلامية مستقلة؟ وعن سبب غياب مثل هذه المبادرة ترد قائلة: «لأن الجالية المسلمة في فرنسا إمكاناتها قليلة فهي تعاني من الفقر. ووالدي عندما كان يساهم في بناء مسجد كان يعطي مبلغاً قليلاً، 20 أو خمسين فرنكاً. الجالية غالبيتها عمال وهم فقراء، وأنا لا أتعجب من أن بعض الدول تساعدهم، ولكن، على هذه الدول أن تؤيدهم وتدعمهم عندما يكونون في حال اضطراب». وعن مقاومة ظاهرة الجهاديين الفرنسيين الذين يذهبون إلى سورية، ترد داتي: «منذ بدء الحرب في سورية نشهد للمرة الأولى إرهاباً من الداخل، ففي 1995 وقبلها كانت غالبية العمليات الإرهابية تتم بأيدي إرهابيين أجانب. أما الآن فنحن أمام عمليات إرهابية بأيدي أوروبيين ينفذونها على الأراضي الأوروبية. علينا إذاً مراجعة استخباراتنا ومؤسسات التحقيق وكل ما يتعلق بالوقاية، وايضاً كل ما يجرى في السجون، لأن التطرف اليوم يأتي عبر السجون والانترنت. هناك حرب في سورية تفتح المجال للتطرف، ولكن حتى إن توقفت فالمتطرفون سيجدون سبباً آخر. هنالك 5 ملايين مسلم في بلدنا بينهم عدد قليل جداً من الإرهابيين، فالإرهاب والتطرف لا ينبعان من العنصرية أو غيرها، لكن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في الضواحي قد تكون أرضية لنمو هذه الفئات القليلة. الموضوع اليوم هو معرفة كيفية وصولنا إلى ذلك، فقد صدمت عندما رأيت هوية إرهابيي 13 تشرين الثاني في باريس. إنهم شبان أوروبيون ولدوا في أوروبا، أي تربوا وتعلموا وعاشوا في أوروبا في حرية تامة وانفتاح من دون قيود». وعما إذا كان انتماؤهم أيضاً لشمال أفريقيا عاملاً مؤثراً تجيب: «لا ننسى أفريقيا مع الإرهابي كولي بالي. وكون أصلهم من شمال أفريقيا ليس إلا لأن غالبية الجالية من هناك. باستثناء الهجرة إلى ألمانيا حيث الغالبية أتراك. ولكن الملفت أن معظم هؤلاء الإرهابيين ولد أهلهم في فرنسا أو في أوروبا، أي انهم الجيل الثالث أو الرابع، وهو ما ينبغي أن نتنبه إليه. كيف وصلنا إلى ذلك، فاليوم بعد 13 تشرين الثاني المشاكل كثيرة، وهل سيكون سهلاً لفرنسي يحمل اسم محمد أن يكون مهندساً مثلاً. سيكون ذلك بالغ التعقيد، خصوصاً مع التشدد في مراقبة بعض المواصفات للأشخاص، نظراً لحالة الطوارئ، ومعظم المراقبة تتم بحق أشخاص من أصل مغربي ومن العرب. يجب الاعتراف بالواقع، لأنه تم وضع وجه لهذا الإرهاب. لذا هناك جالية تشعر بأنها مستهدفة، مما يخلق مخاوف لدى مواطنين ليس لديهم أي شيء ضد المسلمين فيبدأون بالشك. هذه العمليات الإرهابية تحمل الخطر إلى الجاليات المسلمة في أوروبا. إن الظروف مواتية لتصاعد الجبهة الوطنية التي لديها كل المكونات للتخويف من الهجرة والإسلام، لتنشط وتكثف شعبيتها، وإذ لا نسمع كثيراً هذه الأيام كلام السيدة مارين لوبن فلأنها لا تحتاج إلى ذلك، يكفي ما حدث نتيجة العمليات الإرهابية من مخاوف وقلق ليخدم حزبها، فيعود لنا كحزب الجمهوريين وجميع الأحزاب الجمهورية أن نضع على الطاولة جميع المشاكل من دون المبالغة في الشكوى، لنبحث عن حلول». وعما إذا كانت تعتقد أن بإمكان شخصية من أصل مهاجر مسلم مثلها أن تتولى يوماً رئاسة للجمهورية، وهل ستشارك مثلاً في انتخابات الحزب الجمهوري الأولية للمرشح الرئاسي في 2017، تجيب: «هذا ممكن وقد أحصل على التمويل والدعم لمثل هذا الاحتمال وأرى أن الفرنسيين الآن مهيأون لاختيار أحد نشأ وعمل مثلي. ولم تكن صدفة أنني توليت منصب وزيرة العدل في عهد الرئيس ساركوزي وأنا عمدة الدائرة السابعة ونائب أوروبية. وعلى رغم الصعوبات التي واجهتها مع حزب الجمهوريين الذي أنتمي إليه، كان البعض يحلم بخروجي منه، ولكن شعبيتي وسمعتي وقناعاتي أدت إلى الحؤول دون إخراجي من الساحة السياسية. إذاً هذا ممكن، لكن عمل الأحزاب السياسية في فرنسا لن يسمح يوماً لشخص مثلي أن يصل إلى الرئاسة لأن الأمر ليس لقاء امرأة أو رجل بالشعب كما قال الجنرال ديغول، فالوصول إلى الرئاسة هو لقاء بين امرأة أو رجل بالمتسلطين في الأحزاب ومناوراتهم وهذا ليس سهلاً. حالياً أرى الأمر معقداً ولكن سيأتي يوم تتغير فيه الأمور. البعض في الأحزاب اليوم يقدمون شخصيات من أصل مهاجر لانتقاد الإسلام أو من أصل عربي لانتقاد العرب. لن أقع في هذا وكل الذين فعلوا ذلك لم يستمروا لأنها ليست قناعتهم.» وتختم داتي قائلة إنها متعلقة جداً بجذورها المغربية والعربية.