لا يكمن خطر اليمين الفرنسي المتطرف الذي حقق نتائج متقدمة في انتخابات الأقاليم مؤخراً، فقط في أصواته الانتخابية التي تأخذ بها قاعدة التمثيل النسبي. فالواقع ان لطروحات هذا الحزب شعبية وصدى واسعين جداً بين فئات متزايدة من الفرنسيين، وليس ذلك لحقد خاص "دفين" يكنّه الفرنسي العادي للأجنبي وهو حقد موجود حقاً لدى نسبة من السكان، وانما لأن هذه الطروحات تمسّ المشاكل الحقيقية واليوميّة التي تواجه المواطن الفرنسي. وهي عدا البطالة، مشكلة الأمن وتزايد العنف، ومشكلة الهجرة غير المشروعة، وما تسببه من نفقات وتكاليف يدفع الفرنسيون أعباءها، فضلاً عن الأجانب المقيمين في فرنسا بصورة شرعية وسليمة. ومن المؤسف ان نسبة عالية من جرائم الاعتداء والعنف يقترفها المراهقون والشباب من أبناء الجاليات الأفريقية السوداء والجزائرية في ضواحي المدن الكبرى. وهذا ما تستغله أبشع استغلال الدعاية العنصرية لليمين المتطرف. صحيح ان لهذه الحالة أسبابها وجذورها من الوضع المعاش المتدنيّ، والبطالة، والجهل، وصحيح ان الكثيرين من هؤلاء الصبية والشبان فرنسيون بالجنسية المكتسبة. ولكن الدعاية العنصرية تفتش عن "الأصول" العرقية في محاولة للتدليل على ان الجريمة والعنف يرادفان الأصل العربي، او المسلم او الأسود. وفي الأشهر الأخيرة جرت اعتداءات جماعية منظمة كثيرة على سائقي الباصات والقطارات وعلى الشرطة، دون ان تجد نقداً كافياً من بعض أجنحة اليسار، لا سيما التروتسكي منه ودون نقد يذكر من مثقفي الجالية العربية وجمعياتها ومؤسساتها الديبلوماسية. وقديماً كان دعا الاسلام معتنقيه الى "الأدب" حين يكونون في الغربة "يا غريب كن أديب"، وهذا يفترض احترام قوانين البلد الأجنبي، وأهله، وتقاليده. وقد أثيرت ضجة عربية واسعة حول منع التحجب في المدارس الحكومية الفرنسية واعتبر ذلك تحاملاً على الاسلام. في حين ان فرنسا دولة علمانية، تفصل بين الدين والدولة، وبما ان تلك المدارس عائدة للدولة فيجب ان تسري قوانينها على الجميع. وأما من أرادت التحجب خارجها فهي حرة، وهذا ما هو جارٍ حتى في شارع الشانزليزيه حيث المحجبات يتنزهن ويسرحن بكل حرية وبلا تضييق. ان كون الأجنبي المقيم يدفع الضريبة كالفرنسي سواء بسواء لا يبيح للأول خرق القوانين، ولا يجوز التعكز على خرق فرنسيين "أصلاء" غير قليلين للقوانين وتلاعبهم عليها. فالفرنسي هذه بلاده، ونحن غرباء، حتى لمن حملوا جنسيّتها بيننا. وفي ما يخصّ الأزمة المعاشية والبطالة المتفاقمة، فإنها تخلق ظروفاً مشجعة لنمو الانطباعات والدعايات التي تحاول تحميل الأجانب المقيمين والمتجنسين تبعاتها. وكثيراً ما تستشهد بيانات "الجبهة الوطنية" وفي انتقائية ماكرة خبيثة، بحالات عائلات أفريقية متعددة الزوجات وكثيرة الأطفال، وما تكلفه ميزانية الضمان الاجتماعي والصحي من أعباء مالية باهظة، فيما أكثر العوائل الفرنسية صغيرة العدد، كما هو معروف. ولا تزال هناك نسبة كبرى من المهاجرين غير الشرعيين الذين تسلّلوا بطرق غير قانونية وفي الخفاء. ولا يصح الدفاع عن حالات هؤلاء بالجملة كما تفعل الكتل اليسارية الفرنسية المتطرفة وبعض الأوساط العربية في فرنسا. ولا أدري لماذا يُراد تحميل فرنسا ما تتحمله أية دولة من دول العالم - أي التسلل اللاشرعي الكثيف الى أراضيها. ان مسؤولية نمو التطرف اليميني والمشاعر الشعبية التي ينمو فيها، تقع على عاتق كل الأحزاب والقيادات الفرنسية التقليدية. وسيستمر هذا النموّ الخطر ما لم تعالج مشاكل البطالة، والأمن الداخلي، والهجرة اللاشرعية علاجاً حكيماً وانسانياً في الوقت نفسه. وإلا فإن هذا النمو سوف يستمر حتى لو استعمل القانون لتحريم حزب لوبن.