يقترع الاتراك في 18/4/1999، ومع اقتراب الموعد تشتد وتيرة المنافسة ارتفاعاً بين الاحزاب الكبيرة وتأخذ المشاريع الانتخابية اتجاهات متناقضة. وبناء على ذلك اتسعت قاعدة الدعايات الانتخابية فشملت قضية الاكراد في تركيا، كما شملت مهجري كوسوفو. زعيم الحزب اليساري الديموقراطي رئيس الوزراء بولنت اجاويد في وضع حرج فهو محيّر بين اعدام عبدالله اوجلان والعفو عنه باستصدار قانون الندم والتوبة. ورئيس الوزراء السابق مسعود يلماظ او مسعود المافيا كما تسميه صحف تركيا زعيم حزب "الوطن الام" يؤيد اجاويد مقايضة في استصدار قانون الندم والتوبة كي لا يفتح له اجاويد "ملف المافيا" الذي اطاح حكومته. تطابق الحافر على الحافر بين اجاويد ويلماظ في قضية اوجلان الذي يحظى بموافقة باطنية ومعارضة علنية من قبل زعيم حزب الشعب الجمهوري حزب اتاتورك دنيز بايكال الذي لا يتورع عن تجريح اجاويد اليساري الاقرب الى اليمين ويلماظ اليميني الاقرب الى اليسار. ويدعي بايكال ان اجاويد ويلماظ تنكرا لجماهير الحزبين، ويرمزان للتناقض الصريح وعدم الصدقية. ويرى بايكال انهما ضد مصالح الشعب التركي الذي نهبت امواله المافيا. ويتهم بايكال حزب "الفضيلة" باستثمار الشعور الديني وتوظيفه في خدمة مصالحه الحزبية، ويرى ان العلمانية هي صمام الامان لابعاد تركيا عن مصير مشابه لمصير يوغوسلافيا. وتطل زعيمة حزب "الطريق الصحيح" رئيسة الوزراء السابقة طانسو تشيلر على الساحة الانتخابية من علٍ وترصد حركات وسكنات زعماء الاحزاب. فمسعود يلماظ حسب رأيها "خفاش" و"زعيم مافيا" يجب ان يحاكم، واجاويد يجب ان يحاكم لأنه لم يحاكم يلماظ، ودنيز بايكال مراءٍ يظهر ما لا يبطن، فهو يهاجم مسعود المافيا واجاويد الساكت عن الحق، لكنه يقف الى جانبهما في التصويت على القوانين البرلمانية ويمنحهما الثقة، وساهم في هدم ائتلاف حزب الرفاه وحزب الطريق الصحيح. كيف نصدق ان زعيم حزب "الشعب الجمهوري" هو مع شعب الجمهورية التركية علماً انه يدعم الساعين الى انقاذ قاتل اطفال تركيا اوجلان وسارق اموالهم يلماظ. يلماظ لم يجد تهمة حقيقية ليلصقها بحزب الفضيلة، فتفتق ذهنه حين قال في جولة انتخابية يوم الاربعاء 7/4/1999 ان نجم الدين اربكان هو الذي اغلق مكاتب تحفيظ القرآن الكريم، وهو الذي اغلق المدارس الشرعية. وتدخلت الشرطة لحمايته من الجمهور المستمع. وعلى الفور رد على تصريحات يلماظ النائب جميل جيجك الذي انشق عن حزب "الوطن الام" والتحق بحزب الفضيلة بسبب معارضته اغلاق مدارس الائمة والخطباء، وكورسات القرآن الكريم. وقال النائب: "اولئك لا يعملون في السياسة، وانما يعملون على نمط العاملين في الكازينو. ليتهم يقفون الى جانب الحزانى والمظلومين لا الى جانب الظالمين". وأكد النائب جيجك ان سبب انسحابه من حزب يلماظ هو انحراف الحزب عنمبادئه ووقوفه ضد مصالح الشعب في تركيا. وانسحب ايضاً اعتراضاً على انحراف يلماظ، النائب كوركوت اوزال والنائب علي جوشكونا وغيرهما، احتجاجاً على اغلاق يلماظ مدارس الشريعة والقرآن. المعركة حامية على الضفة العلمانية لمجرى الانتخابات التركية، والجنازة صندوق انتخاب. وعلى الضفة المقابلة المناهضة للعلمانية يظهر حزب الفضيلة رافعاً شعار ان الحكم في تركيا مخالف للدستور. ففي دستور الجمهورية التركية نص واضح يقول ان تركيا دولة الحقوق، لكن المادة 312 تجعل من تركيا دولة تهضم حقوق المتمسكين بدينهم، لذلك يضع حزب الفضيلة في ذروة اولوياته الغاء هذه المادة فور تمكنه من توفير النصاب القانوني النيابي. ويرى زعيم حزب الفضيلة رجائي قُطان ان يلماظ قضى على حزب "الوطن الأم" بانحرافه عن مبادئ الحزب التي وضعها الرئيس الراحل طورغوت اوزال، ولم يعد منافساً لحزب الفضيلة لأنه ابتعد عن قاعدته واقترب في اطروحاته من اجاويد ما يجعلهما في اطار واحد. وهما مع منع الحجاب في الجامعات والفضيلة مع الحجاب، وهما مع اغلاق المدارس الشرعية والفضيلة مع فتحها، هما ضد مدارس الصناعة والزراعة والفنون والفضيلة معها. وصناديق الانتخابات ستثبت اننا نمثل الاكثرية. فمشروع حزب الفضيلة هو الاقوى ويرجح ان يأتي في مقدمة الاحزاب واذا نال الاكثرية فسيغير العديد من مواد الدستور. الاحزاب المتنافسة سيشارك في الانتخابات 21 حزباً، ولا يستغرب استبعاد بعضها عشية الانتخابات. فالقضاء التركي سلاح العسكر لقمع الاحزاب. والاحزاب التي يتوقع ان تخوض الانتخابات هي: 1- حزب الوطن الأم ANAP، أسسه المرحوم طورغوت اوزال في 26/5/1983 ليكون حزباً يمينياً مركزياً ثم آلت زعامته الى مسعود يلماظ. 2- حزب المصالحة BP أسسه علي حيدر وزير اوغلي كحزب للعلويين الاتراك القوميين العلمانيين، ويتزعمه حالياً عابدين اوز غوناي. 3- حزب الوحدة الكبرى MHP أسسه محسن يازجي اوغلي في 29/1/1993، كحزب اسلامي قومي تركي، وانشق عن حزب آلب ارسلان توركيش الذي يؤكد على القومية فقط. 4- حزب الشعب الجمهوري CHP، أسسه اتاتورك، واغلق بعد انقلاب 1980. فتشكل تحت رمز SHP ثم شكله دنيز بايكال تحت رمز CHP وهو حزب تركي علماني اتاتوركي. 5- حزب التغيير او التبديل التركي DEPAR، شكله الدكتور كوك خان جابو اوغلي في 24/2/1998 كحزب يساري بعدما خرج من حزب اليسار الديموقراطي الذي يتزعمه اجاويد. 6- حزب الديموقراطي DP اسسه مجدداً النائب كوركوت اوزال، كحزب يميني، بعدما انسحب من حزب "الوطن الام" احتجاجاً على علمانية يلماظ واغلاقه المدارس الشرعية، واتصاله بالمافيا. 7- حزب المصالحة والديموقراطية DBP حل محل حزب التغيير والديموقراطية الذي حلته المحكمة التركية فتأسس مجدداً في 11/3/1996، ويتزعمه، حالياً رفيق قره قوج. 8- حزب تركيا الديموقراطية DTP، انشق عن حزب "الطريق الصحيح" بزعامة تشيلر، بأمر من سليمان ديميريل والعسكر، وأسس هذا الحزب حسام الدين جندروك في 7/11/1997، ودخل مع يلماظ واجاويد في الوزارة الائتلافية الرقم 55. 9- حزب الخق الديموقراطي كردي DEHAP اقامت عليه محكمة امن الدولة دعوى لاغلاقه واعترف عبدالله اوجلان بعلاقات بين بعض افراد هذا الحزب وحزب العمال الكردي PKK ويحتمل ان يغلق قبل يوم الانتخابات. ويرأس هذا الحزب حمد عباس اوغلي، وهو جناح من اجنحة حزب ديموقراطية الخلق. 10- حزب اليسار الديموقراطي DSP. اسسه اجاويد بعدما ترك حزب "الشعب الجمهوري" في 14/1/1985، وهو حزب قومي يساري يحظى بتأييد تنظيم "المؤتمر العلوي التركي" واتباع المذهب البكتاشي، كما يحظى بتأييد الجنرال جيفيك بير ثاني الجنرالات الاقوياء. 11- حزب "الطريق الصحيح". اسسه سليمان ديميريل، وبعدما صار رئيساً للجمهورية تزعمته تشيلر، وهو حزب علماني يميني. 12- حزب المتقاعدين EP. حزب يميني حل محل حزب التقاعد في 26/11/1996، وهو حزب اشتراكي يساري يتزعمه لافنت توزيل. 13- حزب الفضيلة، اسسه المحامي اسماعيل آلب تكين في 17/10/1997، وهو حزب اصلاحي اسلامي انضم اليه نواب حزب الرفاه الذي حلته محكمة امن الدولة، ويتزعمه حالياً رجائي قطان، وهو صاحب اكبر كتلة برلمانية حالياً. 14- حزب ديموقراطية الخلق الشعب وهو كردي HADEP. حل محل حزب طالب الديموقراطية لجنوب الشرق EEP الذي حلته محكمة امن الدولة، وتأسس في 11/4/1994، ويتزعمه مراد بوزلاق. والحزب قيد المحاكمة، وهو متهم بالارهاب، والتعاون مع اوجلان. والحزب متهم باهانة العلم التركي، فاذا حُلّ ستذهب اصواته الى حزب الخلق الديموقراطي، اذا لم يُحل ايضاً. 15- حزب العمال IP حزب اشتراكي يساري، حل محل الحزب الاجتماعي الاشتراكي SP المنحل بحكم محكمة امن الدولة وتأسس هذا الحزب في 2/3/1992، وزعيمه دوغو برنجيك ما زال في السجن. 16- الحزب الليبيرالي الديموقراطي LDP. اسسه بسيم تيبوق في 28/7/1994. 17- حزب الملة MP اسسه آيقوت آديب علي، وهو حزب اصلاحي ديموقراطي وحدوي تصالحي. 18- حزب حركة الملة MHP حزب يميني قومي طوراني اسسه آلب ارسلان توركيش وذراعه العسكرية منظمة الذئاب الرمادية. والذئب الاغبر الذي عبده الاتراك ايام الجاهلية، وبعد وفاة آلب ارسلان آلت زعامة الحزب الى النائب دولت بغجلي. 19- حزب الحرية ODP حزب يساري ثوري أسس في 22/1/1996، ويتزعمه الدكتور أفق اوراس. 20- حزب الاقتدار الاشتراكي الاجتماعي SIP. اسسه آيدمير غولر في 6/11/1992. 21- حزب البعث الجديد YDP حزب ليبيرالي يميني اسسه حسن جلال كوزال في 23/11/1992. اهم مشكلة تواجه مختلف الاحزاب هي اصطدامها بحاجز العشرة في المئة من مجموع اصوات تركيا التي تبلغ 356.451.37 صوت. وهذا يعني ان اي حزب يحتاج الى حوالي اربعة ملايين صوتاً من عموم الاصوات ليدخل مجلس الشعب. ويجب ان يتفوق نائب الحزب على منافسيه في دائرته الانتخابية حتى يصبح نائباً. وخلاصة الامر ان الاحزاب التي ستدخل البرلمان هي الاحزاب التي دخلت البرلمان الماضي مع ملاحظة حلول الفضيلة محل الرفاه، وهنالك خطر على حزب الشعب الجمهوري بزعامة دنيز بايكال اذ يحتمل ان لا يتجاوز الحاجز. وكان من الممكن ان يعجز اجاويد عن تجاوز الحاجز ايضاً الا ان اعتقال اوجلان، ومأساة مهجري كوسوفو ودعم العسكر له، واحتمالات التزوير، كلها امور انقذت اجاويد من العجز عن تجاوز حاجز العشرة في المئة. واذا سارت الامور بشكل سليم من دون تزوير ومن دون تدخل الجنرالات، ومن دون تآمر القضاة وكتّاب العدل فان حزب الفضيلة سيأتي في المقدمة وبحصيلة برلمانية لن تقلّ عن 200 مقعد، وسيليه حزب "الطريق الصحيح" بزعامة تشيلر، وسيأتي يلماظ واجاويد بحصيلة متقاربة تبعدهما عن الوزارة المقبلة. * زميل ابحاث في جامعة ساواس، لندن. لجان مراقبة الصناديق سيُدلي المقترعون بأصواتهم في 760 ألف صندوق. وستتألف لجانُ الفرز والاشراف على سير الانتخابات من اربعة ملايين شخص، وسيراقب عمليات الادلاء بالأصوات وفرزها مندوبون عن الأحزاب المشاركة في الترشيح، وعددهم مليونا مُراقب تقريباً. وتفيد المراصد الانتخابية مُمثَّلة بصحيفة "ملليت" العلمانية الصادرة في 7/4/1999 ان المراقبين من منتسبي حزب الفضيلة هم مليون ونصف، ومن "الوطن الأم" و"الطريق الصحيح" مليون حزبي مراقب، ولحزب "الشعب الجمهوري" 600 ألف مراقب. ويبلغ عدد الأصوات من الذكور والإناث 37.451.356. ولا شك في ان حاجز العشرة في المئة سيحول دون وصول بعض الأحزاب الى مجلس الشعب التركي. وحينذاك سيسقط نواب الأحزاب التي لا تتجاوز الحاجز ولو نالوا اكثرية الأصوات في دوائرهم الانتخابية. وسيكون المقعد الانتخابي من حق النائب الذي يلي صاحب أعلى نسبة اصوات اذا كان حزبُ الثاني تجاوز حاجز العشرة في المئة. وهكذا سيدخل مجلس الشعب نواب ليس لهم شعبية في دوائرهم الانتخابية، وسيُحرم حق النيابة نواب يحظون بتأييد شعبي في دوائرهم. الدعايات الانتخابية بعد أخذ ورد في مجلس الشعب التركي قررت لجنة الانتخابات العليا تقسيم الحصص الاعلامية على الأحزاب التي استوفت شروط المشاركة. وتقرر ان ينال حصة الأسد من محطات راديو وتلفزيون الدولة التركية حزب رئيس الوزراء الحالي بولنت أجاويد. وتقرر ان يستخدم راديو وتلفزيون الدولة للدعاية الانتخابية مُدّة 50 دقيقة مجانية. يليه حزب الفضيلة المعارض صاحب اكبر كتلة برلمانية وحصته 40 دقيقة بث اذاعي وتلفزيوني. أما حزب الوطن الأم يلماظ وحزب الطريق الصحيح تشيلر وحزب الشعب الجمهوري ايكال فلكلِّ حزب مُدّةَ 30 دقيقة دعاوية. وينال كل حزب من الأحزاب الباقية 15 حزباً. بدأت اول عشر دقائق بث دعائي في 11/4/1999، وتنتهي آخر عشر دقائق يوم السبت في 17/4/1999. لا تُمنح الحصة الدعاوية الطويلة دفعةً واحدة. فحزب اليسار الديموقراطي أجاويد يستنفد في الدفعة الاولى 30 دقيقة، ويستنفد حزب الفضيلة قطان 20 دقيقة، وحزب الوطن الأم يلماظ وحزب الطريق الصحيح تشيلر وحزب الشعب الجمهوري بايكال وحزب "تركيا الديموقراطي" يستنفد كل منها عشر دقائق في الدفعة الاولى، وتؤجل العشر دقائق الباقية الى الفترة الواقعة ما بين 12/4/1999، و16/4/1999. وهكذا تحوز الأحزاب الكبرى اول فترات الدعاية وآخرها وتتوزع الأحزاب الصغرى على فترات الأيام المتبقية.