في الجزائر تكثر التكهنات والتوقعات التي لا يمكن التحقق من اي منها. لكن الشيء الاكيد هو ان الساعات الماضية سترسم صورة المرحلة المقبلة. فالسيد عبدالعزيز بوتفليقة الذي قد يكون اليوم الرئيس المنتخب من دون منافسة، بعد انسحاب المرشحين الستة الآخرين، إذ ربط قبوله المنصب بمدى الاقبال على صناديق الاقتراع، الامر الذي لن يعرف رسمياً الا ليلاً والذي سيحدد مدى اعتباره انه نال الشرعية الشعبية. وفي حال تأكدت نسبة الاقبال الضعيفة من الرابعة بعد الظهر، مما يعني افتقاد هذه الشرعية، ستندفع البلاد الى مأزق جديد يصعب التكهن بنتائجه. في مقابل ذلك، لم تكن كيفية تعامل المرشحين المنسحبين، حسين آيت احمد واحمد طالب الابراهيمي ومولود حمروش ويوسف خطيب ومقداد سيفي وعبدالله جاب الله اتضحت على نحو كامل بالنسبة الى المدى الذي قد يصلون اليه مجتمعين او فرادى في رفض نتائج الاقتراع، باستثناء الدعوة الى التظاهر سلماً اليوم وكيفية تعامل السلطات معها. عملية الاقتراع التي بدأت في الثامنة صباحاً جرت في اجواء هادئة جداً، خصوصاً في العاصمة، الى حد قد يتساءل معه المراقب عما اذا كانت ثمة انتخابات فعلاً. ولوحظ، خلال جولة قامت بها "الحياة" قرابة التاسعة صباحاً حركة مرور خفيفة جداً في ظل الاجراءات الامنية نفسها التي تشهدها الجزائر منذ فترة طويلة. لكن الحركة اتسعت مع تقدم الوقت وفتحت بعض المحلات التجارية ابوابها مع تقدم الوقت. وكذلك كان الوضع في المدرسة الابتدائية في شارع الشيخ محمد بشير الابراهيمي، والد المرشح المنسحب، في الابيار حيث ادلى بوتفليقة بصوته قرابة العاشرة والنصف. باحة المدمرسة، عندما وصلنا اليها قرابة العاشرة، كانت تشهد حركة وجلبة اتضح ان مصدرها نحو مئة صحافي، فيما ينتظر مكتبا الاقتراع، المخصص احدهما للنساء والآخر للرجال، المنتخبين. وفي مكتب النساء افادتنا الرئيسة ان عدد المقترعات وصل الى 11 من اصل 555 في العاشرة وارتفع الى 13 في العاشرة والنصف. اما في مكتب الرجال فكان الاقبال اوسع. اذ صوت 23 رجلاً من اصل 366 حتى العاشرة ليرتفع العدد الى 32، عندما غادرنا المكتب بعدما ادلى بتوفليقة بصوته، في ظل تدافع شديد وصل الى حد العراك بين الصحافيين الكثيرين الذين منهم من يرغب التقاط صورة او اصطياد كلمة. ويبدو ان انسحاب المرشحين الستة جعل بوتفليقة الصيد الوحيد للصحافيين بعدما اتضح لهم ان الاقبال الصباحي المتواضع على الاقتراع والهدوء في العاصمة جعلا المرشح الوحيد في السباق حدث اليوم. وكان بوتفليقة حازماً، بعد الادلاء بصوته، عندما شدد على ان هناك خيارين لا ثالث لهما: إما ان يقترع له الجزائريون بكثافة تعطي انتخابه الشرعية، وإما سينسحب الى منزله اذا كانت نسبة المقترعين هزيلة. وتردد المطلعون في الرد على السؤال المتعلق بهذه النسبة التي يمكن اعتبارها انها توفر الشرعية المطلوبة، خصوصاً ان الساعات الاخيرة من الاقتراع قد تشهد اقبالاً اوسع من الصباح وان الصناديق المتنقلة، داخل البلاد وخارجها، والصناديق الخاصة الجيش وقوى الامن والدرك والجمارك لن تعلن نتائجها الا ليلاً. لكن نسبة مقترعين تقارب الستين في المئة قد تكون مقبولة في هذا الاطار، ويصبح بوتفليقة رئيساً يعتبر نفسه متمتعاً بالشرعية الشعبية. ويعتقد المطلعون ان هذا الاحتمال هو الوارد، الا في حال مفاجئة، والجزائر بلد المفاجآت، في اللحظة الاخيرة. أما بالنسبة الى المرشحين المنسحبين، وان كان هناك تفاوت في وجهات نظرهم في شأن الموقف من الانتخاب، فإنهم متفقون جميعاً على اظهار غضبهم من طريقة معاملتهم. وكانت الدعوة الى التظاهر السلمي اليوم لا تزال قائمة حتى بعد ظهر امس. لكن مصدراً رسمياً افاد "الحياة" ان السلطة لن تتساهل مع أي تظاهر في الشارع، وان المرشحين يمكنهم القيام بتجمع مغلق، مشيراً إلى ان بعض الصالات في العاصمة يتسع لأكثر من 10 آلاف شخص. ولفت المصدر الى ان البلاد لا تزال في حال طوارئ، مما يعني ان الجيش يمكن ان يتولى بنفسه الأمن الذي تحافظ عليه حالياً قوات الدرك، مقدراً ان السلطات "لن تسمح ولن تتساهل ولا تريد جبهة انقاذ ثانية" في اشارة الى التظاهرات السلمية التي كانت تقيمها الجبهة الاسلامية قبل وقف الانتخابات التشريعية. لكن المراقبين لا يستبعدون احتمال التساهل في المناطق في حال تسيير تظاهرات في الشوارع، خصوصاً في المنطقة القبائلية حيث يغلب نفوذ جبهة القوى الاشتراكية التي انسحب مرشحها من المنافسة، فيما دعا الحزب الآخر فيها، التجمع من اجل الثقافة والديموقراطية، الى المقاطعة. وكما فهم من اوساط عدة قريبة من المرشحين المنسحبين، فإن هناك مواقف عدة من انتخاب بوتفليقة. ويبدو ان اكثر هؤلاء تصلباً هو الخطيب، فيما اعلن مقداد سيفي انه تضامن مع زملائه من اجل الديموقراطية وليس لانه "يملك دليلاً مادياً يثبت التزوير". وقد عرض الستة طوال بعد ظهر امس، في مقر جبهة القوى الاشتراكية، الوضع ودرسوا سبل التعامل معه. لكن المرشحين المستقلين منهم، كانوا اعلنوا، كل على طريقته للاتجاه الى تشكيل حزب سياسي يكون اداة عملهم في المرحلة المقبلة. وعلى رغم ان بوتفليقة شدد مراراً، خلال حملته الانتخابية، على انه لن يحل البرلمان، فان كثيرين في الجزائر يعتقدون ان انتخابات برلمانية تجرى في نهاية هذه السنة ستكون مبادرة ايجابية تجاه المعارضة التي انسحبت من الانتخابات، وتعيد التوازن الى المؤسسات وتؤدي الى تطابق بين التمثيل الشعبي والبرلماني. ومهما كان مصدر "السيناريوهات"، فإن ثمة توافقاً على ان "اهتزازاً" ما حصل في الجزائر، وان ميزان قوى جديداً، وان يكن راجحاً في احد الاتجاهات، بدأت ترتسم معالمه.