تراوح -1- الوقت يمر في رتابة، الغمغمات تدور، حواف المقاعد متآكلة، الحقائب تسد الممر، والسائق العجوز يحرك "عجلة القيادة" بطيئا فوق العجلات الصدئة. -2- بيدها الواهنة، حركت الستائر المتسخة، التصقت عيناها الباهتتان بزجاج النافذة أتاها وجهه معاتبا، يمسح بعضاً من غبار الزمن. -3- تكومت في مقعدها، وحيدة فوق جرحها، كان عشاؤهما الأخير متأرجحاً بين دقات النواقيس ومئذنة عشقها الوقت يمر، لم يزل والسائق العجوز- كما هو- يحرك عجلة القيادة. -4- هي لحظة باقية بين اندفاع العربة صوب اللا مكان وفراشها البارد على حافة الليل. ترقب وارتب النافذة، صدتها البيوت الزجاجية والليل الخانق، قطرات ملح تبلل شفتيها وتغوص حتى القلب الذي ناء بالبرودة والانتظار. شعاع الفنار يمر كالبرق، نباح الكلاب يخترق عتمة الشارع وعيناها المواربتان خلف النافذة ترقبان صرير عجلة لا يعرفه احد غيرها، يأتي مع آخر معدية. الكشك الوحيد على الناصية أغلق أبوابه والريح تدحرج العلب الفارغة والقطط تعبث في قمامة الشارع. تفرقت النسوة اللائي يلتصقن بأعمدة النور الصدئة، دورية الشرطة تقتحم الصمت، يهتف الجندي: -مين هناك؟؟. تنهدت، ليس هناك أحد غيري والليل والصمت ابواق البواخر ترحل الى البلاد الغريبة، وميض المعدية يبزغ من قلب الندى وصرير العجلة الذي لا يعرفه احد غيرها، يأتي من بعيد، بعيد، يخدش اسفلت الشارع، يقترب، يدهش وجهها المطفأ مع اول طرقة على الباب. النار في خجل من نفسي المرتحلة عني، امسكت القلم وبعد.. قلتها وشردت في اللون الاصفر للحوائط والاقساط المتراكمة. تدور ذبابة حول دورق المياه البلاستيكي، انظر الى الكتب المتراصة فوق المكتب، بعضها قرأته والبعض لم يزل، لا اتذكر في هذه اللحظة شيئا قرأته ولا أعتقد ان بقيتهم تصلح للبيع. ادرت مفتاح المذياع وبعد جهد أتتني محطة بعيدة، قربته من أذني لأحصي عدد القتلى والجرحى في الجنوب اللبناني. وتحفزت للقاء اللص الذي سرق نظارتي الطبية من بين المئات في ذلك الاتوبيس اللعين لأكيله ضرباً حتى ادميه. هممت بالخروج، احتاج طبيباً بلاشك وعملاً اضافياً وعند وصولي للباب، طرأ على ذهني سؤال: هل توصل الطب الى علاج علة الكتاب مثلما يعالج العجز الجنسي أحيانا؟؟. عدلت عن النزول، القيت سترتي وانا من ورائها على السرير ونشيج تتقطع داخل قلبي يؤرقني ولم يكف حتى طلع النهار على صوت المذيع الآتي من محطة بعيدة: "ان صواريخ "كتيوشا" تنهال على شمال العدو. تمنيت أن تظل النار أبدا، وليكن ما يكون حتى لو لم يهدأ نشيج قلبي ولم يجد الطبيب لعلتي دواء. * كاتبة مصرية