لئن شهدت بيروت منذ مطلع الستيّنات حركة مسرحية طليعيّة كانت السبّاقة في ترسيخ الهويّة الاختبارية للمسرح العربي الحديث فأن هذه الحركة لم يواكبها تيار نقدي في حجمها يمهّد لها الطريق نظرياً ويمعن في درسها وتحليل ظواهرها والتحولات التي أحدثتها. ظلّت الحركة المسرحية منذ انطلاقتها تفتقر الى المرافقة النقدية العلمية والمنهجية والى النقاد الأكاديميين الذين كان من المفترض أن يؤرّخوها علمياً ويصنّفوا الاتجاهات التي برزت خلالها ويوثقوا الأعمال التي قدّمت طوال سنوات. فالنقد اقتصر على الصحافة وعلى الصحافيين الذين مهما نجحوا في أداء مهمتهم يظلّ نقدهم نقداً صحافياً أي عاجلاً وانطباعياً وقصير النفس، نظراً الى طبيعة الصنيع الصحافي الذي يجدر به أن "يغطّي" الأعمال أكثر ممّا عليه أن يحلّلها بهدوء ورويّة. غير أنّ وصفاً مماثلاً للعمل الصحافي لا يقلّل من أهمّيته أبداً ولا سيّما في لبنان الذي شهدت صحافته بدءاً من الستينات ازدهاراً لم تعرفه أي صحافة عربية أخرى. وأدّى النقاد - الصحافيون واجبهم كاملاً تجاه الحركة المسرحية ونجحوا في ابداء آرائهم وفي توجيه الجمهور توجيهاً سليماً وفي صنع ذائقته. إلا أنّ المقالات الصحافية ما كانت لتكفي وحدها في تأسيس مرجع علميّ للحركة المسرحية. فالمقال هو وليد اللحظة والأثرِ الذي يتركه العرض في وجدان الصحافيّ تماماً مثلما أنّ العرض المسرحيّ نفسه وليد تلك اللحظات التي يُقدّم فيها للجمهور. ظلّ النقد المسرحي اذن في لبنان مقتصراً على الصحافة وعلى ذائقة الصحافيين وردود فعلهم وعلى ثقافاتهم الخاصّة ونظراتهم، ولم تعرف الحركة المسرحية إلا كتباً قليلة جداً سعت الى قراءتها ولكن قراءة جانبية ومنها مثلاً كتاب غسان سلامة شبه اليتيم عن "المسرح السياسي" وهو كان عبارة عن أطروحة جامعية. كان لا بدّ إذن من أن تأخذ الناقدة خالدة سعيد على عاتقها مهمّة تأليف أول مرجع علمي للحركة المسرحية اللبنانية. وكان لا بد أن يملأ كتابها "الحركة المسرحية في لبنان: تجارب وأبعاد: 1960 - 1975" الفراغ الذي عرفه النقد المسرحي العلميّ والحركة المسرحية على السواء. ولا تتجلّى فرادة هذا الكتاب الضخم في كونه المرجع الأوّل للمسرح اللبناني فحسب وإنّما في شموليته وعمقه أوّلاً وفي منهجيته العلمية الصارمة تالياً وفي نزاهته وتجرّده وترفعه عن التناقضات التي نشبت في عالم المسرح اللبناني ولا سيّما بعد الحرب. ولا تخفي الناقدة شغفها الكبير ليس فقط بالحركة المسرحية اللبنانية الطليعية التي رافقتها عن قرب وإنّما بمدينة بيروت التي كانت في السنوات الستين والسبعين مختبراً حقيقياً للثقافة والأدب والفنّ عموماً. وعجزت الناقدة عن إطفاء جذوة الحنين المستعرة في قلبها ووجدانها الى تلك المرحلة الفريدة كيلا أقول الذهبية التي شهدتها بيروت وولّت كما لو أنّها حلم باهر أحرقته نار الحرب الأهلية. والصدفة الجميلة تجلّت في صدور كتاب خالدة سعيد عشية إعلان بيروت عاصمة للثقافة العربية فبدا الكتاب وكأنّه تتويج لهذه العاصمة ولتاريخها الثقافي ولمرحلة الستينات "المرحلة الذهبية" التي شهدت كما تعبّر الناقدة "لحظات حيّة وخلاّقة". إلا أنّ صدفة أخرى ولكن أليمة رافقت اعلان بيروت عاصمة ثقافية وكذلك صدور الكتاب تجلّت في إغلاق "مسرح بيروت" الذي كان موئلاً للحركة المسرحية الطليعية. وبين تاريخ المسرح اللبناني كما كتبته خالدة سعيد وواقعه الراهن هوّة عميقة هي الهوّة التي حفرتها الحرب وما تلاها من أحوال سلمية لا تقلّ قهراً وبشاعة عن الحرب نفسها. أدركت خالدة سعيد في تأريخها الحركة المسرحية اللبنانية وفي تحليل ظواهرها وتصنيفها أنّ من أولى مهمّاتها أن تبني مرجعاً أو ما يُسمّى نواة تنطلق منهما وتستند اليهما في قراءتها النقدية المنهجيّة. فهي وإن عاصرت الخطوات الأولى والمحاولات والتجارب وشاهدت عروضاً كثيرة في تلك الآونة تحتاج الى مرجع فعليّ، شبه تاريخي وشبه وثائقي. وقد اكتشفت كما تعبّر، أنّ الصورة التي تمجّدها تفلت ملامحها منها ولم يكن من السهل عليها أن تمنحها "مقوّمات حضور موضوعي متكامل". فعالم المسرح شاسع ومتعدد في مداخله ومخارجه وتصعب الإحاطة به من دون الارتكاز الى محطاته التاريخية وبعض وثائقه. وان سعت الناقدة الى وضع كتاب شامل يغطّي الحقبة تلك فهي لم تدّعِ أنّ كتابها ذو طابع موسوعي. ولم تدّعِ كذلك أن عملها "كامل وشامل" بل هو في نظرها يضيء ركائز الحقبة المسرحية ويؤسس مرجعاً أوّلياً حولها. وصفة "الأولية" هنا لن تعني البديهية أو المحاولة الناقصة مقدار ما تعني التمهيد النقديّ الذي قد يُغني بذاته عن سواه ويفتح في الحين عينه الطريق أمام البحث المستفيض والتوثيق والقراءة المختلفة. ويجب الانتباه الى أنّ الناقدة أعادت بنفسها تأريخ المسرح لا لتقف عنده بل لتنطلق منه. فالحركة المسرحية غير مدوّنة وغير مدروسة كما تشير والمصادر والمراجع نادرة جداً. وكان عليها أن تعتمد مصدرين اثنين: عالم المسرح بأهله مبدعين وعاملين فيه وعالم المسرح بجمهوره والمتلقين على اختلاف مشاربهم. وهكذا كان لا بدّ لها أن ترجع أوّلاً الى "أفكار" المسرحيين والى منطلقاتهم النظرية وسواها وهي ظلّت في معظمها "طيّ الصدور" ووقفاً على "حيّز الذاكرة". فالمسرحيون اللبنانيون ظلّت أعمالهم عبارة عن عروض قُدّمت وانطوت بعد تقديمها، ولم يسعوا الى كتابة التجارب التي خاضوها والأفكار التي تبنّوها و"بشّروا" بها ولم يعمدوا الى تدوين نظرياتهم مثلما فعل بعض الروّاد في العالم. ويمكن استثناء قلّة قليلة جداً ومن ضمنها مثلاً منير أبو دبس الذي حاول على غرار ستانيسلافسكي أن يدوّن آراءه في الممثل وفنّه. غير أنّ بعض الأحاديث والشهادات التي أدلى بها المسرحيون الى الصحافة أو شاركوا عبرها في "الملفات" الصحافية حملت بعض وجهاتهم وآرائهم وعبّرت عن هويّاتهم المسرحية وقضاياهم. وفيما كان من المنتظر أن تنضج الخبرات في نهايات السبعينات حلّت الحرب الأهليّة فأحرقت ودمّرت وأوقعت الخراب في الذاكرة والواقع. تعترف خالدة سعيد إذاً أنّها انطلقت من "الأفكار" و"الذكريات" منبثقة من منابعها الأولى أي كما سردها أو أعاد سردها المسرحيون أنفسهم وبعض الذين رافقوهم في أعمالهم. وإذ تجاهر أنّ المسرحيين هؤلاء فتحوا "خزائن الذكريات" وتكلّموا فهي سرعان ما توضح منهجها في محاورتهم والطريقة التي اعتمدتها للحصول على الوقائع والمفاهيم. فالفنانون حين يتكلّمون عن أنفسهم قد يقعون في المبالغة وفي مدح الذات مغمطين الآخرين حقهم. وهذا ما حصل حين عمد أحد المسرحيين اللبنانيين الى تأريخ المسرح "مسرحياً" أو مشهدياً فقدّم نفسه على الآخرين وبدا كأنّه هو الذي أسس المسرح اللبناني ورسّخ معالمه. عرفت إذاً خالدة سعيد ماذا تأخذ من الحوارات وماذا تُسقط. وهي أصلاً لم تثبت الحوارات كاملة ولم تعتمد صيغة السؤال والجواب مقدار ما قارنت بين الأحاديث والشهادات وما كتب في الصحافة حينذاك. وكانت موضوعية في محاورتها المسرحيين كي تتمكّن من رصد معالم الحركة المسرحية. فتناولت نواحي عدّة من تجاربهم: بداياتهم وبيئاتهم، مراحل المعرفة المسرحية، مذاهب الإخراج والتقنيات، علاقتهم بالنصوص، علاقتهم بمحيطهم ورؤيتهم الخاصّة الى التيارات السياسية والاجتماعية، علاقتهم كمسرحيين بالحياة الثقافية ككلّ شعراً وفناً... وانطلاقاً من ثمانين حديثاً مع ثمانية وخمسين مسرحياً ومعنياً بالمسرح استطاعت الناقدة أن تستعرض الحركة المسرحية تاريخياً وأن تحلّل معالمها وظواهرها وأن تصنّف اتجاهاتها وتبحث في مبادئها ومنطلقاتها النظرية والعملية. وقد توفّرت لها مئتان وثمانون ساعة مسجّلة من الأحاديث والحوارات فضلاً عن الرسائل التي تلقتها. وحصلت كذلك على بعض النصوص المسرحية المؤلّفة أو المقتبسة أو المعدّة وكانت أشبه بالمرتكزات المهمّة ولا سيّما في تناولها الكتابة الدرامية واللغة والاقتباس. ورجعت الناقدة الى مصدر ثان هو كما سمّته "جهة المشاهد أو المتلقي" وحدّدته في المقالات النقدية والأخبار والتعليقات التي دوّنتها الصحافة في متابعتها الأعمال والعروض. وقد أفادت من هذه المادة "الحيّة" التي كانت تشهد للحين على المسرحيات والتجارب وغدت بين يديها مرجعاً يضيء بعض الزوايا ووثيقة تؤلّف سجلاً للتيارات الفنّية والنظرات النقدية. وشهدت تلك المقالات على اختلافها ووضاعتها على التطوّر الذي حقّقه النقد المسرحي في مقاربته للأعمال منتقلاً من مهمّة أولى وعابرة كالمدح والوصف والتعليق والتشجيع الى مهمّة أعمق كالتحليل والتوقف عند الأهداف والأساليب والتقنيات.... وأثبتت الناقدة ما استقت من شواهد من النقد والتعليقات في نصّها ولم تكتفِ بتلخيصها كي تكون شواهد فعلية على لغة النقد المسرحي الذي رافق الحركة طوال تلك السنوات. كتاب لا يختصر يصعب حقاً اختصار كتاب خالدة سعيد في صفحاته التي تربو على السبع مئة وقد تحتاج بعض فصوله الى قراءة خاصّة نظراً الى شموليّتها. فالناقدة لم تكتفِ بالتأريخ للسنوات الخمس عشرة التي شهدت ولادة المسرح اللبناني الحديث وتحوّلاته الرئيسية بل توقّفت نقدياً أمام بعض المحطّات والظواهر والنظريات. وقدّمت للمرحلة "الذهبية" تلك بمراجعة بانورامية للمراحل السابقة التي مهّدت لها مذكّرة أنّ ولادة المسرح العربي في صيغته "الغربية" تمّت في لبنان على يد الرائد مارون نقّاش 1817 - 1855. ثم تطرّقت لتجربته الطريفة ولما سمّي هجرة المسرحيين اللبنانيين الى مصر ومن أبرزهم جورج أبيض 1880 - 1959. وترسيخاً للتجربة التاريخية توقّفت عند محمد شامل وفيليب عقيقي وسواهما من المسرحيين الذين سبقوا الانطلاقة الحديثة الأولى وقد حققها لقاء منير أبو دبس وأنطوان ملتقى عام 1909 حول مسرحية "ماكبث" ثم رسختها فرقة المسرح الحديث وكانت أسستها مهرجانات بعلبك الدولية في العام 1960. وتوضح الناقدة أن كتابها غير معنيّ بالتأريخ للمسرح في النصف الأوّل من القرن الحالي لكنّ العودة الى الحياة المسرحية التي سبقت "وثبة الستينات" تجيب على أسئلة كثيرة مطروحة. ترى خالدة سعيد أنّ المسرح اللبناني والعربي عموماً ولد في حقل الأفكار وليس في ميدان الطقوس والاحتفالات الشعبية حتى وإن تأثر بعض المسرحيين بجوّ الطقوس والاحتفالات. والمسرح "المفكّر" هو ابن المدينة الجديدة وجزء من فضائها الحديث، وعرف المسرح اللبناني ذروتين "في خضمّ حركتين واسعتين" حملت الأولى عنواناً هو "النهضة" والثانية عنواناً آخر هو "الحداثة". كان المسرح إذاً في صميم "حركة الأفكار" منذ عصر النهضة حتى عصر الحداثة. وترصد المؤلّفة المعالم الثقافية التي شهدتها بيروت واحتضنت من خلالها الإنطلاقة المسرحية ومنها: حركة الفنّ التشكيلي وما رافقها من سجال، حركة مجلة "شعر" التي استقطبت بدايات الحداثة الشعرية العربية وكذلك الموسيقى والصحافة وسواهما... وكانت الأوساط المسرحية على علاقة عميقة بهذه الحركات وقد أسهم بعض الرسامين والشعراء في إحياء النشاط المسرحي. وقد طمح المسرحيون الى وضع تصوّرات جديدة والى ترتيب القيم والعلاقات والى اعادة النظر في المنطلقات الأولى والتقنيات والتلقّي. وقد أفاد المسرح اللبناني كثيراً من المناخ السياسي والثقافي في لبنان. فالحياة الثقافية كانت تتمتع "بهامش واسع من الحرية" وهي طبعاً حرية التعبير والاعتراض والتظاهر والانتماء. وكثيراً ما تميّز "الهامش" الثقافي بالتعدد والتنوع والاختلاف. أمّا أبرز ما ميّز تلك المرحلة فهو انفتاحها على اتجاهات المسرح العالمي الحديث. "فما كان يجري في العالم كان مرئياً هنا وله حضوره ولم تكن النوافذ مغلقةً. واستطاع المسرح فعلاً أن يستوعب "الحياة المدينية التي كانت تتمشهد وتتظاهر". وكان على "المظاهرة" أن تصعد الى الخشبة وعلى المسرحية أن تنزل الى الشارع. وفي خلاصة الكلام أنّ المسرحيين الجدد رأوا في المسرح "لغة مؤهلة أو وسطاً فكرياً مؤهلاً لمناقشة الأفكار والاضطلاع بدور فلسفي أو دور سياسي...". لم تدعْ خالدة سعيد قضية أو تجربة أو فرقة أو نظرية عرفتها السنوات الخمس عشرة إلا وتطرّقت اليها. وتطرّقت كذلك الى المخرجين ومناهجهم وأساليبهم والى الممثلين وتقنياتهم والى معظم العاملين في الحقل المسرحي كالسينوغرافيا وسواها. وإن لم يهدف كتابها الضخم الى التأريخ الصرف للحركة المسرحية فهو وضع تاريخها من دون قصد ووفق منهج علميّ ولكن خالٍ من الجفاف الأكاديمي. وانطلقت من لجنة المسرح العربي التي أسستها لجنة مهرجانات بعلبك وراحت تتعقب حركة المسرح مرحلة تلو مرحلة، وحلقة تلو حلقة. وفي رصدها معالم "الانطلاق والبحث" توقفت أمام ظاهرة الممثلين معتبرة إياهم "قاعدة الحركة المسرحية" وتوقفت طويلاً كذلك أمام "الكتابة المسرحية" من خلال كاتبين هما: جورج شحادة وعصام محفوظ. ولم تهمل طبعاً "المخرجين المؤلّفين". وسعياً منها لترسيخ دراستها علمياً ومنهجياً ولقراءة الحركة المسرحية اللبنانية على ضوء التجارب العالمية المعاصرة خصّصت الناقدة فصلاً كاملاً عنوانه "في آفاق البحث المسرحي" تناولت عبره جذور الثورة المسرحية الحديثة في العالم وروّادها ومواقع البحث المسرحيّ والعلاقة بين العرض والجمهور. وقد نمّ هذا الفصل المختلف عن عمق ثقافتها المسرحية وعن إلمامها الشامل بالحركة المسرحية العالمية وبالمناهج النقدية المسرحية الحديثة والمفاهيم الجديدة. وهذا الفصل يحتاج فعلاً الى مراجعة خاصة ومن الممكن أن يفيد منه القرّاء والمسرحيون والنقاد على السواء. وإن كان من الصعب جداً اختصار كتاب خالدة سعيد شبه "الموسوعي" حتى وإن رفضت هي هذه الصفة فلأنّه يختصر مرحلة رئيسة من تاريخ المسرح اللبناني الحديث ولأنّه حقاً المرجع الأوّل الذي ملأ الفراغ الذي تركه النقد المسرحيّ تاريخياً وتوثيقياً وتحليلياً طبعاً. وقد بذلت الناقدة جهداً كبيراً لتضع هذا الكتاب الشامل والعميق وهو جهد أفراد وليس جهد فرد. وجمعت الى منهجيتها العلمية ودقتها في البحث سلاسة في الأسلوب واللغة. فإذا النصّ النقديّ يقدّم نفسه الى القارىء بسهولة لا تخلو من العمق. وعبر كتابها أسست خالدة سعيد فعلاً لنقد مسرحي علميّ تاريخي وتحليلي وظّفت عبره رؤيتها النقدية الثاقبة وثقافتها ومنهجها وخبرتها الطويلة فلي حقل النقد الأدبيّ والبنيويّ. وإن أسدت خدمة كبيرة للمسرح اللبناني وللمسرحيين والجمهور كذلك في رسمها معالم التجربة المسرحية الحديثة فهي أسدت خدمة أيضاً للنقد المسرحي الذي وجد - وسيجد دوماً - في هذا الكتاب مرجعاً لا بدّ من العودة الدائمة اليه. وربّما لم تؤسس الناقدة فقط بل أسست وانطلقت في مشروعها النقديّ من غير أن تهمل أو تتجاهل ما كتب قبلها سواء في الصحف أم في المنابر الأخرى. وإذا شاءت خالدة سعيد الابتعاد عن مسرح الحرب وما بعدها مكتفية بحدود التأسيس والتجربة الحديثة فهي تركت المجال مفتوحاً لمن يشاء من النقاد أو الباحثين أن يكمل ما بدأته هي وأنجزته. ترى مَن سيجرؤ على اقتحام مرحلة الحرب في تناقضاتها وفي الأسئلة المريرة التي طرحتها؟ فالحرب التي أصابت "المشروع" الثقافي اللبناني لم ينج من آثارها المسرحيون أنفسهم. وقد خان بعضهم قضاياهم ومواقفهم وتراجع بعضهم عن طليعيّتهم ليقعوا في "شرك" السطحية والإدّعاء والافتعال. * صدر الكتاب عن لجنة المسرح العربي - مهرجانات بعلبك الدولية بيروت 1999، في 718 صفحة من الحجم الكبير وضمّ مجموعة من الصور والجداول.