لم يشأ الناقد اللبناني نزيه خاطر ان يغادر شارع الحمراء الا في لحظة الموت الذي وافاه امس في منزله عن أربعة وثمانين عاماً. كان هذا الناقد وجهاً من وجوه لبنان الثقافية ورمزاً من رموز بيروت الستينات وصاعداً، رافق الحركة الفنية والمسرحية اللبنانية والعربية عن كثب ووظف ثقافته ومراسه في متابعة المعارض التشكيلية والمسرحيات الطليعية التي رسخت صورة بيروت كمختبر فني ومسرحي عربي حديث ومعاصر. كتب نزيه خاطر عن معظم الأعمال التي شهدتها الخشبة بصفته ناقداً دؤوباً ومتفرغاً لهذه المهنة التي جمعت بين الصحافة كعمل يومي والنقد العميق والقائم على الانطباع والذائقة كما على الخبرة والاختصاص في آن واحد. اما المعارض التشكيلية التي حفلت بها بيروت فكان لها بالمتابع، كتب عنها وعن فنانيها وعن الأجيال التي تعاقبت على صنع الحركة التشكيلية. وكان ذا خبرة عميقة في المقاربة النقدية وفي قراءة الظواهر الفنية الجديدة انطلاقاً من مواقعها وعلاقاتها المتبادلة وقاعدتها المشتركة. لم يصدر نزيه خاطر كتاباً في النقد، كان دوماً يؤجل هذا المشروع لأسباب مجهولة، لكنه كتب مئات المقالات خلال مساره الذي تجلى خصوصا في جريدة "النهار" البيروتية، وهي المنبر الذي ظل وفياً له حتى لحظة إعفائه من العمل تقاعداً، بعدما قارب الثمانين. مقالاته لا تحصى فعلاً وتشكل مرجعاً مهماً ورئيساً لتأريخ الحركة التشكيلية والمسرحية التي عرفها لبنان بدءاً من الستينات حتى العقد السابق. هذه المقالات خضعت لنظام كرونولوجي متوال نظراً الى متابعة كاتبها الحركة الفنية متابعة شبه يومية عبر مقالاته الصحافية. وكم كان اصدقاؤه يحرضونه على جمع مقالاته وتبويبها وعلى كتابة تاريخ المسرح والفن التشكيلي اللبنانيين من خلالها، فهو كان مؤهلاً حقاً لكتابة هذا التاريخ بعين الناقد الشغوف. نزيه خاطر هو ابن الكاتب الكبير والمؤرخ لحد خاطر وسليل بيت عرف بنزعته الأدبية والثقافية، لكنه اختار في مطلع حياته دراسة الأدب الفرنسي جراء إجادته الباكرة للغة موليير. وقد علّم الأدب الفرنسي في الصفوف الثانوية بالتوازي مع عمله الصحافي الى ان تفرغ له نهائياً. وكان استهل عمله في الصحافة الفرنكوفونية اللبنانية الى ان قرر الكتابة بالعربية. كان نزيه خاطر شخصية ثقافية غاية في الخصوصية، داوم على الجلوس في المقاهي الثقافية في شارع الحمراء الذي سكن في إحدى ابنيته ولم يغادره حتى في أوج الحرب والمعارك والاحتدام الطائفي. كان يشعر انه ابن هذا الشارع الذي طالما عجّ بالمثقفين والكتاب اللبنانيين والعرب.